يديعوت احرونوت: غارقون في حرب استنزاف
يديعوت احرونوت 22/9/2024، ميخائيل ميلشتاين: غارقون في حرب استنزاف
كان الأسبوع الماضي احد الأسابيع الأكثر نجاحا من ناحية عسكرية بالنسبة لإسرائيل منذ بداية الحرب فيما كان في مركز حدث أجهزة البيجر المنسوب لها وتصفية إبراهيم عقيل في بيروت. هذه الخطوات تمس بشكل عملي وبصورة العدو الأكثر تهديدا من ناحية إسرائيل اليوم، وتساعد بقدر كبير على ترميم الردع الذي تضرر في 7 أكتوبر.
ومع ذلك، من وراء الإنجازات يتأكد شرك تتميز به العديد من المواجهات بين محافل غربية وغير غربية. فالتفوق التكنولوجي يتيح ضربة شديدة للعدو، لكن جملة الإنجازات لا تنجح في الغالب في أن تترجم الى انعطافة دراماتيكية. وينبع الامر من انعدام الفهم لمزايا العدو الخاصة، لكن أساسا من انعدام استراتيجية مرتبة للمدى البعيد.
منذ 7 أكتوبر وإسرائيل تعيش في تشوش فكري. فهي تدير معارك عسكرية واسعة، لكنها تعمل في ضوء منطق المعركة ما بين الحروب، أي السعي الى هزيمة الأعداء من خلال ضرب متواصل لـ “نقاط الثقل” – واساسا القادة والبنى التحتية – تستهدف نزع قوتهم ودوافعهم، وفي حالة حماس – الوصول الى تقويض كامل.
هذا قرار واع بالاستنزاف، ينبع في قسم منه من فهم مغلوط للواقع لدى أصحاب القرار وفي قسم آخر منه من اعتبارات سياسية داخلية. بالنسبة لغزة، تبنت إسرائيل في بداية 2024 “استراتيجية المرحلة الثالثة”، التي التركيز على هجمات موضعية واجتياحات. في اعقاب ذلك، وان كانت حماس تتلقى ضربات غير مسبوقة (أساسا تصفية زعماء، وعلى رأسهم ضيف) لكنها تنجو، تواصل الإبقاء على قوة عسكرية – وتشكل عنصر القوة السائدة في غزة.
في لبنان الهدف ليس تقويض العدو مثلما في القطاع، لكن الواقع مشابه: تصفية واسعة للقادة الى جانب قتل مئات النشطاء يمس بشدة بحزب الله ويطرح امامه معاضل حادة بالنسبة للرد ضد إسرائيل، لكنه لا ينقص جدا من قدرته العسكرية، وبالتأكيد لا يدفعه لان يرفع علما أبيض. في الضفة يتثبت بالتدريج وضع مشابه: إسرائيل تحقق إنجازات مبهرة ضد شبكات الإرهاب، لكن التهديد الأساس يتعاظم ويستدعي حملات اكثر تواترا واتساعا.
نظرة الى التاريخ تساعد على التعرف على ان الحديث يدور عن فهم “مثقب” من أساسه. هكذا مثلا الصراع المتواصل ضد البرنامج النووي الإيراني في العقود الأخيرة، الذي تضمن تصفية مسؤولن كبار في المشروع (على رأسهم فخري زادا، رئيس البرنامج العسكري)، السيطرة على أرشيف المشروع، بل وتدمير خفي لالاف أجهزة الطرد المركزي – هي كلها خطوات مبهرة، لكنها لم تمنع تقدم ايران الى مكانة دولة حافة نووية. تعبير قدم اكثر للشركة إياه ينعكس في حرب الاستنزاف وفي عقدين من بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان، المعارك التي كانت مفعمة بنجاحات عسكرية، لكن غابت عنها غاية واضحة وانتهت بدون حسم.
بعد سنة من بداية الحرب الأكثر شذوذا في تاريخ إسرائيل، تواصل إسرائيل الى أساليب ومفاهيم من الماضي لا تتلاءم وطبيعة العدو والمعركة اليوم. الجهات المقاومة التي تقاتل إسرائيل ضدها اقتنت قوة جيوش نظامية لكنها تتصرف بشكل مختلف وتبدي قدرة تغير وامتصاص طويل. فلا يمكن الحق الهزيمة بها من خلال نموذج القتال القائم، بل من خلال احتلال كل قطعة ارض تسيطر عليها. السيناريو الذي لا يبدو ان لإسرائيل في هذه اللحظة القدرة او الرغبة في تحقيقه. ولكن حتى في هذه الحالة، مثلما تعلم الامريكيون في العراق وإسرائيل نفسها في لبنان في 1982 من الموصى به الامتناع عن خيالات تتعلق بخلق واقع جديد وجيد بل الاستعداد لتطور تهديدات جديدة.
إسرائيل تغرق في معارك استنزاف من شأنها ان تجبي ثمنا امنيا، سياسيات واقتصاديا باهظا وتعمق التوتر الداخلي العميق أيضا في داخل المجتمع. لاجل الخلاص من ذاك المستنقع المغرق يجب بلورة استراتيجية مركبة، الهدف المسؤول عنه المستوى السياسي. ان الفجوة في الموضوع تجسد أيضا لماذا من الحيوي الدفع قدما بتحقيق واسع وثاقب. وذلك ليس كـ “عمود عار” موجه نحو المسؤولين عن اخفاق 7 أكتوبر بل كاداة وطنية لاستيضاح الخلل الفكري، الامر الذي يسمح بالبدء بإصلاح داخلي متعدد الابعاد. وبدون خطوات كهذه ستواصل إسرائيل خوض حروب الحاضر وفقا لاساليب الماضي وحصد إنجازات عسكرية – لكن الغرق في معارك استنزاف هدامة.