أقلام وأراء

جميل مطر: السياسة الصينية جدل الماضي والمستقبل

جميل مطر 13-7-2023: السياسة الصينية جدل الماضي والمستقبل

جرت مع زميلة عزيزة مناقشة استغرقت جلسات عدة، وبيننا هواتفنا وحواسيب نستعين بها إن خفتت الذاكرة، أو بهتت الصور، وتآكلت الحروف. نتج عن المناقشة استفسار تحت عنوان «الشغل الشاغل للرئيس الصيني خلال مرحلة ولايته الثالثة».

هل يشغله بالدرجة الأولى الوضع الاقتصادي الداخلي، أم الظروف التي تسمح، أو تلحّ بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أم تشغله احتمالات استمرار أو اقتراب نهاية عهد الرئيس، فلاديمير بوتين، في الكرملين، أم تشغله الحاجة أو الضرورة إلى شن غزو لاستعادة تايوان إلى مكانها في الوطن، أم يشغله تسارع أو تباطؤ خطوات انحدار أمريكا كقطب مهيمن ومصدر تهديد، وفي الوقت نفسه كحاجز صد لأمواج فوضى عالمية لا تحتمل؟

امتد بنا الوقت ونحن نحاول حصر الموضوعات والقضايا، الداخلية والخارجية، التي يمكن أن تكون بين أولويات اهتمام الرئيس الصيني لنكتشف أنها تكاد تبدو بالنسبة لكلينا، لا نهائية. نناقش الواحد منها لننتهي إلى أنه هو، وليس غيره، الشغل الشاغل للرئيس، فهو الذي يجب أن يسبق غيره من القضايا، بخاصة إذا كان بين مبرراتنا أنه القضية التي ترتبط نهايتها، ارتباطاً كلياً وحتمياً، بحرب تستعمل فيها كل أطرافها أسلحة وأدوات الدمار الشامل..

هنا أصرّح بأن الفضل في توخي الدقة في توجهات النقاش يعود إلى الرئيس شي نفسه. ففي خطاب، أو تصريح له قبل عامين، وجّه رسالة إلى الشعب الصيني يدعوه فيها إلى التمعن في ظاهرة «التداوير» وأقصد بها صعود الإمبراطوريات الصينية، وانحدارها، عبر دوائر تكاد تكون متصلة ومتواصلة. تصعد معتمدة على دائرة الانحدار التي سبقتها، وأخرى تنحدر، ثم تنفرط في دوائر بلا عدد. بذلك عبر الرئيس الصيني عن جوهر ما يشغل بال كثير من زعماء العالم. بعض هؤلاء الزعماء انشغل فعلاً بتفاصيل التاريخ، اختار منها ما يناسب تطلعاته وخلاصاته الشخصية، فخرج منها بقراءة ذاتية وجعل هذه القراءة الأساس النظري لمجمل فكره وعقيدته في الحكم.

الرئيس شي، ليس استثناء عن هذه القاعدة، قاعدة وعي القادة الصينيين بفلسفة «التداور» في الفكر والتطبيق. الاختلاف الوحيد، ولعله الأكبر والأهم، يتجلى واضحاً في أن الرئيس شي استبدل الكيان الإمبراطوري بالحزب الشيوعي الصيني. هنا يطل علينا بالتأكيد من عقيدة الرئيس الصيني مزيج فريد من بعض فكر الرئيس الراحل، ماو تسي تونغ.

لم يغب عن تفكير الرئيس شي حقيقة، أو وهم أن الحزب الشيوعي الصيني ربما حمل معه فيروس «الدوراتية»، بمعنى أنه مثل نظام الحكم الإمبراطوري الصيني يخضع لظاهرة دورات الصعود والانحدار. وفي خطاب له أفصح عن رؤية تخصه وتتعلق بعام 2049 العام الذي ينتظر أن يشهد نهاية ظاهرة الصعود والانحدار، عام اكتمال نضوج الحزب الشيوعي الصيني، وبالتالي بلوغ الصين مكانة الدولة العظمى. بمعنى آخر يظل الحزب معرضاً إلى أن يحين هذا التاريخ لجولات صعود وانحدار بكل ما يعنيه هذا التراوح من مشكلات. لذلك لا بد من القفز فوق هذه النمطية التاريخية التي تمسك بتلابيب الاستقرار الصيني. ولا بد، إن أريد للصين بأن توالي نهوضها النموذجي، أن يبقى الشعب متيقظاً لمنع انطباق ظاهرة التداور الحضاري على الحزب الشيوعي الصيني، والحيلولة دون الوقوع في أخطاء تعطل تحقق رؤية الرئيس شي.

جدير بالذكر أن الرئيس ماو تسي تونغ كان يحذر من عدم الانتباه إلى ما يمكن أن يحدث للحزب خلال فترات الهدوء والاستقرار. ففي تلك الفترات الهادئة سياسيا يمكن للفساد أن ينتشر في مختلف أجهزة الحزب. يمكن أيضا أن يختل التوازن في قوى مؤسسات الدولة والحزب، فيشتد مثلاً ساعد القوة في بيروقراطية الدولة على حساب ساعد القوة في هياكل وقيادة الحزب، وفي هذه الحالة يتعين أن يتدخل القائد لإشعال ثورة تعيد إلى الحزب هيمنته وقيادته. وحدث فعلاً أن تدخل الرئيس ماو، أكثر من مرة، تحت عنوان الثورة الدائمة، ومن هذه المرات أطلق الثورة الثقافية لتحقيق هذا الغرض. أما الرئيس الحالي فيلجأ إليها دورياً، وإن بشكل مختلف مع كل انعقاد للمؤتمر القومي العام للحزب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى