ترجمات أجنبية

بلومبيرغ: العالم لا يزال أفضل حالا في ظل الهيمنة الأمريكية

بلومبيرغ 13-9-2023، بقلم أندرياس كلوث: العالم لا يزال أفضل حالا في ظل الهيمنة الأمريكية

إن كلمة “الهيمنة” كلمة محملة بالمعاني، حتى لو كان الجذر اليوناني يعني ببساطة “الزعيم”. في السياسة العالمية يشير المصطلح إلى قوة عظمى تهيمن على النظام الدولي ككل، للخير أو للشر. في حياتنا، كانت الولايات المتحدة قوة مهيمنة، وبشكل مثير للجدل. ولكن يبدو الآن أن نفوذ أميركا العالمي النسبي يتراجع مع صعود قوى أخرى. وسيكون لذلك عواقب بعيدة المدى على السياسة العالمية ومسائل الحرب والسلام.

هل تتضاءل القوة الأمريكية بالفعل أم أنه مجرد تراجع شكلي؟ وهل ترغب الولايات المتحدة، التي ستشهد انتخابات رئاسية في العام المقبل، في استمرارها كقوة مهيمنة؟ وهل سئم الأمريكيون من الدفاع عن هذا النظام العالمي الذي يسمى النظام الدولي القائم على القواعد والقوانين؟ وأخيراً هل يجب على العالم السماح بتدهور مكانة الولايات المتحدة، أم عليه تشجيع استمرار التفوّق الأمريكي؟

إن الإجابة على التساؤل الأخير تعتمد بدرجة كبيرة على المكان الذي يعيش فيه المرء. فلو كان يعيش في بكين فسيرى أن الانهيار الأمريكي لا يمضي بالسرعة المرغوبة، لأنه يعتقد أن الصين يجب أن تحتل موقع القيادة في شؤون العالم. أما إذا كان المرء يعيش في تالين، عاصمة إستونيا، فسيرغب في استمرار الولايات المتحدة قوية، لأنه يدرك أن الوجود الأمريكي في أوروبا قد يكون الشيء الوحيد الذي يحول دون عودة سيطرة روسيا على بلاده في مرحلة ما.

لكن الهيمنة تتجاوز مجرد قدرة دولة ما على الدفاع عن دولة أخرى ضد معتدٍ ما، لأنها تعني القدرة على وضع قواعد النظام وتطبيقها، ومن ذلك التحكّم في كل شيء، من تدفق الأموال، إلى حركة التجارة والملاحة في أعالي البحار. ويُطلق الدارسون على هذه القواعد متعددة الأطراف “المصالح العامة”، لأن المفترض من الناحية النظرية أن تفيد كل الدول، وبخاصة الصغيرة منها.

ومنذ سبعينيات القرن العشرين، ومع عمل المؤرخ الاقتصادي الأمريكي تشارلز كيندلبرغ، ظهرت نظرية شهيرة في مجال العلاقات الدولية تقول إن العالم يحتاج إلى قوة مهيمنة للمحافظة على هذه القواعد، وتحقيق النظام والاستقرار بشكل عام. وعندما تختفي القوة المهيمنة يرتدّ النظام الدولي إلى حالته الأولى، وهي الفوضى، لأن العالم، على عكس أي دولة، لا توجد فيه حكومة واحدة تحتكر شرعية استخدام القوة.

بهذا المنطق كان العالم مستقراً نسبياً في عهد الهيمنة البريطانية، في القرن التاسع عشر، عندما كانت بريطانيا تدير المؤسسات النقدية مثل معيار الذهب، وتحافظ على طرق التجارة العالمية مفتوحة باستخدام قوتها البحرية، وغير ذلك. ولا يعني هذا بالضرورة أنه كان عصر النعيم بخاصة بالنسبة للشعوب التي كانت بريطانيا تحتل بلادها. لكن يمكن القول إنه كان عصراً أكثر نظاماً مما كان سيصبح عليه بدون وجود القوة البريطانية المهيمنة.

أُوبالفعل فتح النظام العالمي المنقوص بعد الحرب العالمية الأولى الباب أمام الفوضى عندما تآكلت هيمنة بريطانيا، في حين لم تكن الولايات المتحدة راغبة بعد في ممارسة دور القوة المهيمنة. وبعد الحرب العالمية الثانية تحركت الولايات المتحدة بسرعة لإعادة الاستقرار، على الأقل داخل العالم الرأسمالي. ومع مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين والأحلاف الدفاعية مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو) أُطلق على هذا النظام الذي تقوده الولايات المتحدة (وإن لم يكن بطريقة سلمية دائماً) وصف “السلام الأمريكي” المقتبس من المصطلح القديم المعروف باسم “السلام الروماني”، الذي يعود إلى عصر هيمنة الإمبراطورية الرومانية القديمة على العالم.

وبعد أن أصبحت “نظرية الاستقرار القائم على الهيمنة” هي السائدة، يشعر صنّاع السياسة والباحثون، وبخاصة في واشنطن، عاصمة الهيمنة العالمية حالياً، بالقلق من لحظة انتهاء دور أمريكا كقائد للعالم. وربما يعود ذلك إلى “التمدد الامبراطوري” المفرط، أو لانكماش نصيب أمريكا من الاقتصاد العالمي، أو أي شئ آخر. لكن التقارير عن نهاية الهيمنة الأمريكية مبالغ فيها بصورة كبيرة، لذلك علينا الحذر من التسرّع في استبعاد الهيمنة الأمريكية.

وكسردية تاريخية للعلاقات الدولية، فالهيمنة تنطوي على المنافسة. ويصرّ المفكرون الواقعيون التقليديون على أن الاستقرار العالمي يحتاج إلى وجود توازن للقوة، وليس للهيمنة. في حين ما زال الليبراليون المؤمنون بالنظام الدولي يعتقدون أن الدول تستطيع التعاون في غياب قوة مهيمنة. لكن في المقابل هناك الماركسيون الذين لديهم نظريتهم الخاصة في الهيمنة.

وهنا يمكن طرح سؤالين، الأول؛ هل سيكون العالم أفضل إذا أحللنا قوة مهيمنة جديدة؟ في ضوء المتطلبات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والنووية للدولة المهيمنة، فإن الصين هي الدولة الوحيدة المرشحة حالياً لكي تحلّ محلّ الولايات المتحدة في المستقبل المنظور. ويقول المحلل الألماني كلوث إنه يشك في أن يختار أي شعب خارج حدود الصين الحزب الشيوعي الصيني ليقود النظام الدولي وفقاً لقواعده.

ما السؤال الثاني، فهو هل سيكون العالم أفضل إذا لم توجد فيه قوة مهيمنة على الإطلاق. ويقول كلوث إن إجابته هي “لا”، لأنه يتوقع العودة إلى حالة الفوضى، وليس إلى حالة تعدد الأقطاب كما يقول البعض.

ولكن السؤال الأهم الآن هو هل تريد الولايات المتحدة مواصلة دورها المهيمن على شؤون العالم. وربما تصبح الإجابة على هذا السؤال أوضح بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقررة في العام المقبل. وحتى إذا سيطرت الحروب الثقافية المحلية الأمريكية على الانتخابات فإنها ستشهد انقساماً بين رؤيتين متعارضتين بالنسبة للعلاقات الدولية. الرؤية الأولى يجسدها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأمثاله، وهي رؤية انعزالية وقومية، في حين يجسد الرؤية الثانية الرئيس جو بايدن، أو أي مرشح مشابه، وهي رؤية أممية وواقعية، وتدعو للانخراط مع العالم.

ويمكن القول إنه ربما يعتمد مستقبل القيادة الأمريكية للعالم، في نهاية الأمر، من ناحية على الموارد، ومسارات القوى المنافسة، والمواقف تجاه القوة الأمريكية في أنحاء العالم، وعوامل أخرى. لكن قبل كل ذلك؛ سيعتمد الأمر على الأمريكيين أنفسهم الذين سيدلون بأصواتهم بشأنه.

Bloomberg: The World Is Still Better Off With US Hegemony

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى