يديعوت احرونوت: النووي الإيراني: حرب الوعي ومعضلة الهجوم

يديعوت احرونوت 23-12-2024، رون بن يشاي: النووي الإيراني: حرب الوعي ومعضلة الهجوم
البحث اليقظ في وسائل الاعلام الإسرائيلية والأمريكية بشأن هجوم على منشآت النووي في ايران وتوجيه ضربة أليمة الى الحوثيين في اليمن، هو مسألة حرب وعي أكثر منها نوايا ومخططات عملياتية ملموسة.
الإصابات المباشرة للصواريخ الباليستية التي اطلقت من اليمن، والتي لم تنجح منظومة الدفاع الجوي في اعتراضها أدت الى احباط شديد في أوساط محافل سياسية وأمنية في إسرائيل وفي واشنطن وأشعلت إوار البحث العلني هذا في مسألة هل يمكن الاكتفاء بضربات أليمة على الحوثيين لاجل ردعهم عن مهاجمة إسرائيل والملاحة الدولية ام في واقع الامر ينبغي ضرب الإيرانيين، اسياد الحوثيين ومن يزودهم بالصواريخ والمسيرات.
بديل في صيغة كوريا الشمالية
ترتيبات للامور نعود الى التوقيع على اتفاق وقف النار في لبنان في نهاية تشرين الثاني وانهيار النظام السوري بعده فورا. هذان الحدثان اوقعا ضربة قاضية على “محور المقاومة الشيعية” بقيادة ايران، والتخوف الفوري الذي ثار هو أن تسارع ايران المحبطة الى الاقتحام نحو السلاح النووي.
أثارت هذه الامكانية قلقا شديدا في القدس وفي واشنطن لانه كان واضحا بان النظام الإيراني الذي فقد دفاعاته المتقدمة وطوق النار الذي حاول خلقه حيال إسرائيل سيبحث عن بديل مناسب في صيغة كوريا الشمالية. فقد اندفعت الأخيرة نحو السلاح النووي وهكذا اقتنت لنفسها حصانة من هجوم امريكي وكوري جنوبي.
لردع الإيرانيين عقدت محادثات احاطة أُلمح فيها صراحة بان الهجوم على منشآت النووي الإيرانية هو الان على جدول الاعمال، وذلك بعد أن هاجم سلاح الجو في نهاية أكتوبر وصفى العناصر الأساس لمنظومات مضادات الصواريخ الإيرانية وقدرة الإيرانيين على انتاج الوقود الصلب للصواريخ وتجديد مخزونات الصواريخ الباليستية المتناقصة لديهم.
الان، كما المحت المحافل الأمنية في إسرائيل وفي الولايات المتحدة لا يمكن لإيران عمليا ان تسمح لنفسها بالاندفاع نحو النووي لانها لن تنجح في التقدم كثيرا قبل أن تتعرض للهجوم من إسرائيل وربما أيضا من الولايات المتحدة.
هذا إضافة الى المصاعب الاقتصادية البارزة التي تعيشها ايران الان، ولا تقل أهمية عن ذلك حقيقة أنه وان كان لإيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لدرجة عالية يكفي لـ 4 – 5 قنابل نووية بالقوة التي دمرت هيروشيما ونجازاكي، لكنهم لم ينجحوا بعد في تطوير المتفجر كما لم ينجحوا في تصغير متفجر نووي ينتج من اليورانيوم المخصب برأس متفجر يركب على صاروخ باليستي يصل الى إسرائيل.
صحيح، من ناحية تخصيب اليورانيوم باتت ايران منذ الان دولة حافة نووية. لكن حسب وكالات الاستخبارات في إسرائيل وفي الولايات المتحدة فانها لا تزال على مسافة تتراوح بين عشرة اشهر وسنة ونصف عن القدرة لانتاج قنبلة.
هذا الوضع الذي يكون فيه لإيران منذ الان ما يكفي من اليورانيوم المخصب لاجل أن تنتج في غضون بضعة أسابيع أربعة رؤوس نووية، لكن ليس لديها العلم والتكنولوجيا والوسائل لانتاج رؤوس متفجرة نووية ينبغي تركيبها على صواريخ باليستية هو وضع يكون فيه هجوم على منشآت النووي عديم الجدوى. حتى لو قصفت إسرائيل، مع أمريكا او بدونها المنشآت النووي في نتناز وفي فوردو التي توجد عميقا تحت الأرض، فان اليورانيوم المخصب الذي اصبح بعض منه كرات معدن يورانيوم هي لباب القنبلة لم يعد يمكننا ان ندمرها. فهي مخبأة عميقا تحت الأرض، في مكان ما في ايران، ولاجل تدميرها هناك حاجة لاكثر بكثير.
بمعنى ان قدرة احباط تخصيب اليورانيوم قد فوتت منذ الان، بينما القدرة على تطوير جهاز متفجر نووي وتحويله الى راس متفجر نووي لصاروخ لا تزال ليست لديهم.
الجهاز الأساس الذي عملوا عليه في تطوير الجهاز المتفجر والرأس النووي، هكذا حسب منشورات اجنبية، هاجمته إسرائيل ودمرته في أكتوبر هذا العام. هكذا بحيث ان ما تبقى عمله الان هو محاولة ضرب عنصر آخر للبرنامج النووي الإيراني الا وهو الصواريخ الباليستية، المنصات ووسائل الإنتاج. لكن هذه موزعة على عشرات المواقع في ايران ولاجل مهاجمتها نحتاج الى طائرات وصواريخ كثيرة في الموجة الأولى، وعندها انهاء العمل على مدى أيام طويلة.
من يريد مثالا فليأخذ حملة “سهم البشان” الذي دمر فيه سلاح الجو الإسرائيلي السلاح الاستراتيجي، سلاح الجو والدفاع الجوي السوري. الضربة الأولى وان كانت تواصلت 72 ساعة، لكن بعدها كان سلاح الجو مطالبا بان يهاجم على مدى نحو عشرة أيام أهدافا أخرى وهو يهاجمها حتى اليوم في سوريا. ما سيحصل في ايران هو اننا سنضطر بعد الضربة الأولى بان نخوض حرب استنزاف على مسافات تتراوح بين 1600 و 2000 كيلو متر على مدى أيام طويلة، وفي كل حال سنضطر الى مساعدة الأمريكيين.
هكذا فان هجوما إسرائيليا على منشآت النووي الإيرانية ليس الخطوة التي يوصى بها حاليا أصحاب القرار في القدس ولا رجال جهاز الامن أيضا. لكن من الخير الكثير ان يعتقد الإيرانيون ان من شأننا بالذات أن نفعل هذا، وهذا ما يلجمهم عن بدء سباق سريع نحو القنبلة. التهديد الإسرائيلي المبطن بعملية في ايران يأتي أيضا لمساعدة الرئيس ترامب لتحقيق التسوية الدبلوماسية التي يريدها مع ايران.
لا يريد ترامب حربا في الشرق الأوسط. يريد اتفاقا نوويا جديدا وجيدا يحل محل الاتفاق النووي السيء برأيه الذي وقعه الرئيس أوباما في 2015. التهديد الإسرائيلي الذي يثير فزعا في طهران سيساعد فقط الرئيس المنتخب لتحقيق هدفه عندما سيدخل في 21 كانون الثاني الى البيت الأبيض. لا يريد حربا في الشرق الأوسط، لكنه يريد ايران ملجومة وضعيفة. سوطه هو العقوبات والتهديد الإسرائيلي، والجزرة التي يعرضها على الإيرانيين هي اتفاق نووي.
يسيطرون على الناقلات والسفن
وماذا عن الحوثيين؟ أول ما ينبغي معرفته هو أن الحوثيين لا يقادون ولا يدارون من ايران. هم فقط يساعدونها ولهذا فان ضربة في ايران لن تغير شيئا من ناحية النظام الحوثي. الحوثيون يخوضوع حرب استنزاف ضد إسرائيل بالصواريخ والمُسيرات لان تأييدهم للقضية الفلسطينية يخلق لهم تأييدا داخليا في اليمن وفي العالم العربي بعامة ولانهم جد راضون عن المكانة الدولية التي اكتسبوها عندما أظهروا بانهم هم من يقررون اذا كانت ستكون ام لن تكون ملاحة تجارية في البحر الأحمر ومن هناك الى قناة السويس.
هذه المكانة لجهة عالمية قادرة على ان تشوش الاقتصاد العالمي اعجبت الحوثيين، وهم يحاولون الان دون صلة بايران ان يغيروا النظام العالمي أيضا، مثلما أشار رئيس الوزراء وعن حق. الإيرانيون يزودون الحوثيين بالصواريخ والمسيرات بالتهريب عبر البحر.
ان معالجة الحوثيين صعبة، واساسا بسبب المسافة الجغرافية وبسبب كمية المقدرات الاستخبارية التي يمكن لإسرائيل أن تكرسها لاجل الملاحقة وجمع اهداف جدية في اليمن. تحديات الاستخبارات والمسافة الجغرافية تصعب أيضا عملية ناجعة تعطل وسائل انتاج واطلاق الصواريخ والمسيرات.
مشكلة مركزية أخرى هي أن الحوثيين لا يردعون نتيجة ضرب بنى تحتية اقتصادية وسياسة لهم. فقد خاضوا حربا ضد السعودية والتحالف الذي ارتبط بها بين 2015 و 2019 وتركوا عشرات الالاف من مواطني بلادهم يموتون بالقصف والجوع.
لم يسمحوا لهذا ان يمنعهم من مواصلة القتال. هكذا بحيث أن ضرب اهداف وبنى تحتية مدنية لن يردع الحوثيين.
ما سيدفعهم بالفعل الى تغيير موقفهم، وهذا بالضبط ما حصل لحزب الله، أي قطع رأس القيادة الحوثية وتوجيه ضربة قاضية للصواريخ الباليستية، المُسيرات، المنصات ووسائل الإنتاج لديهم. لاجل ردع الحوثيين يتعين على إسرائيل أن تفعل لهم ما فعله الجيش والموساد للقيادة والسلاح الاستراتيجي لدى حزب الله في لبنان والأسد في سوريا.
بسبب المسافة الجغرافية وتحديات الاستخبارات لا يمكن لإسرائيل أن تفعل هذا لوحدها.
الجيش الإسرائيلي بحاجة الى شراكة كاملة من القيادة المركزية للجيش الأمريكي والاسطول الأمريكي الخامس في مثل هذه الحملة كونهم يتواجدون في الساحة في بحر العرب وفي البحر الأحمر، مع حاملات طائرات، بارجات صواريخ وغيرها.
إدارة بايدن امتنعت عن توجيه ضربة قوية لليمنيين خوفا من اشتعال حرب إقليمية. اكثر من هذا حذر البنتاغون البيت الأبيض من أن عدد صواريخ الاعتراض “آيجس” على السفن الحربية الامريكية آخذ في النفاد.
لهذه الأسباب تمتنع إدارة بايدت حتى أول امس عن توجيه ضربة قاضية لمخازن الصواريخ وقيادات الحوثيين. في إسرائيل يأملون في أن يغير دخول ترامب الى البيت الأبيض هذا الوضع، وان يزيل ترامب القيود التي فرضها البيت الأبيض الحالي على قيادة المنطقة الوسطى الامريكية في الهجمات في اليمن وانه بعد أن يدخل ترامب الى البيت الأبيض ستتفق الولايات المتحدة وإسرائيل على عمل مشترك يعيد الحوثيين الى حجومهم السابقة، ويمنعهم من أن يصبحوا جهة تخرق النظام والاقتصاد العالميين.
ترامب سيصبح رئيسا في ظروف باتت فيها الحرب الإقليمية ليست خيارا للايرانيين ولا لليمنيين. وهذا ما قصده رئيس الوزراء على ما يبدو عندما طلب من مواطني إسرائيل الصبر. وكان المقصود هو حتى يدخل ترامب الى البيت الأبيض، وعندها سيعالج الحوثيون كما ينبغي.