أقلام وأراء

ابراهيم نوار: الصمود الفلسطيني ووحدة الصف مفتاح المرحلة المقبلة

ابراهيم نوار 20-3-2024: الصمود الفلسطيني ووحدة الصف مفتاح المرحلة المقبلة

تحت مظلة خلاف حاد بين إدارة بايدن وبنيامين نتنياهو بشأن الوضع في غزة، ومفاوضات تبادل الأسرى والمحتجزين، وضرورة فتح المعابر والطرق البرية لدخول المساعدات الإنسانية بالقدر الكافي إلى السكان المحاصرين، وحماية المدنيين في رفح في حال اجتياح المدينة برا، لم تتوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية يوما واحدا، وما الحديث عن موعد الاجتياح البري لرفح، إلا مجرد غطاء لاستمرار العمليات العسكرية البرية والبحرية والجوية ضد رفح، التي تقتل العشرات وتصيب مئات الفلسطينيين كل يوم، وتدمر ما تبقى لهم من ممتلكات. ويجب التأكيد على أنه لا توجد خلافات استراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وإنما الخلاف هو بين إدارة بايدن ورؤية نتنياهو للحرب وما بعدها في غزة.

طريق إدارة بايدن إلى الضغط على إسرائيل مفتوح، إذا كانت صادقة، وهو وقف تزويدها بالسلاح، ووقف استخدام الفيتو لحمايتها في مجلس الأمن، ومساعدة مصر على ممارسة سيادتها الكاملة على معبر رفح، وحماية قوافل الإغاثة الإنسانية من خلال مجهود دولي منسق مع الأمم المتحدة.

إذا لم تفعل واشنطن ذلك فإن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تفقد مصداقيتها للأبد، إن إرسال المساعدات عن طريق البحر هو مجرد مظاهرة شكلية قليلة الأثر، لا تستجيب لاحتياجات الفلسطينيين في غزة. وعلى الرغم من كل الضجة التي صاحبت وصول سفينة الإغاثة من قبرص إلى شاطئ غزة، فإن كل حمولة المقطورة العائمة التي جرتها السفينة كانت 200 طن، تعادل حمولة 10 شاحنات، وجرى تفريغها بالفعل في 12 شاحنة. وهناك إجماع على أنه لا بديل عن الممرات البرية لوصول المساعدات، الأمر الذي يتطلب بالضرورة وقف إطلاق النار، وفتح كل المعابر، وإنهاء الحصار والاحتلال. كذلك فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد مقرات الإغاثة والمستشفيات والبنية الأساسية المدنية والسكان لم تتوقف في أي يوم، وما يقال عن تحديد موعد لاجتياح رفح بريا، ما هو إلا غطاء لتمرير عمليات القتل وتسوية رفح بالأرض يوما بعد يوم.

خصومة سياسية متبادلة

حولت إسرائيل المفاوضات بشأن تبادل الأسرى والمحتجزين إلى منصة للجدل الدبلوماسي حول الشروط الضيقة لهذا التبادل، لتبرير تضييع المزيد من الوقت، لمصلحة دبلوماسية نتنياهو الهادفة لإطالة أمد حرب غزة إلى خريف العام الحالي على الأقل، حتى تصبح قضية رئيسية من قضايا الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ووسيلة لتعبئة الصوت الصهيوني في الولايات المتحدة، ضد إعادة انتخاب جوزيف بايدن، ولن تتوقف مناورات نتنياهو من أجل إطالة أمد الحرب، والعمل على إسقاط بايدن. في المقابل فإن بايدن يراهن على إسقاط نتنياهو في انتخابات إسرائيلية مبكرة. وتعتبر الإدارة الأمريكية الحالية، أن نتنياهو يمثل عقبة رئيسية في طريق تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وقد عبر السيناتور اليهودي البارز تشاك شومر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ عن ذلك، بعد التنسيق مع البيت الأبيض. في الوقت نفسه فإن الحكومة الإسرائيلية تعتبر أن المسؤولين عن رسم سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هم شلة من معاوني الرئيس الأسبق باراك أوباما المعادين لإسرائيل. هذه النظرة من كل من الطرفين إلى الآخر تعكس شعورا عميقا متبادلا بعدم الثقة بينهما، من شأنه أن يقف حائلا ضد أي محاولة حقيقية لتنسيق مواقفهما تجاه التطورات السريعة الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديد الهدف النهائي للحرب. وفي حواره الأخير مع فضائية «سي إن إن» هاجم نتنياهو المطالبين بإجراء انتخابات مبكرة حتى بعد انتهاء الحرب، معتبرا أن من يقرر ذلك هو الشعب الإسرائيلي وليس غيره. وقد جاءت هذه المقابلة في سياق حملة إعلامية منظمة للوصول إلى الرأي العام الأمريكي، والطعن في مصداقية سياسة بايدن تجاه إسرائيل، والتأكيد على أن انتصارها التام في غزة هو انتصار للولايات المتحدة.

وفي حوار آخر أجراه مع جون سبنسر رئيس برنامج دراسات حرب المدن في معهد دراسات الحرب الحديثة الأمريكي في الأسبوع الماضي، قال نتنياهو إن الانتصار على حماس قريب المنال، لأن ثلاثة أرباع قوة حماس القتالية تم تدميرها كما يزعم، وأكد عزم الجيش الإسرائيلي على إنجاز المهمة في غزة بأكملها، مع تقليل الخسائر البشرية في رفح بإخلاء مناطق العمليات من السكان المدنيين، والعمل على توفير المساعدات الغذائية اللازمة لهم. واتهم نتنياهو القوات الأمريكية، بأنها لم تراع هذه المعايير في حروبها السابقة، وتسببت في إحداث خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين في حروب المدن التي خاضتها، مثل حرب الموصل ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. واعتبر أن مجرد إصدار تحذير مسبق للسكان بشن عمليات عسكرية يخلي مسؤولية إسرائيل عن الخسائر البشرية. وشرح نتنياهو كيف يقود إدارة الحرب والدبلوماسية في آن واحد، قائلا إن الجيش يخوض حربا لهزيمة حماس، بينما الدبلوماسية تخوض حربا هدفها أن يسمح العالم لإسرائيل بالوقت الكافي لهزيمة حماس تماما. ما قاله نتنياهو هنا يتضمن اعترافا باستغلال عامل الوقت بكل الطرق الممكنة، من أجل تحقيق الهدف الذي تسعى إسرائيلي إليه. وليس من المستبعد أبدا أن يكون نتنياهو قد وضع في اعتباره أن إطالة أمد الحرب، واستخدام كل الوسائل المساعدة على تحقيق ذلك، بما فيها المفاوضات والجدل بشأن شروط تبادل الأسرى والمحتجزين، يمنح إسرائيل الوقت الذي تريده لهزيمة حماس في مناخ سياسي أقل صخبا، وتحويل انتباه العالم من القتال والخسائر البشرية إلى موضوعات أخرى فرعية، حتى يقترب موعد الانتخابات الأمريكية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى إحدى نتيجتين: الأولى هي أن يشعر بايدن بضغوط انتخابية شديدة تدفعه لإعادة تقييم موقفه تجاه مشروع نتنياهو. الثانية هي أن يدفع بايدن ثمنا سياسيا بخسارة الانتخابات، وأن يجيء إلى البيت الأبيض من هو أكثر تأييدا لحرب إسرائيل في غزة، دونالد ترامب. في هذا السياق يمكن تفسير إعلان قرارين متلازمين في وقت واحد تقريبا، الأول يفيد بأن نتنياهو قد أقر خطة عسكرية لاجتياح مدينة رفح بريا، والثاني يفيد بأنه وافق على التصريح لرئيس المخابرات ديفيد برنيع بالسفر إلى الدوحة، لإجراء اتصالات مع المسؤولين القطريين والمصريين بشأن اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين مع حماس.

إعادة تثبيت الردع

إن هدف إسرائيل الحقيقي من حرب غزة يتجاوز مجرد إبعاد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» والمقاومة الفلسطينية عموما من معادلة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وتعتبر قيادات اليمين الصهيوني في إسرائيل والعالم، أن الانتصار الحقيقي الذي حققته المقاومة في عملية «طوفان الأقصى» هو إسقاط نظام الردع العسكري الإسرائيلي، ومن ثم فإن الهدف الحقيقي الرئيسي للحرب هو إعادة تثبيت الردع الذي انهار، وليس مجرد القضاء على حماس والمقاومة، وأن تكون نتيجة حرب غزة رادعا لكل خصوم إسرائيل وأصدقائها في المنطقة على حد سواء. وقد كان هذا الهدف واضحا منذ رد الفعل الأول على عملية «طوفان الأقصى».

وتواجه الحملة العسكرية الإسرائيلية لاستعادة القدرة على الردع في الوقت الحاضر صعوبات شديدة بسبب الصمود الفلسطيني في غزة. هذا الصمود أدى إلى تنشيط الموانع القانونية التي تصب في اتهام إسرائيل بانتهاك القانون الدولي، سواء بواسطة محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية، والضغوط المتعاظمة التي يمارسها الرأي العام العالمي، من أجل ضمان ألا تتحول رفح بسبب اجتياح بري إلى أكبر مذبحة بشرية في تاريخ العالم الحديث. ولهذا فإن الحملة العسكرية الإسرائيلية مصابة حاليا بحالة من الشلل وإعادة التقييم، على ضوء انفجار الخلافات بين بايدن ونتنياهو. ويجب أن يكون معلوما لدينا أن الخلافات لا تمتد إلى عمق الموقف المشترك لكل من الطرفين (الولايات المتحدة وإسرائيل). وطبقا لتصريحات مسؤولين أمريكيين، فإن موقف واشنطن لم يتغير، بالنسبة لعودة «الرهائن»، و»هزيمة» حركة حماس، و»حماية» المدنيين وضمان ألا تكون غزة او الضفة مصدر تهديد لإسرائيل أبدا. ويدور الخلاف الرئيسي بين البلدين حول مستقبل غزة بعد الحرب، والخلاف طويل الأمد بشأن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وإلى جانب خلافاته مع بايدن، فإن نتنياهو يواجه حاليا صعوبات كبيرة في إدارة الحملة العسكرية في غزة، خصوصا مع انتقال الخلافات داخل إسرائيل بشأن الحرب واستعادة المحتجزين إلى منظومتي العلاقات السياسية – العسكرية داخل الحكومة، والعلاقات المدنية – العسكرية داخل المجتمع. وقد تجلت تلك الخلافات في اتهام نتنياهو بإهمال قضية المحتجزين، وانتشار الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة بهدف التخلص منه، واتهام الوزراء المتطرفين لقادة الجيش بقلة الكفاءة، واتهام وزير الدفاع لبعض قادته في الحرب بعدم الانضباط. هذا الوضع مع أنه يضع الحياة في غزة تحت رحمة نيران الحرب، ورهينة القلق من المجهول، فإنه يجعل قوة الصمود الفلسطيني ووحدة الصف مفتاح المرحلة المقبلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى