يديعوت: حرب لم نشهد لها مثيل

يديعوت 7/7/2024، ميخائيل ميلشتاين: حرب لم نشهد لها مثيل
اليوم قبل تسعة اشهر نشبت اكثر حروب إسرائيل استثناءاً مواجهة بلا اسم متفق عليه. ليس واضحا متى وكيف ستنتهي. لكنها أصبحت منذ الان المعركة الأطول منذ 1948.
تنطوي الحرب على بضع سوابق تاريخية: 7 أكتوبر كان اليوم الأكثر فتكا في تاريخ الصهيونية. فقد ترافق واجتياح لم يشهد له مثيل الى أراضي الدولة. تقتيلا واختطافا جماعيا للمواطنين، واخلاء واسعا من بلدات الجنوب والشمال. وتبدو الاستثناءات واضحة أيضا في الجانب الاستراتيجي الواسع. فقد اختبرت إسرائيل في الماضي معارك متعددة الساحات ومواجهات مع قوى ليست دولة، لكن هذه نشبت في الغالب في حدودها القريبة ولم تتوزع على وجه الشرق الأوسط كله. هذه المرة يوجد تصد للتهديد الحوثي وللميليشيات الشيعية في العراق. كما تضمنت الحرب المواجهة الجبهوية الأولى بين إسرائيل وايران، التي تغذي قسما هاما من التهديدات الحالية لكنها ليست بالضرورة مصدرها جميعها وبخاصة ليس في سياق حماس التي معظم خطواتها مستقلة.
الحرب الحالية هي صدام إضافي بين إسرائيل والمعسكر الإقليمي الذي يتبنى فكرة المقاومة. اطراف هذا المعسكر تقف في مركز الصراعات التي تخوضها إسرائيل في نصف القرن الأخير والتي تختلف عن حروب الماضي التي خاضتها ضد جيوش ودول. عقيدة المقاومة تقوم على بضعة أسس: يتصدرها اطراف ليست بدول تتمسك برؤيا إسلامية متطرفة؛ مواجهة غير متماثلة، أساسا من خلال قوة مدفعية، حرب عصابات وإرهاب؛ حروب قصيرة بلا حسم. ابداء صبر وصمود؛ دمج المنظمات في المجال المدني بحيث ان كل قتال ضدها تثير معاضل أخلاقية وضغطا دوليا؛ استنزاف من خلال إيقاع خسائر ومنع نسيج حياة مستقر في إسرائيل.
هذه الأسس موجودة أيضا في المعركة الحالية، لكن شدتها هذه المرة غير مسبوقة وتضاف اليها تجديدات تصبح معا تهديدا استراتيجيا. متصدرو الصراع لا يركزون فقط على حرب العصابات او النار الصاروخية، بل مزودون بقدرة جيوش تقليدية، كما تمثل في هجوم 7 أكتوبر وفي خطط حزب الله لاجتياح الجليل. المبدأ الموجه لم يعد النصر من خلال عدم الهزيمة بل ضرب اهداف عسكرية ومدنية استراتيجية في إسرائيل وتحييد دفاعها واستخباراتها، ضمن أمور أخرى من خلال سلاح دقيق تزوده ايران. تجديدات أخرى تظهر في المعركة الحالية هي التنسيق العميق بين أعضاء معسكر المقاومة، والضغط الدولي السابقة على إسرائيل التي تدحر بالتدريج الى موقع “المنبوذة”.
هذه التغييرات تعكس تحولات طرأت على اطراف المقاومة: منظمات أصبحت صاحبة السيادة العملية (حماس) او شبه دولة (حزب الله)، لكنها لم تهجر ابدا رؤياه الأيديولوجية. هي ذات قدرة عسكرية لدولة، تسيطر على ارض، وتهندس وعي الجمهور التابع لها، مثلما يتضح في غزة التي يتماثل الكثير من سكانها مع حماس ويشاركون في اعمالها. ان تعزز قوة هذه الفصائل ينبع أيضا من تغييرات عالمية وعلى رأسها الصعوبة الامريكية في أداء دورها كـ “شرطي عالمي” وضعف العالم العربي.
تتحول المواجهة الحالية بالتدريج الى حرب استنزاف في جبهتين. فيما أن في الخلفية خلافات داخلية شديدة في إسرائيل وتوتر بين القدس وواشنطن. على هذه الخلفية يتغير مفهوم ايران، التي على مدى عشرات السنين حددت إبادة إسرائيل كهدف قابل للتحقيق، لكنه هدف سيكون ممكنا تحقيقه في مستقبل غير محدد. تقارير حول برنامج إيراني للدفع قدما بعد نحو سنتين بابادة إسرائيل تعكس إحساس طهران في أن هذه الرؤيا توجد هذه المرة في متناول اليد مثلما اعلن خامينئي: “إسرائيل تشهد ضربة لن تشفى منها، فهي مهزومة على ايدي قوى أضعف منها وتتصدى لعالم بدأ يؤيد شعارات المقاومة”.
في غزة، حتى بعد الضربات غير المسبوقة التي تلقتها، حماس لا تزال الطرف السائد في كل المستويات وفي كل المناطق، ولا تسمح لاي بديل ان ينشأ بدلا منها. قسم هام من قيادتها نجا، الذراع العسكري فاعل حتى بعد تفكيك الأطر الكتائبية، المنظمة تسيطر على المجال المدني ولا ينشأ احتجاج واسع ضدها. وفي ذلك ينعكس فشل الاستراتيجية التي تتخذها إسرائيل منذ نحو نصف سنة وبموجبها يمكن تقويض حكم حماس بالتدريج من خلال اجتياحات، حتى دون سيطرة مباشرة وبقاء في الأرض المحتلة.
ان الاعتراف بالطبيعة الخاصة للمعركة الحالية يستوجب تبنيا لبضعة استنتاجات بعضها عسير على الهضم:
- بالنسبة لغزة – العقيدة الحالية لا تؤدي الى تقويض حماس او تحرير المخطوفين وتجسد بالملموس انه مطلوب الاختيار بين احتلال كل غزة الامر الذي لم يعد قابلا للتنفيذ في هذه اللحظة، وبين صفقة معناها وقف القتال في هذه اللحظة.
- في كل صفقة على إسرائيل أن تصر، فضلا عن تحرير كل المخطوفين، على نظام جديد في محور فيلادلفيا وعلى منع اعمار غزة. هدف يثبت في نظر حماس ان في وسعها ان تبقي على الجهاد وعلى الحكم في نفس الوقت. يمكن للغزيين أن يحصلوا على مساعدات إنسانية، لكن لا افق وحية طبيعية.
- بدلا من الغرق في حروب استنزاف في الجنوب وفي الشمال، ينبغي الاستيعاب بان ايران هي التهديد الاستراتيجي والتركيز عليه، بخاصة في البرنامج النووي. وذلك في ظل اقناع العالم بالتهديد الذي تنطوي عليه في ساحات عديدة (مثلا البحر الأحمر وأوكرانيا) الامر الذي يستوجب عزلها والعمل ضدها.
- تعلم الدروس يستوجب التخلي عن مفاهيم اعتمدت عليها الاستراتيجية في العقود الأخيرة، وعلى رأسها السلام الاقتصادي والحرب ما بين الحروب. ينبغي استبدالها بمبادرات هجومية واسعة، أساسا ضد حماس التي لا ينبغي التسليم باستمرار وجودها كحكم في غزة.
- في الموضوع الفلسطيني – الذي امتنعت فيه إسرائيل عن البحث والحسم فيه عشية 7 أكتوبر – سيكون مطلوبا الفحص كيف يمكن من جهة السعر الى الانفصال المادي بين الشعبين ومن الجهة الأخرى منع تهديد وجودي ينبع من استقلال فلسطيني (بخاصة السيطرة على البوابات التي بين فلسطين والعالم).
- والاهم من كل شيء: في ضوء الحاجة للتركيز على تهديدات خارجية، من الحيوي هجر المسائل التي تخلق شروخات داخلية اضعفت عشية 7 أكتوبر وصرفت الانتباه عن تهديدات خارجية.