شؤون إسرائيلية

أجندات معارك الانتخابات الثلاث فرضها نتنياهو على خصومه!

برهوم جرايسي – 25/2/2020 

تم حل الكنيست الـ 22 في شهر كانون الأول بعد أكثر من 3 أشهر على انتخابات أيلول، وللمرّة الثانية خلال عام، لتتجه إسرائيل لانتخابات ثالثة، خلال 11 شهرا، في الثاني من آذار المقبل، وفي مركز الأزمة عدم تشكيل حكومة، بأي أغلبية كانت. وفي واجهة الأزمة مسألة ترؤس بنيامين نتنياهو للحكومة، ولو بالمناوبة، في الوقت الذي صدر فيه نهائيا قرار بتقديمه للمحاكمة في ثلاث قضايا فساد. ولكن الأزمة هي أعمق، من ناحية النهج، ومنطق التعامل مع مؤسسات الدولة، وهذا الجانب سنأتي عليه بعد الانتخابات.

وسعى تحالف “أزرق أبيض” لأن تكون في واجهة حملة الانتخابات الحالي، قضايا فساد نتنياهو، وأنه ليس بقدرته قيادة الحكومة في الوقت الذي يمثل فيه أمام المحكمة. إلا أن نتنياهو نجح للمرّة الثالثة في فرض أجندة انتخابية على الأحزاب التي تدور في فلك الحُكم وتتنافس عليه.

للمرّة الثالثة، أيضا، ينجح نتنياهو في جر تحالف “أزرق أبيض” إلى أجندته، ليجعل المنافسة في الساحات المريحة لنتنياهو والليكود وحلفائه، رغم أن هذا الليكود لم ينجح في جولتي الانتخابات السابقتين، ولا الثالثة بحسب الاستطلاعات، في تحقيق الأغلبية المطلقة، من دون الحليف الطبيعي لهم، أفيغدور ليبرمان وحزبه “يسرائيل بيتينو”.

نيسان 2019، حسم الموقف من الفساد

كانت في واجهة انتخابات نيسان قضايا الفساد التي تلاحق بنيامين نتنياهو، وقبل الوصول إلى يوم الانتخابات، صدر قرار المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، بتوجيه ثلاث لوائح اتهام ضد نتنياهو، ولكنه كان قرارا مرهونا بالاستماع لوجهة نظر طاقم الدفاع عن نتنياهو، وبعدها يصدر القرار النهائي بخصوصه.

وعلى الرغم من أن قضايا الفساد بحدتها، رافقها الجمهور على مدى حوالي عامين ونصف العام، حتى ذلك الوقت، إلا أن نتنياهو نجح في تحويل الجدل، من تورطه بالفساد، الى مدى نزاهة طاقم التحقيق في الشرطة، ونزاهة طاقم النيابة، وحتى نزاهة المستشار، الذي حارب نتنياهو من أجل تعيينه في منصبه، حينما كان سكرتير حكومة نتنياهو، وبتعيين مباشر منه.

ولهذا بالإمكان القول إن موقف الجمهور من مسألة فساد نتنياهو حُسمت في انتخابات نيسان العام الماضي، واتضح أن الجمهور المؤيد لنتنياهو لم تقلقه قضايا الفساد. وكما يبدو فإن القضايا التي وُجهت لنتنياهو لم تكن بذاك المستوى التي تجعل الجمهور يقتنع بفساد نتنياهو. وبكلمات أخرى، فإن مفهوم الفساد في وعي الجمهور، والشرائح المبتعدة عن أسس “نزاهة الحكم”، هو الاستيلاء على المال العام، وتلقي رشاوى بمبالغ ضخمة، رغم أنه في لوائح الاتهام ما يدل على أنه كانت رشاوى، ولكن ليست مالية نقدية، كما يفهمها الجمهور. ولهذا، فإن نتنياهو لم يعد قلقا من مسألة الفساد، وبالذات حينما يرى شبكة أمان من أحزاب اليمين الاستيطاني، والمتدينين المتزمتين الحريديم، تجعله يتحرك بحرية أكثر.

