إسرائيل اليوم: إستراتيجية نتنياهو: انهيار في كل الجبهات
إسرائيل اليوم 29-3-2024، بقلم: يوآف ليمور: إستراتيجية نتنياهو: انهيار في كل الجبهات
مراوحة – لا توجد طريقة أخرى لوصف ما يحصل الآن في غزة. فريق قتالي لوائي يعمل في خان يونس. وفريق قتالي آخر يعمل في شمال القطاع – وهذا هو. ليس هكذا ينتصرون في الحرب.
في الضفة، توجد في هذه اللحظة كتائب مقاتلة اكثر مما في القطاع، بهدف منع موجة إرهاب تصبح انفجارا واسعا. في الخلفية، جملة إخطارات وشجون شهر رمضان، فإن بطانية القوات السميكة ضرورية تماما. في الشمال أيضا، تعزز القوات خوفا من التدهور إلى حرب مع “حزب الله”. بعض من هذه القوات – “غولاني”، المدرعات، الهندسة – وصلت بعد فترة طويلة في غزة. وقد سمحت بتحرير الاحتياط ما ترك ساحة الحرب الأساسية في الجنوب هزيلة جدا.
الحكومة تعهدت بنتيجتين في الحرب: إعادة المخطوفين وهزيمة “حماس”. تسوية هذين الهدفين ليست أمرا مهما: فللمخطوفين لا يوجد وقت. في كل أسبوع يبشر بمخطوفين آخرين ماتوا في الأسر. عميت سوسانا أعطتنا جميعنا إطلالة على من تبقى هناك على قيد الحياة إذا كان يمكن أن نسمي هذه حياة. حتى من عاد ليس حيا بالضبط. فالكثيرون منهم لا يزالون يعالجون صحيا، كلهم يعالجون نفسيا وبعضهم لا يزالون ليسوا معنا على الإطلاق.
تفجرت المفاوضات لتحرير المخطوفين هذا الأسبوع على خلفية رفض إسرائيل الاستجابة لمطلب “حماس” إعادة سكان شمال القطاع إلى بيوتهم. يوجد منطق في المعارضة الإسرائيلية: فإذا عاد السكان إلى شمال القطاع، فإن “حماس” ستعود بعدهم، وفي اللحظة التي تعود فيها فإنها ستعيد بناء نفسها أيضا، وعندها ستهاجم، ما سيمنع عودة السكان إلى الكيبوتسات في الغلاف ويلزم الجيش بالعودة بقوات اكبر إلى هذه المنطقة، التي في معظمها سبق أن حسمت.
توجد طرق لتربيع هذه الدائرة. مثلا تقييد عُمر وجنس العائلة أو الأحياء التي يتاح لهم العودة إليها. هناك حاجة إلى إبداعية وجرأة وتصميم، وبالأساس الفهم أنه لا يوجد بديل. المخطوفون تركوا لمصيرهم مرة واحدة في 7 أكتوبر ومحظور أن يتركوا مرة أخرى.
المشكلة هي أن الحرب علقت مع المفاوضات. والحجة التي تقول، إن العملية في خان يونس لم تستنفد بعد، هي قصة تغطية على الأمر الحقيقي: إسرائيل تعيش منذ ثلاثة اشهر في ملاحقة مهووسة ليحيى السنوار، بينما تمشط خان يونس طولا وعرضا (وأساسا عمقا)، كان يمكنها منذ الآن أن تحتل مرة رفح ومعسكرات اللاجئين في وسط القطاع. قتل السنوار لن يحررها من الحاجة لعمل ذلك. بعد أن تهدأ أصوات الفرحين بموته ستبين انه لم يحصل أي تغيير جذري في غزة. سكانها سيبقون مع مشاكلهم، “حماس” ستبقى مع إرهابها ونحن سنبقى مع كليهما.
إذا كانت إسرائيل تريد أن تهزم القوات المتبقية لـ”حماس”: أربع كتائب في رفح وكتيبتين في معسكرات الوسط ورموز الحكم الأخيرة لها (وأساسا في رفح) فعليها أن تعمل. ومن اجل أن تعمل عليها أن تحشد القوة، وتحصل على الشرعية – وتنطلق على الدرب. صحيح حتى امس، القوات ليست هناك والشرعية ليست هناك أيضا. عمليا، العكس هو الصحيح: في كل يوم يمر، إسرائيل تفقد الشرعية وتبتعد عن احتمال استكمال المهمة.
