يونس السيد يكتب – غزة.. «الحرب المصغرة»

يونس السيد 18/11/2019
«الحرب المصغرة» التي شنها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» في قطاع غزة، مؤخراً، انتهت كسابقاتها بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، بعد وساطة مصرية، من دون أي اشتراطات مسبقة، ما يطرح الكثير من التساؤلات، في إطار حسابات الربح والخسارة عن جدوى هذه الحرب، وما الذي جناه الاحتلال من هذا العدوان الأخير.
يدّعي نتنياهو أن هذه «الحرب»، أو «الميني معركة» كما تصفها الصحافة «الإسرائيلية»، والتي اندلعت في أعقاب اغتيال القيادي الفلسطيني بهاء أبو العطا، حققت جميع أهدافها، وأنه لم يتعهد خلال المفاوضات بوقف سياسة الاغتيالات، من دون أن يوضح ما إذا كانت هذه الجولة التصعيدية ستمنع اندلاع جولات أو «حروب» أخرى لاحقة. وبطبيعة الحال يضع نتنياهو هذا «الإنجاز»، على حد وصفه، على طاولة اليمين «الإسرائيلي» في الحوار الداخلي الدائر مع زعيم حزب الجنرالات بيني جانتس لتشكيل الحكومة الجديدة.
لكن يبدو أن النخب والقيادات «الإسرائيلية»، ومن ضمنها اليمين قبل اليسار، لها رأي مغاير تماماً، إذ إن هذه المعركة التي جرت مع فصيل فلسطيني واحد استطاع وحده أن يشل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في «إسرائيل» على مدى ثلاثة أيام، تؤكد تآكل قدرة الردع «الإسرائيلية»، وانتهت من دون أي تعهدات بوقف إطلاق الصواريخ أو ما تعتبره «تهديدات إرهابية» لا تزال قائمة. وإذا كانت الحروب لا تقاس بعدد الضحايا، بل بالنتائج السياسية والعسكرية التي تحدثها، فإن الجولة الأخيرة تطرح معطيات خطيرة راهناً وعلى المستوى الاستراتيجي بالنسبة ل «إسرائيل»، فمن جهة، تستطيع «الجهاد الإسلامي» إعادة ترميم ترسانتها العسكرية والعمل على تطويرها، بغض النظر عن الحديث المضلل عن قرب نفاد مخزونها التسليحي، ما ينقل الحديث إلى مستوى آخر هو: لماذا طلبت «إسرائيل» التوسط في وقف إطلاق النار، خصوصاً بعد إدخال صاروخ جديد إلى الخدمة (براق 120) يتمتع بقدرات تدميرية عالية ودقيقة؟ وهو سؤال ظلت الإجابة عنه بعيدة حتى عن وسائل الإعلام.
ومن جهة أخرى، ترى النخب «الإسرائيلية»، ومعها قطاع واسع من الرأي العام، أن حروب نتنياهو كلها، على مدار السنوات الأخيرة، لم تحقق أي نتيجة، فهي لم تحقق «الردع المطلوب» أو توقف ما تسميه «التهديدات الإرهابية» ولا حتى بيئة التهديدات الاستراتيجية والوجودية ل «إسرائيل». وليس أدل على ذلك من قول نفتالي بينيت وزير الحرب المؤقت لنتنياهو: «هذا ليس ردعاً.. إنه استسلام»، فيما علقت الصحافة «الإسرائيلية» على الجولة الأخيرة قائلة: «نتنياهو من سيد الأمن إلى سيد الفشل». واعتبرت صحيفة «هآرتس» أن «إسرائيل» بموافقتها على وقف إطلاق النار أثبتت أنها هي «المردوعة» وليس العكس، وحذرت من أن «إسرائيل» ستدفع ثمناً باهظاً في أي حرب مقبلة إذا احتشدت كل الجبهات المعادية لها في المنطقة.
الشيء الوحيد الذي نجحت فيه «إسرائيل»، مع الأسف، خلال حربها العدوانية الأخيرة، هو شق الصف الفلسطيني، والاستفراد بفصيل واحد، مما ستكون له انعكاسات خطيرة على فصائل المقاومة مستقبلاً، ولكن ذلك له حديث آخر.