أيلول 2019، يمين استيطاني وتحريض على العرب

في نهاية أيار 2019، جرى حل الكنيست بمبادرة نتنياهو وحلفائه، كي لا ينتقل تكليف الحكومة ليد رئيس تحالف “أزرق أبيض”، بيني غانتس. ورغم مرور أكثر من 3 أشهر على قرار المستشار القانوني للحكومة، إلا أن جلسة الاستماع لطاقم الدفاع لم تتم حتى ذلك التاريخ، ما يعني أن الأمر بقي معلقا، في حينه.

وكما يبدو، فإن تحالف “أزرق أبيض” فهم من نتائج نيسان 2019، والتساوي في المقاعد بينه وبين الليكود، 35 مقعدا لكل منهما، أن مسألة الفساد ليست هي التي من شأنها أن تُضعف نتنياهو والليكود، والمعسكر الحليف؛ لذا بدأ “أزرق أبيض”، يدفع إلى الواجهة بعضا من أجندته اليمينية الاستيطانية، مثل موقفه من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وأن إسرائيل لن تنسحب منها. وتلا ذلك جولة لقادة “أزرق أبيض” في منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت في الضفة الغربية المحتلة، للإعلان عن أن هذه المنطقة ستبقى تحت “سيادة إسرائيل”، في ظل الحل الدائم.

في المقابل، سعى نتنياهو إلى استنهاض خلايا اليمين الاستيطاني النائمة، رغم أن جمهور اليمين الاستيطاني، السياسي والديني، كان مستنهضا منذ انتخابات نيسان، وكما في كل انتخابات، إذ أن معاقلهم تسجل أعلى نسب تصويت.

وإذا أخذنا نسبة من يصوتون خارج أماكن سكناهم، فإن نسبة من لم يصوتوا من هذا الجمهور، تبقى هامشية جدا، من بين أولئك الذين كانوا في البلاد يوم الانتخابات. إذ يشار إلى أن 12% من ذوي حق الاقتراع اليهود إن لم يكن أكثر بقليل، هم في عداد المهاجرين، أو المقيمين بشكل دائم خارج البلاد.

ولهذا رأينا أن نتنياهو خاض انتخابات أيلول 2019 بالتركيز على التحريض العنصري ضد العرب، وحاول فرض أنظمة انتخابية، ثم فرض قانون خاص لوضع كاميرات داخل صناديق الاقتراع “في أماكن معينة”، إذ أن المستهدفة كانت البلدات والمدن العربية، ولكن كل هذا فشل. وبموازاة ذلك، أعلن نتنياهو نيته ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، إلى ما يسمى “السيادة الإسرائيلية”.

وظهر تحالف “أزرق أبيض” ضعيفا في هذه المواجهة، ولم يطرح بديلا، ورغم ذلك فإن النتائج انقلبت بشكل محدود في تلك الانتخابات، وهذا لأن تحريض نتنياهو ضد العرب، استنهض العرب أنفسهم، إذ ارتفعت نسبة التصويت بينهم، من 50% في نيسان إلى أكثر بقليل من 60% في أيلول، بينما نسبة التصويت بين اليهود تراجعت بنحو نصف بالمئة، ولأول مرّة في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، يكون العرب السبب في ارتفاع نسبة التصويت العامة.

وتدفق أكثر من 100 ألف صوت عربي، صوتوا للقائمة المشتركة، إضافة إلى سحب حوالي 30 ألف صوت للمشتركة، كانوا قد صوتوا لأحزاب صهيونية في نيسان، انعكس على التوزيع الكلي للمقاعد، ففي حين حصلت قائمتا الجماهير العربية في نيسان على 10 مقاعد مجتمعة، فقد حصلت القائمة المشتركة على 13 مقعدا، وهذا ساهم في أضعاف تحالف الليكود وشركائه بمقعدين، والثالث كان من معسكر “أزرق أبيض” ومن على “يساره” صهيونيا.

آذار 2020، طغيان أجندة اليمين الاستيطاني

في نهاية تشرين الثاني 2019، صدر القرار النهائي من المستشار القانوني للحكومة، بتوجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، في ثلاث قضايا فساد. وبموجب القانون فإن لنتنياهو مهلة 30 يوما ليقرر ما إذا سيطلب الحصانة البرلمانية، التي من المفترض أن تبت بها بداية اللجنة الإدارية للكنيست (لجنة الكنيست)، التي لم تقم بعد انتخابات أيلول؛ إذ فضلت الأحزاب انتظار تشكيل الحكومة.

