يديعوت احرونوت: إسرائيل ملزمة باستراتيجية

يديعوت احرونوت 5/5/2025، ميخائيل ميلشتاين: إسرائيل ملزمة باستراتيجية
رغم العاصفة التي أثارها الصاروخ الحوثي الذي سقط في منطقة مطار بن غوريون أمس لم يكن فيه شيء غريب. فقد كان فصلا آخر في حرب تتواصل في سبع جبهات منذ 17 شهرا وشكل مقدمة لروتين الحياة المتوقعة للجمهور الاسرائيلي لفترة زمنية غير محددة في اعقاب القرار الذي يلوح في الأفق عن تعميق المعركة في غزة.
نتنياهو بالذات أبدى نهجا مرتبا حين ادعى بالنسبة للتهديد من اليمن بانه لا يوجد “ضربة واحدة وانتهينا”. الحوثيون وان كانوا يتعرضون لضربات شديدة على ايدي الأمريكيين الا انهم يواصلون القتال. وواشنطن لن تكرر التجارب المريرة لمصر والسعودية اللتين غرقتا في الماضي في الوحل اليمني (واساسا ستمتنع عن التواجد البري)، بحيث أنه من المعقول الافتراض بان “التنقيط” من اليمن سيتواصل على طول المعركة في غزة.
يجدر بـ “التعقيد” الذي اباده نتنياهو تجاه الحوثيين (وقبل ذلك في وصفه لقطر) ان يطبقه أيضا على غزة التي تحل فيها الأوهام والشعارات محل الأهداف الواقعية والخطط الواعية. فمنذ اكثر من سنة ونصف يتبين كم هو صعب تحقيق “الحسم” في غزة (وليس واضحا على الاطلاق ما هو المعنى العملي للاصطلاح)، لكن يتواصل عرض “النصر المطلق” كهدف قابل للتحقيق. كل هذا دون أن يشرح للجمهور بان “الحسم” يفترض التنازل عن المخطوفين، القتال المرير في داخل المجال المديني في القطاع، واحتلال كامل للمنطقة والبقاء فيها.
الصاروخ من اليمن جسد حقيقة معقدة أخرى ينبغي الاعتراف بها. رغم الإنجازات العسكرية الدراماتيكية لم ينتهِ القتال في أي واحدة من الساحات. الوضع الأفضل هو في لبنان حيث ضرب حزب الله بشدة ويتثبت حكم مستقر نسبيا لكن إسرائيل تواصل العمل كل الوقت. في كل باقي الساحات الوضع معقد او متفاقم. في غزة يحتمل أن تكون ذروة القتال لا تزال امامنا؛ في سوريا ليس واضحا ما هي الاستراتيجية، حين تجتذب إسرائيل من يوم الى يوم الى صراعات داخلية والى احتكاك مع تركيا؛ وحيال ايران التهديد المركزي الذي يجب التركيز عليه، ايادي إسرائيل مقيدة في ضوء الحوار المفاجيء الذي يعمل عليه ترامب ومن شأنه أن ينتهي بصفقة.
القيادة في إسرائيل قررت ان تعيش في قطار جبال عديم الفرامل فيما ان الحرب نفسها أصبحت هي الاستراتيجية. والمعارك تروج لنا القيادة إياها التي خلقت مفهوم 7 أكتوبر تعرض استخدام القوة الأبدية كـ “درس واعٍ” وتمتنع عن ان تشرح للجمهور ما هي أهدافها (بخاصة في غزة) او ما هي الاستراتيجية (اصطلاح يترافق بالسخرية بدعوى أنه يعكس “تفكير 6 أكتوبر”).
قبل لحظة من غرق إسرائيل في حرب بلا اهداف واضحة وبلا اجماع داخلي، بينما المجتمع منهك وأحد لا يشرح بان احتلال غزة والبقاء في المنطقة سيغير حياة الإسرائيليين لسنوات طويلة، يجب التوقف عمليا. هذا ليس رفعا للايدي وبالتأكيد ليس اعلانا عن نهاية الحروب او الاستسلام.
التوقف هو حاجة وجودية لبضع غايات: تحقيق معمق (يفر منه أصحاب القرار بثبات)، بلورة خطط مرتبة (لا توجد اليوم)، وكذا اشفاء داخلي في مجتمع ممزق، لم يعالج بعد صدمة 7 أكتوبر كما ينبغي، وثقته بقيادته تقل، ولا سيما حول الشك هل هي تقرأ بشكل افضل الواقع والعدو، وجديرة بان تكون هي التي تقوم بالإصلاح التاريخ ايضا.
لا توجد ذرة سذاجة في توقف كهذا او وعد لمستقبل ساحر، وذلك بخلاف إعلانات النصر المطلق التي تسمع عن الادعاء الذي يقول “محظور انهاء الحرب فيما تكون حماس على حدودنا”. هذا قول ينطوي على مناكفة ليس فيها بحث معمق بالنسبة لاصطلاح “الحسم” والتحديات التي ينطوي عليها احتلال كل غزة او تفسير لماذا لا يحل المنطق “المطلق” على النووي الإيراني الذي يطرح تهديدا وجوديا اكثر حدة باضعاف على إسرائيل.
فضلا عن الاشفاء الداخلي – الذي يفترض أيضا إعادة تصميم العلاقات مع جماهير كشفت الحرب فجوة خطيرة بينها وبين الدولة، وعلى رأسها الحريديم، لكن أيضا العرب – سيكون مطلوبا بلورة خطط مرتبة بالنسبة للمستقبل. أولا وقبل كل شيء كيف يكون تركيز الجهد على النووي الإيراني الى جانب ثلاث خطط أخرى بلورتها وتنفيذها لن تكون ممكنة بسبب حروب متواصلة: التصدي للتهديد الحوثي من خلال عزل اليمن عن النفوذ الإيراني وتعزيز قوى بديلة في الدولة؛ بلورة قواعد لعب وتقاسم مناطق نفوذ مع تركيا في الساحة السورية؛ وبالطبع تخطيط الحرب التي لن يكون منها مفر ضد حماس، يحتمل في ظل احتلال غزة، هدف تاريخي واضح أن القيادة الحالية تفتقر للتخطيط وللشرعية من الداخل ومن الخارج لاجل تحقيقه.