الانهيار الاستراتيجي
يمكن الجدال حول من هو الرئيس الأكثر ودا لإسرائيل – جو بايدن أم دونالد ترامب. كلاهما فعل من اجلنا غير قليل، مباشرة وبشكل غير مباشر. كلاهما أيضا شريك في الأهداف العليا للحرب – هزيمة “حماس” وإعادة المخطوفين. هما يختلفان مع إسرائيل على الطريق، وأساسا يمقتان بنيامين نتنياهو. عن الشرخ مع بايدن لا حاجة للإكثار من الحديث – فهو يدهور وضع إسرائيل على أساس يومي. لكن على عمق الشرخ مع ترامب كان يمكن أن نتعرف من المقابلة الحصرية مع “إسرائيل اليوم” هذا الأسبوع والتي غابت عنها بشكل بارز كلمة واحدة: نتنياهو.
يعتقد الكثيرون أن نتنياهو يفاقم الأزمة مع الأميركيين عن قصد. هذا يعرضه كزعيم قوي لا يستسلم حتى لقوة عظمى، ما يعزز قوته في قاعدته. ليست لدي فكرة إذا كان هذا صحيحا أم لا. مهما يكن من أمر، فإن هذا بائس وخطير. إسرائيل تراهن على جوكرها، بينما كل خصومها يفهمون أنه لا توجد لها أي ورقة أخرى في كمها.
نتنياهو هو تكتيكي عظيم. هو ينتحر على كل موضوع ويواصل إلى الموضوع الآخر. لا توجد لديه معارك صغيرة – كل شيء ملح، كل شيء وجودي. ولهذا فهو ينجح في أن يبقى لهذا القدر الكبير من السنوات في الحكم. كل شيء يعد لديه كتهديد وكل تهديد يعالج فورا. المشكلة هي انه من كثرة التكتيك ليس لنتنياهو استراتيجية. وإذا كانت له كهذه، فإنها تنهار بصوت عظيم.
المثال الأبرز هو ايران. على مدى 15 سنة حكمه (وقبل ذلك بكثير) قال نتنياهو، إن النووي الإيراني هو الخطر الأكبر على إسرائيل. باسمه دحر كل شيء جانبا: من أراد معالجة “حماس” صُد إذ انه يجب التركيز على ايران. من سعى لمعالجة “حزب الله” صد إذ يجب معالجة ايران. من طلب ميزانيات صد، إذ يجب معالجة ايران.
في الأسبوع الماضي، عرضنا هنا تقدما في المشروع النووي الإيراني. باختصار: ايران قريبة اكثر من أي وقت مضى من القنبلة وإسرائيل بعيدة عن وقفها. هذا حصل في وردية نتنياهو، ضمن أمور أخرى بسبب أخطائه مثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتقليص التمويل لخطة الجيش الهجومية في ايران.
صحيح أن الخطوات التي اتخذت أخرت ايران، لكن لم تحرفها عن طريقها. والنتيجة هي أن استراتيجيته انهارت كلها: ايران لم توقف، “حزب الله” لم يضعف، “حماس” لم تردع، إسرائيل لم تعزز قوتها. هذا الفشل يقبع في أساس إخفاق 7 أكتوبر (هو لا يعفي في شيء جهاز الأمن من مسؤوليته عن غياب الردع وعدم إعطاء جواب دفاعي لهجمة “حماس”)، وهو مسجل كله على اسم نتنياهو.
هناك من يدعي بأن نتنياهو فقط يمكنه أن يقود إسرائيل في زمن الأزمات هذا. مطلوب أن نسألهم كيف يعطون ثقة لمن اخفق هكذا اكثر من مرة في اكثر من جبهة. لكن لو تأزر نتنياهو بالشجاعة ووقف هنا لمقابلة لكان يمكن الاكتفاء بأربعة أسئلة. كيف يعتزم الانتصار في غزة بدون قوات، كيف يعتزم إعادة المخطوفين بدون مفاوضات. كيف يعتزم تغيير الوضع في الشمال بدون حرب. وكيف يعتزم ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة بدون علاقة ناجعة مع المرشحين للرئاسة.
نتنياهو لن يجري المقابلات ولن يجيب أيضا. منذ سنين وهو يخاف من المقابلات. هو يتهم الإعلام في أنه معادٍ له لكن في إعادة صياغة للجملة الشهيرة لبل كلينتون في حملته الانتخابية أمام جورج بوش – It’s the economy, stupid. انه الاقتصاد يا غبي. المشكلة ليست في الإعلام، ونتنياهو ليس غبيا: هو المشكلة.