وبعد حل الكنيست في شهر كانون الأول 2019، استغل نتنياهو فترة الأيام الثلاثين، وفي اليوم الأخير، أعلن أنه يطلب الحصانة، ظنا منه أن لا وجود للجنة لتبحث طلبه، بمعنى أن طلبه سيبقى معلقا حتى بعد تشكيل الحكومة، بعد انتخابات آذار 2020. وهنا استغل “أزرق أبيض” وجود كتل ذات أغلبية حاسمة، ضد طلب نتنياهو، وخاض معركة مع باقي الكتل لإقامة لجنة كنيست، لبحث طلب نتنياهو، وكان واضحا أن نتنياهو لن يحصل على الحصانة، ما يعني أنه سيخوض الانتخابات وهو في ظل النقاش على شرعية طلبه الحصانة، ثم تقديمه للمحاكمة رسميا.

في هذه الاثناء، وعلى ضوء ما ظهر وكأنه وضع محرج لنتنياهو، أطل البيت الأبيض بشكل مفاجئ لينقذ حليفه، وبشكل سريع أعلن نيته إطلاق ما أسماها “صفقة القرن”، لتطغى على كل نقاش حول فساد نتنياهو، وهذا ما أعاد أجندة اليمين الاستيطاني إلى الواجهة. ففي اليوم التالي للإعلان عن “صفقة القرن”، سحب نتنياهو طلبه للحصانة البرلمانية، وبات ملفه منذ ذلك اليوم في المحكمة.

أمام هذا المشهد، نجح نتنياهو في فرض المنافسة على مواقف اليمين الاستيطاني الأشد تطرفا، ولهذا فإن “أزرق أبيض” بات يُبرز مواقف يمينية أشد، وعمليا فإن من يتعمق في البرنامج السياسي لتحالف “أزرق أبيض”، الذي أقر في شهر آذار 2019، يرى الغالبية الساحقة من بنود “صفقة القرن” موجودة هناك.

وعلى هذا الأساس، أعلن “أزرق أبيض” تبنيه لتلك الصفقة، بكل بنودها، وأنه سيعمل على تطبيقها في حال شكّل الحكومة. ولم يكتف “أزرق أبيض” بهذه المواقف، بل شن معركته على القائمة المشتركة، معلنا أنها لن تكون ضمن حكومته، في حين أن القائمة المشتركة ترفض أصلا، ومن حيث المبدأ، المشاركة في أي حكومة إسرائيلية في ظل استمرار الاحتلال والاستيطان، وكل السياسات العنصرية.

كما دعم “أزرق أبيض”، بقوة، ومعه حزب العمل برئاسة عمير بيرتس، شطب ترشح النائبة هبة يزبك، من التجمع الوطني الديمقراطي، في القائمة المشتركة، بسبب منشورات قليلة في صفحتها في شبكة الفيسبوك، تعود إلى خمس وسبع سنوات سابقة، إلا أن المحكمة العليا ألغت قرار لجنة الانتخابات المركزية، بأغلبية 5 قضاة ضد 4 قضاة أيدوا شطب ترشحها.

وأكثر من هذا، فإن تحالف “أزرق أبيض” جعل في واجهة خطابه السياسي، الحزب الأصغر في هذا التحالف، حزب “تلم” بزعامة وزير الدفاع الأسبق، موشيه يعلون، وهو حزب يتمسك بمواقف اليمين الاستيطاني المتطرفة، بما فيها مواقف عدائية ضد العرب. وأعلن هذا الحزب، كما صدر أيضا عن زعيم التحالف بيني غانتس، أنه لن يقبل بشراكة أية قائمة لا تعترف بإسرائيل “دولة يهودية وديمقراطية”، ولا تنبذ، ما تصفه إسرائيل بـ “الإرهاب”، بقصد المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال؛ ما يعني أنه في الوقت الذي سعى فيه “أزرق أبيض” لأن تكون الحملة الانتخابية ضد رئيس حكومة يمثل أمام المحكمة بقضايا الفساد، وجد نفسه، ينافس الليكود على كل مواقف اليمين الاستيطاني، في حين بقيت قضية الفساد هامشية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى