أقلام وأراء

أشرف العجرمي: الكارثة الكبرى في غزة: إضاعة الوقت فلسطينياً

أشرف العجرمي 13-3-2024: الكارثة الكبرى في غزة: إضاعة الوقت فلسطينياً

يبدو أن الأمور في قطاع غزة تسير بتسارع كبير نحو تصميم الواقع في اليوم التالي للحرب، ولكن لا توجد رؤية وطنية فلسطينية موحدة، ما يخدم الاحتلال الإسرائيلي في نهاية المطاف باستغلال الفرصة الناشئة عن الحرب، والتي قد تقود باتجاه تسوية سياسية للصراع على أساس حل الدولتين بما يمكّن الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967. فما يحرص عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هو عدم توحيد الضفة الغربية مع قطاع غزة تحت سلطة وطنية فلسطينية واحدة، فهو الشرط الضروري للدولة. ولهذا يكرر تصريحاته بشأن رفض تولي السلطة المسؤولية في غزة، ويقول: إن آخر شيء يريده هو عودة السلطة لغزة. وهو يعي ما يقول وهدفه الذي كان دائماً نصب عينيه هو إبقاء الانقسام الفلسطيني قائماً لذريعة لعدم الانسحاب من الضفة الغربية، ومنع تطبيق حل الدولتين.

للأسف السلوك القيادي الفلسطيني يصب في هذا الاتجاه، فاجتماع الفصائل في موسكو لم يبحث إطلاقاً مستقبل الوضع في غزة والمناطق الفلسطينية، وإنما تطرق للقضايا العامة التي لا تتطلب أي خطة وطنية لمواجهة المخاطر المترتبة على الحرب على غزة، وعلى الانقسام وعدم وجود وحدة فلسطينية حقيقية، على الرغم من أن الظروف التي يمر بها المواطنون في قطاع غزة، أو حتى في الضفة الغربية، هي كارثية بل ربما تكون أكبر كارثة يتعرض لها الشعب الفلسطيني. والاتفاق على مواصلة اللقاءات دون تحديد مواعيد وأجندات يعني أنه لا جدية في التوصل إلى توافق وطني حقيقي، لا حول الحكومة القادمة التي لا يختلف حولها الجميع بأنها ينبغي أن تكون حكومة تكنوقراط تتولى مسؤولية إعادة إعمار قطاع غزة وتلبية احتياجات ومصالح كل الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ولا حول خطة العمل الوطني المستقبلي الذي يتوجب أن يكون على أساس برنامج موحد.

إضاعة الوقت ليست في صالح الشعب الفلسطيني، فالزخم الدولي الذي يرتبط بادراك أهمية حل الصراع على أساس حل الدولتين والإعلان عن نوايا بعض الدول الاعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967، والدعوات لإيجاد آلية لفرض حل، كلها قد تتبخر في حال كان الفلسطينيون أصحاب القضية غير جاهزين وليسوا معنيين. وقد نجد أنفسنا في نهاية المطاف وحدنا مع هذه النكبة الجديدة التي قد تتحول إلى دائمة وتأتي على كل ما حققه الشعب في نضاله الطويل على مر العقود والسنين. ولا يمكن معالجة أمورنا دون وحدة وطنية حقيقية تشمل الجميع بمن فيهم حركة “حماس” التي لا يمكن تجاوز مشاركتها ودورها في التوافقات الوطنية. وفي الواقع لن يحصل أي ترتيب للوضع في غزة دون موافقة “حماس”، ويخطئ من يظن أن الحرب الحالية مهما كانت نتائجها ستلغي وجود أو دور “حماس”، فهي ستكون قادرة على إفشال أي مشروع لا تقتنع به.

الخطر الأكبر هو أن يتحول الاحتلال الإسرائيلي إلى دائم في غزة مع خلق آليات وأجسام محلية لإدارة الوضع دون أي أفق سياسي. وعندما يتحدثون عن ميناء بحري عائم تتحكم فيه إسرائيل، فهو لا يعنى فقط بإدخال المساعدات؛ لأن إدخالها بحاجة أساساً لفتح المعابر البرية في الشمال والجنوب، ولسنا في هذه المرحلة بحاجة إلى ميناء؛ لأنه لا توجد آلية لإيصال المساعدات لمستحقيها بصورة عادلة وشاملة. فربما يكون الهدف الأبعد للميناء هو تحكم إسرائيل في عملية تهجير الفلسطينيين حتى لو كان ذلك بصورة طوعية. ومن يمنع إسرائيل من السماح للغزيين بل ودفعهم لهجرة عبر البحر عندما تتوفر لهم فرصة إيجاد مكان للذهاب إليه.

الكل يرفض فكرة وجود قيادات محلية لتولي الإشراف على الحاجات الإنسانية في قطاع غزة. ولكن في حال عدم وجود توافق وطني شامل، وعدم عودة السلطة الفلسطينية في إطار هذا التوافق إلى قطاع غزة، فلن يستطيع أحد منع نشوء مثل هذه الآليات غير المرغوبة، وعلينا أن نتذكر أنه في مرحلة سابقة جرى الحديث عن تشكيل لجنة لإدارة القطاع متفق عليها بين الفصائل المختلفة هناك. وهذه قد تعود على نفسها من جديد ويجرى تكريس الانقسام بشكل نهائي. والمشكلة التي قد لا يستوعبها البعض، عند الحديث عن الوضع في غزة، هي أن القطاع يستطيع أن يعيل نفسه نظراً لوجود الغاز والبترول الذي قد يكون بكميات كبيرة، ووجود ميناء بحري، وربما مطار. وبالتالي تصبح المشكلة الكبرى تمحور الصراع في الضفة الغربية التي هي محط اهتمام إسرائيل ولا تريد التخلي عنها.

إذا لم تسارع كل القوى والنخب الفلسطينية إلى البحث فوراً في توافق وطني حول إدارة حياة الفلسطينيين تمهيداً للتسوية السياسية على اعتبار أن هذه مهمة وطنية عاجلة ولا تحتمل التأجيل وإضاعة الوقت، قد نجد أنفسنا مع دويلة في غزة تديرها جهات شكلاً وتشرف عليها أخرى. وتتحول الضفة إلى جزر ومعازل يطبق عليها نظام الفصل العنصري “الأبارتهايد” الإسرائيلي، دون أي أفق لقيام دولة فلسطينية موحدة ومتواصلة جغرافياً وقابلة للحياة. فهل هذا ما تريده القيادات الفلسطينية؟

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى