يديعوت: العودة للتفكير في الخيار الأردني
يديعوت 2022-09-20، بقلم: سيفر بلوتسكر
كان الرد في المجال السياسي متوقعا: انفجار السخافة. ها هو دليل آخر، كما قررت كتائب الخبراء، على جنون وانقطاع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن الواقع وعن التاريخ. فكيف يمكنه أن يتفوه باقتراح كهذا وفي حديث شخصي مع الملك الأردني؟ ليس سوي العقل.
والمقصود هو الكشف الصحافي الذي جاء فيه انه في لقاء ترامب – عبد الله في الأردن في 2018 اقترح الرئيس على الملك أن يعيد التفكير في إمكانية إعادة مناطق الضفة الغربية إلى الأردن؛ فقد احتلت منه في العام 1967. ذهل الملك من الاقتراح لدرجة أنه كاد قلبه يتوقف.
وصل ترامب إلى الخيار الأردني، أو للدقة الخيار الأردني – الفلسطيني، كحل ممكن للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني النازف، برؤيته عمق الخلاف بين الشعبين. خيار أردني، تبناه مسؤولو حزب العمل وعلى رأسهم شمعون بيريس بعد حرب “الأيام الستة”، يقول باختصار: احتلت “المناطق” في الضفة الغربية من الأردن بالحرب وتعاد إلى الأردن بالسلام. إذ هذا هو المعنى، كما اعتقد في حينه مؤيدو خيار قرار الأمم المتحدة 242 عن الأرض مقابل السلام.
في العام 1972، أعدت في الأردن خطة ثورية لإقامة فيدرالية أردنية فلسطينية وبموجبها تسمى مناطق الضفة الغربية “إقليم فلسطين” وتحصل على حقوق حكم ذاتي موسع. لتحقيق الخيار التقى وزير الخارجية بيريس مع الملك الأردني في لندن في العام 1987 وتوصل معه إلى اتفاق سلام كامل، هكذا على حد قوله، افشله رئيس حكومة الوحدة في حينه اسحق شامير. بعد انهيار التفاهمات بين بيريس والحسين اندلعت في “المناطق” الانتفاضة الأولى التي في ذروتها أعلن الحسين عن فك ارتباط كامل بين الأردن والفلسطينيين في الضفة الغربية. وأقرت الجامعة العربية فك الارتباط، الذي جعل إسرائيل، رغم انفها، قابلة بالسيادة السياسية الفلسطينية. دور ما كان لإسرائيل أن تؤديه.
مقالي السابق في الموضوع تحت عنوان “عودة الخيار الأردني” نشرته في هذا المكان في نيسان 2016، قبل نصف سنة من الانتخابات للرئاسة الأميركية التي انتصر فيها ترامب. لقد كان ترامب رئيسا شاذا وخطيرا على الديمقراطية. غرور جنوني عنيف ومنتفخ بالأهمية الذاتية لكنه فاجأ في مواضيع شرق أوسطية بالذات بالأصالة والابداعية. نقل السفارة الأميركية إلى القدس، عرض خطة أميركية كاملة مع خرائط مفصلة لتسوية سلمية إسرائيلية فلسطينية – عربية، ونجح في أن يدفع دولا عربية وإسلامية محترمة للتوقيع على اتفاقات إبراهيم. وحتى معارضوه الألداء، مثل كاتب هذه السطور، يعترفون بالاختراق التاريخي الذي أحدثته الاتفاقات في انخراط إسرائيل في المنطقة.
اليوم، ينبغي النظر إلى الواقع بعينين. وصلت العلاقات بيننا وبين الفلسطينيين إلى طريق مسدود. ووحده من يدس رأسه في الرمال – ومثل هؤلاء لا ينقصون في الدبلوماسية وفي الخطاب الجماهيري – يستطيع تصديق ما يسمى حل الدولتين للشعبين. “الوطنية الفلسطينية”، يكتب في استعراض معمق يوحنان صوريف، باحث كبير في معهد بحوث الأمن القومي، “تواجه الأزمة الأصعب في تاريخها، والتي تعابيرها الأساس هي فقدان الطريق والفشل”. الوضع الاقتصادي للفلسطينيين وان كان تحسن جدا، إلا انهم في الوقت ذاته تنقصهم زعامة شرعية وذات مصداقية، “شُطبت مشكلتهم عن جدول الأعمال الدولي والإقليمي” والتطلع إلى دولة مستقلة صغيرة ضعف ودحر إلى الزاوية.
وقعت في إسرائيل مسيرة موازية؛ أصبحت اتفاقات أوسلو شتيمة، واعتبرت مواقف سياسية يمينا متطرفا في عهد بيغن وشارون وهي تعد، اليوم، وسطا معتدلا، وأصبحت السلطة الفلسطينية في مناطق “يهودا” و”السامرة” موضع هزء. نظام احتلالنا – وهو لنا جميعا، كفى تجمّلا – لا يخدم، اليوم، هدفا سياسيا بل فقط يحبط أعمال “الإرهاب”.
في هذه العقدة، يمكن للخيار الأردني – الفلسطيني أن يأتي بهبوب ريح جديدة من التفكير الابداعي من خارج الأقوال الممجوجة. فمصاعب تحقيقه، بل حتى تعريفه العملي، هائلة. فالظروف السياسية والأمنية القائمة تحاذي الطوباوية. ولكن الطوباوية مجدية: بدون تجدد سياسي يخترق العادة سنبقى عالقين هنا لأجيال في اللعبة الدموية الفلسطينية – الإسرائيلية، في دولة ثنائية القومية تتثبت بسرعة كأهون الشرور.