ترجمات عبرية

إسرائيل تخوض حرباً وجودية: أن نكون أو لا نكون

معاريف 2023-10-21، بقلم: الون بن دافيد: إسرائيل تخوض حرباً وجودية: أن نكون أو لا نكون

 

في إحدى لحظات الراحة النادرة، هذا الأسبوع، تذكرت حديثاً كان لي قبل بضعة أشهر مع رئيس القسم السياسي – الأمني في وزارة الدفاع. أنتمي لجيل الصحافيين الذين لا يزالون يسجلون المحادثات في كراس، وسارعت لأتصفحه؛ كي أتأكد من أن أتذكر الأمر على نحو صحيح. وجدت التسجل، وهكذا قال لي العميد احتياط، درور شالوم، رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات سابقا في 9 آب، “نحو الآن في 1972. قبل لحظة من المصيبة”.

“غير أن هذه المرة”، قال، “ليس مثلما في 1972، أصدرت شعبة الاستخبارات منذ الآن إخطارا استراتيجيا”. في ذاك الوقت، وضعت على طاولة رئيس الوزراء أربع رسائل صاغها من حل محل شالوم في دائرة البحوث، العميد عميت ساعر، الذي حذر من أن “أعداء إسرائيل يشخصون لدينا أزمة عميقة وتاريخية تنطوي على احتمال لتغيير دراماتيكي في الميزان الإقليمي. نحن نشخص ثقة متزايدة بالنفس لدى إيران، (حزب الله)، و(حماس)”، كتب ساعر، “والمس بالردع الأساس عقب تآكل العلاقات مع الولايات المتحدة، والمس بأهلية الجيش الإسرائيلي، وبالاقتصاد، وبالوحدة الداخلية”.

في تلك الأيام، لم يهتم “الكابينت” الأمني لإسرائيل بهذه الإخطارات، وأدار مداولات على كمية الشامبو التي يحصل عليها “المخربون” المحبوسون عندنا. “الاعتداد”، حذرني في حينه درور شالوم، “والتجاهل للإخطارات الاستراتيجية سيودي بنا إلى المصيبة”. تنبأ، ولم يعرف ما تنبأ به.

لا تقلل هذه الأمور من الفشل الذريع للمنظومة العملياتية للجيش الإسرائيلي والمنظومات الاستخبارية لشعبة الاستخبارات “أمان” و”الشاباك”، التي فشلت في تشخيص التهديد وفي الاستعداد له. في التعابير التي ثبتها تسفي لنير عن مفاجأة حرب “يوم الغفران”، شهدت إسرائيل في السبت الأسود مفاجأة أساسية اخطر بكثير من مفاجأة 1973. جيشان مصريان هاجمانا في 6 تشرين الأول في 1973 ولم ينجحا في إلحاق ضرر وكي للوعي كالضرر الذي ألحقه 1500 من “مخربي” “حماس” ومعهم آلاف آخرون، تسللوا إلى إسرائيل في 7 تشرين الأول.

اعترفت القيادة العليا للجيش الإسرائيلي ولـ”الشاباك”، فوراً، بالفشل، وسارعت لتحمل المسؤولية كي تتمكن من التركيز على مهمتها لإبادة “حماس”. شطبت القيادة السياسية بالمقابل كلمة “مسؤولية” من القاموس، وانشغلت كلها ببقاء شخصي وبتصفية حسابات سياسية، مثل منع وصول وزير الدفاع إلى ديوان رئيس الوزراء، في ذروة حرب! إذا ما أديرت هذه الحرب من داخل محلقة السيدة فلن نتمكن من الانتصار. ببساطة هكذا.

التهديد علينا اكبر بكثير مما نجحت “حماس” حتى الآن من إحداثه. في بداية الأسبوع الماضي، شخص الإيرانيون فرصة لتجسيد نبوءة آية الله علي خامنئي عن خراب إسرائيل، وآمنوا بأن بوسعهم تصفيتنا. رأوا الصدمة والدهشة من النتائج الرهيبة لهجمة “حماس”، وآمنوا بأن لحظة الضعف هذه هي لحظة مناسبة ليطلقوا علينا هجوما أيضا من لبنان، من سورية، وحتى من إيران، يمحو الكيان الصهيوني.

ليس في إسرائيل فقط شخصوا التهديد الوجودي. فالإدارة الأميركية أيضا فهمت بأن إيران توشك على شن حرب إبادة على إسرائيل. تسامى الرئيس الأميركي على الفور إلى حجم اللحظة، وأزاح جانبا رواسب الماضي، ووقف إلى جانبنا، وأنقذ دولة إسرائيل. ليس اقل من هذا. لم تكن إسرائيل جاهزة بداية الأسبوع الماضي، لحرب متعددة الجبهات، والوقفة السريعة من القوة الأميركية منعت نشوب حرب كهذه، حتى الآن على الأقل.

القراء المواظبون لهذه الصفحة يعرفون أني لست من مؤيدي الرئيس جو بايدن، لكن من لحظة نشوب الحرب يبدو كمن تلقى حقنة تحفيز ويبدي زعامة ليتها كانت لدى القيادة الإسرائيلية. والدا بايدن كاثوليكيان ملتزمان، علماه عن ترك اليهود لمصيرهم في المحرقة، وفي آخر أيامه أعد له التاريخ الفرصة لإصلاح الظلم وإنقاذ الشعب اليهودي.

من الشمال ستفتح

كنا قريبين جدا، الأسبوع الماضي، من فتح جبهة أخرى مع “حزب الله” في الشمال. بعض المتحملين للمسؤولية عن قصور السبت الأسود دفعوا إلى هذا، ربما على الأمل في محو الأخطاء التي أدت إلى النتائج الرهيبة. كثيرون في جهاز الأمن عارضوا وحذروا من أن إسرائيل غير جاهزة لحرب شاملة في عدة جبهات. حل بايدن لنا المعضلة وأوضح: ركزوا على “حماس”. إذا فتح “حزب الله” حربا، فسيكون شغلهم وشغل إيران معنا.

حاليا، التقط هذا التهديد في بيروت وفي طهران أيضا. إذا كان ثمة احد ما يخافه الإيرانيون فهو الولايات المتحدة. يعرف النظام الإيراني بأن الأميركيين قادرون على تفكيك نظامهم، ونزع كل قدراته. حتى نهاية هذا الأسبوع أنه يكتفي “حزب الله” باحتكاك مؤلم مع إسرائيل على طول الحدود الشمالية، ويمتنع عن توسيع هذا الاحتكاك إلى معركة شاملة.

كما أن “حزب الله” يدفع ثمنا على الاحتكاك. فقد خسر حتى الآن نحو عشرين من رجاله، ومن ناحيته فإن هذه الخسائر هي دليل على انه هو أيضا يساهم في جهود “محور المقاومة”. عندما ستبدأ المناورة البرية في غزة، من المتوقع أن يصعد “حزب الله” الاحتكاك وربما يوسع مدى النار. فهل سيعرف كيف يحدد أعماله إلى ما دون شفا الحرب؟ لا يوجد يقين كهذا.

يعرف “حزب الله” ان حربا واسعة مع إسرائيل ستوقع خرابا عليه وعلى لبنان. وإذا كان سلاح الجو يبدأ في غزة باستنفاد بنك الأهداف الذي كان له، ففي لبنان يوجد لإسرائيل بنك أهداف لن ينتهي حتى في مئة يوم قتال. والتهديد في الجبهة الشمالية سيرافقنا كل أيام المعركة الطويلة، وسيتطلب من الجيش الإبقاء على احتياط لمعركة في الشمال، إضافة إلى القوات الكثيرة التي تنتشر منذ الآن هناك في الدفاع.

كان هناك من فسر تواجد الرئيس ووزير الخارجية الأميركيين في جلسات “كابينت” الحرب وكأن الولايات المتحدة تدير المعركة. هي لا تديرها. لكنها شريك فاعل في هذه الحرب، وكمن ستتحمل معنا المسؤولية عن النتائج فإنها تطالب بمعرفة الخطط وبتصميم حدود المعركة.

يعطينا الأميركيون كامل الإسناد لإبادة “حماس” وقدراتها العسكرية والسلطوية. لكنهم يطالبوننا بأن نبدأ أيضا بالتفكير في اليوم التالي. “نهاية القتال ليست نهاية الحرب”، قال هذا الأسبوع بايدن لرئيس الوزراء ولـ”الكابينت”. “نحن أيضا تعلمنا هذا في العراق وفي أفغانستان”. وعليه فبينما نخرج إلى الخطوة العسكرية التي تستهدف إبادة “حماس” سنضطر إلى أن نبدأ بتخطيط الفعل السياسي الذي سيأتي بعدها.

عندما ستبدأ المعركة البرية فلن تكون سريعة وحادة، مثلما نحب، بل بطيئة، عميقة، وأليمة. ستتطلب منا كل المقدرات وكل القوى التي لدينا، ولكثير من الحظ، ولا تزال قوى أخرى كهذه، حتى بعد عشرة اشهر من جهد منهاجي لتخريب المجتمع الإسرائيلي. مئات الآلاف الذين جندوا لن يسرحوا قريبا.

في كل يوم أنزل فيه إلى الجنوب والتقي مقاتلي النظامي والاحتياط الذين يوشكون على الدخول إلى غزة، أعود متأثراً بالقوة والتصميم لدى شعبنا. أناس يعرفون بأنهم قد لا يعودون من غزة، لكنهم يفهمون عظمة اللحظة. إنهم يخرجون إلى هذه المعركة ليس فقط انطلاقا من نزعة الثأر والغضب اللذين يعتملان فينا جميعنا بل انطلاقا من المعركة الباردة بأن هذه هي حرب على مجرد وجودنا؛ أن نكون أو لا نكون.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى