يديعوت احرونوت: نموذج وقف نار في لبنان وغزة أيضا، خطة على ثلاث مراحل
يديعوت احرونوت 29/11/2024، رون بن يشاي وميخائيل ميلشتاين: نموذج وقف نار في لبنان وغزة أيضا، خطة على ثلاث مراحل
أحد الإنجازات الهامة لإسرائيل في اتفاق وقف النار في لبنان هو فك الارتباط الذي عقده حزب الله بين الشمال وغزة. مجرد موافقة الحزب (وايران) على قبول وقف نار منفصل في لبنان يبقي حماس في عزلة وينزع عنها اسنادا عسكريا حيويا. مباديء الاتفاق في لبنان كفيلة بان تشكل أساسا لتسوية في غزة أيضا، تسوية تعطي جوابا للمطالب الأمنية الإسرائيلية، وعلى رأسها الحق في منع تعاظم القوة والعمل على احباط الإرهاب.
مع ذلك، واضح أنه لا يمكن ان ينسخ الى غزة بكامله الاتفاق في لبنان. أربعة عوامل تمنع ذلك:
- حاجة إسرائيل الحيوية لاعادة المخطوفين، الاحياء والاموات. هذا عنصر مركزي يميز بين الساحتين ويشكل ورقة المساومة الوحيدة التي تبقت لدى حماس.
- المطلب المطلق لحماس في أن توقف إسرائيل القتال وتخرج من كل أراضي القطاع.
- غياب جهة ذات قدرة انفاذ، بديل للحكم المدني لحماس.
- مطالب إسرائيل بالنسبة (لليوم التالي): الأول، الا يسمح لحماس بان توجد في غزة كجسم منظم وبالتأكيد ليس كجهة عسكرية؛ والثاني الا تشارك السلطة الفلسطينية في الإدارة والحكم المدني الجديد، الامر الذي ينبع أساسا من رغبة نتنياهو في أن يمنع قيام دولة فلسطينية تضم الى جانب الضفة غزة أيضا، وبسبب تخوفه من تهديدات سموتريتش وبن غفير اللذين يعرفان السلطة كعدو يجب تقويضه.
في الواقع الحالي في القطاع يمكن الدفع قدما بتسوية تضمن المصالح الحيوية لإسرائيل، تؤكد الا يعاد بناء قدرات حماس وشركائها على تهديد إسرائيل، تسمح بعودة سكان الغلاف الى بيوتهم واساسا يؤدي الى تحرير المخطوفين. يستدعي الامر من القيادة في إسرائيل ان تهجر معارضتها القاطعة للتواجد حتى وان كان رمزيا للسلطة في غزة والتمسك بـ “الإبادة المطلقة” لحماس في القطاع.
يستند هذا التقدير أولا وقبل كل شيء الى الوضع العسكري في القطاع. فقد نجح الجيش الإسرائيلي عمليا في تفكيك جيش حماس، باستثناء كتيبة ونصف في دير البلح وفي مخيم اللاجئين النصيرات. في شمال القطاع يضرب الجيش الإسرائيلي جهود حماس لاعادة تنظيم نفسها عسكريا ومدنيا. ومع ذلك معقول ان تعود جهود مشابهة في أماكن لا يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي جسديا. وكما تجسد الحملة في شمال القطاع، فان حماس وباقي المنظمات تعود للعمل كمنظمات حرب عصابات: خلايا صغيرة تخوض قتالا صغيرا واساسا بواسطة العبوات ومضادات الدروع وتنجح بين الحين والآخر في اطلاق الصواريخ. كل هذا انطلاقا من التطلع لاستنزاف إسرائيل والاستعراض امام الغزيين والعالم للصمود.
عمليا، للجيش الإسرائيلي توجد حرية عمل كاملة في كل القطاع، حتى لو لم يكن يسيطر في معظم أراضيه بشكل كامل. فهو يمكنه أن يتحرك بسرعة نحو كل جيوب المقاومة الموجودة او التي ستنشأ في المستقبل ويصفيها. وحتى حين تخلي القوات شمال غزة سيكون ممكنا في المستقبل الاجتياح بسرعة بقوات كبيرة الى كل منطقة في القطاع. لكن بعد أن تنتهي الحملة في شمال القطاع، بعد بضعة أسابيع على ما يبدو، فيكاد لا يكون للجيش الإسرائيلي ما يناور فيه، والاهم من ذلك – لن يكون ممكنا ممارسة ضغط عسكري يساعد على تحرير المخطوفين. الجيش الإسرائيلي لن يسارع الى المناورة في النصيرات ودير البلح خوفا على حياة المخطوفين، وكذا في منطقة “المأوى الامن” في المواصي، لن يعمل بريا خوفا من رد امريكي ودولي.
الى هذا ينبغي ان تضاف حقيقة أن ترامب سيدخل بعد نحو شهرين الى البيت الأبيض. اذا ما حاكمنا الأمور وفقا لتصريحاته الأخيرة، فان حماس لن تحظى منه بريح اسناد إنسانية كما فعلت إدارة بايدن. لكن نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف أيضا لن يحصلوا من ترامب على تأييد لتطلعهم للبقاء في القطاع لزمن طويل، فما بالك للاستيطان فيه من جديد. ترامب سيرغب على ما يبدو في ان ينهي الحرب في غزة أيضا بالسرعة الممكنة وحلفاؤه في العالم العربي سيحثونه على أن يدفع قدما بخطوة سياسية تتضمن حلا للازمة في القطاع.
غزة أصبحت “منكوبة”
حماس من جهتها توجد في درك اسفل غير مسبوق: الضربة لقيادتها وبناها التحتية البشرية، غزة أصبحت “منكوبة”، نحو 80 في المئة من السكان يكتظون في مدينة لاجئين كبرى في الجنوب، الاقتصاد والبنى التحتية المدنية (التعليم، الصحة، الطاقة، الماء) خربت تماما، والسكان خائفون من مصائب الشتاء.
الى جانب ذلك ينبغي التشديد على أن حماس لا تزال الجهة السائدة في غزة: تتحكم بالمجال المدني في المنطقة وتقاتل في كل مكان يناور فيه الجيش. رغم تصفية السنوار، توجد قيادة وسلسلة قيادة تمنع نشوء بدائل ولا يوجد أي احتجاج جماهيري ضد المنظمة، الامر الذي تعتبره إنجازا مركزيا.
يبدو أنه في اعقاب الاتفاق في لبنان، باتت حماس اكثر انصاتا لافكار التسوية. لكن كونها منظمة دينية متزمتة تواصل التمسك “بخطوط حمراء” وعلى رأسها وقف القتال وانسحاب كامل لقوات الجيش من القطاع، وستفضل مواصلة القتال في ظل تعميق التدمير والتقتيل في غزة على تقديم التنازلات. ان العقيدة الإسرائيلية التي تعتقد بان مزيدا من القوة سيلين حماس تثبت منذ اشهر جديدة كفشل. كما أن الاقتراحات لاخلاء واسع لحماس من غزة والجهد لاغراء الفلسطينيين بتحرير مخطوفين مقابل منح مالية تبدو كمحاولة فاشلة حين يؤدي التمسك الإسرائيلي بها الى إطالة بقاء المخطوفين في الاسر.
في هذا الوضع مفتوحة امام إسرائيل ثلاثة خيارات:
الأول – استمرار الوضع القائم على امل ان تحرر حماس أخيرا المخطوفين ونشطاؤها يغادرون غزة مثلما كان في حرب لبنان الأولى في 1982، السيناريو الذي تبدو احتمالاته في هذه اللحظة صفرية. وضع كهذا من شأنه أن يتحول الى حرب استنزاف طويلة فيما ليس واضحا انها ستؤدي الى تقويض حماس لكن واضح انها لن تسمح بتحرير مخطوفين.
الخيار الثاني – احتلال كامل للقطاع، بقاء غير محدود وفرض حكم عسكري. هذا سيتطلب في المرحلة الأولى ادخال ثلاث حتى خمس فرق لمرحلة الاحتلال والقاء، وفي مرحلة الحكم العسكري – توريد جار لاحتياجات السكان في غزة الامر الذي معناه عبء اقتصادي جسيم. في البعد الأمني قد ينشأ “عراق” وضع مشابه لذاك الذي علقت فيه الولايات المتحدة قبل عقدين، حين حاولت ان تزرع بالقوة التحول الديمقراطي والازدهار الاقتصادي في العراق (وفي أفغانستان)، ووجدت نفسها تنزف بالعبوات وبالقناصة الى أن اضطرت الى الانسحاب. في مثل هذا السيناريو سيتصاعد أيضا الجهد لاستئناف الاستيطان في القطاع ما سيثقل عبء الامن ويفاقم عجز شرعية إسرائيل في الساحة الدولية.
الخيار الثالث – هو تسوية بالهام لبناني. في مركزها – إقامة حكم محلي فلسطيني ذي صلة بالسلطة الفلسطينية وبدون مشاركة حماس. في اقامته، تثبيته وتشغيله ستشارك جهات دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، الى جانب دول عربية وبخاصة مصر، اتحاد الامارات والسعودية. الجيش يمكنه أن يجري ملاحقة استخبارية وثيقة ويحصل على حرية عمل في كل القطاع، لكن لن يكون متواجدا فيه بشكل دائم. على طول حدود القطاع في داخل أراضيه ستكون منطقة حراسة بعرض نحو كيلو متر لن يسمح للفلسطينيين بالدخول اليها وهي موجودة اليوم عمليا.
الاتفاق في لبنان خلق سابقة ومناخ كفيل هذا الخيار الثالث ان يربط فيه بين اتفاق وقف نار امني معقول وبين إعادة المخطوفين وإقامة أساس لبديل حماس في الحكم. هذا في واقع الامر الخيار المعقول الوحيد الذي يسمح بتحقيق معظم اهداف الحرب التي وضعتها إسرائيل لنفسها والتفرغ للاعداد للمواجهة الكبرى حقا مع ايران.
الاتفاق قابل للتنفيذ في ثلاثة مراحل:
- المرحلة الأولى – صفقة لاعادة المخطوفين الاحياء والاموات لإسرائيل مقابل تحرير مخربين فلسطينيين. الامر يتم في اطار وقف نار مؤقت يستمر لنحو شهرين، في اثنائه تجرى مفاوضات على تسوية امنية تتضمن إقامة قوة حفظ نظام وحكم مدني بديل في القطاع – كلاهما على أساس دولي وعربي لا تكون حماس فيه جزءا منه أو مشاركة فيه. بالتوازي تبدأ عودة المدنيين الغزيين غير المشاركين الى بيوتهم في شمال القطاع عبر مرشحات يراقب فيها الجيش والشباك الا يتسلل نشطاء حماس عبرها. هذا كفيل بان يتحقق اذا مورس على حماس ضغط شديد من جانب قطر واعطي لها ضمانات لانسحاب الجيش في المراحل التالية.
- المرحلة الثانية (بعد ستين يوما) – جسم الإدارة المدنية الجديد، الإدارة الأمنية وقوة حفظ النظام التابعة تدخل الى العمل. بداية تأخذ هذه المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية وتقديم الخدمات الحيوية للسكان. بالتوازي، إسرائيل، مصر والولايات المتحدة تقيم في محور فيلادلفيا ومعبر رفح عائق ومنشأة عبور حدودي جديدة تمنع تهريب السلاح ووسائل انتاجه، من فوق ومن تحت الأرض. وتكون لإسرائيل القدرة على المراقبة بشكل مباشر وبلا قيد زمني ما يجري في محور فيلادلفيا ومعبر رفح الجديد.
- المرحلة الثالثة (بعد بضعة اشهر) – وقف نار دائم يدخل حيز التنفيذ. الجيش الإسرائيلي ينسحب من أراضي القطاع، بما في ذلك محوري فيلادلفيا ونتساريم. معبر رفح يفتح من جديد وتشغله الإدارة المحلية الغزية مع رقابة أمريكية ومصرية دون موطيء قدم لحماس. وبالتوازي، يكمل الجيش الإسرائيلي إقامة منظومة دفاع جديدة على حدود القطاع في مقدمتها “منطقة حراسة” فارغة من الناس ومن المباني في داخل أراضي القطاع.