هشام النجار: داعش يرفض تحوله إلى كبش فداء ويعلن تحديه للسلطة في سوريا

هشام النجار 1-6-2025: داعش يرفض تحوله إلى كبش فداء ويعلن تحديه للسلطة في سوريا
يُعد تبنّي تنظيم داعش للهجوم على دورية للفرقة 70 بالجيش السوري إعلانًا عن بدء مواجهة تأجلت بين غريمين جهاديين، أتت بعد فترة جس نبض تبين خلالها أن تنظيم الدولة هو أكبر الخاسرين في المعادلة الجديدة، وكبش الفداء من أجل إرضاء أطراف خارجية ومحلية.
واقتصرت نشاطات داعش في سوريا منذ سيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أبومحمد الجولاني (أحمد الشرع) على السلطة في دمشق، على تعظيم الحضور والتمدد بمعقله في البادية السورية، إلى جانب الاستهدافات اليومية للقوات الكردية وتهريب الأسلحة إلى المخيمات التي تحرسها. وفيما عُد الاستهداف الأخير لقوات الجيش السوري الجديد تطورًا لافتًا، فإنه ينقل الصراع مباشرة إلى حيز التمرد المسلح لإسقاط السلطة وليس إقلاقها.
ويستبق داعش الأحداث حتى لا يترك مساحة زمنية يسودها الاستقرار الأمني، ويعزز خلالها النظام السوري الجديد سلطته عبر تنسيق وتعاون إقليمي ودولي، بعد لقاءات الرئيس أحمد الشرع الأخيرة مع قادة في الإقليم والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعبرت عن إمكانية عبور حكومة الإسلاميين تحديات المرحلة الانتقالية للهيمنة على مقاليد الإدارة والثروة.
ولم تغِبْ التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه نظام الشرع عن المسؤولين الأميركيين، لدرجة تنبؤ وزير الخارجية ماركو روبيو أمام مجلس الشيوخ بانهيار محتمل للنظام الجديد وتفكك للدولة بالكامل خلال أسابيع فقط، مشيرًا إلى تعقيدات المشهد الأمنية التي لا تمنح فرصة نجاح كبيرة.
وغير معروف الجهة المسؤولة عن التصدي لخطر داعش في سوريا والحد من نموه، لأن الانتقال إلى مرحلة انتشار قوات الجيش السوري واستلامها المهام الأمنية من القوات الكردية لم يتحقق ميدانيًا، علاوة على أن الأخيرة تعاني من تراجع ملحوظ نتيجة تراخي قبضتها على المخيمات والبدء في انسحاب القوات الأميركية المُسانِدة.
وينفذ تنظيم داعش في ظل هذا الارتباك خطة إثبات حضوره وخلق أمر واقع يَحْرِم الحاكمين الجُدد من تقديمه كَبْش فداء وجعله الخاسر الأكبر في المعادلة الجديدة بالمشهد السوري، وجاء الاستهداف المباشر لقوات الجيش كرسالة محددة من قادة داعش، وتحذير يؤكد عدم الاستهانة بالتنظيم وقدرته على الرد والانتقام. ويمتلك داعش أوراقًا عديدة تصلح للرهان عليها في طريق تحقيق أهدافه التي تصل إلى مستوى السعي لإسقاط النظام وليس مجرد عرقلة مسيرته.
ويمثل الانسحاب المبكر للقوات الأميركية فرصة لتنظيم ينشط في ساحة فراغ أمني ومعلوماتي، حيث لا تملك القوات الكردية جاهزية وحماسا وغطاء أميركيا، ولم يحل النظام الجديد مختلف الإشكالات الأمنية المستعصية ليتفرغ لمواجهة داعش من منطلق أرضية صلبة. ويلعب داعش خلال هذه المرحلة المعقدة في عمر سوريا والمنطقة على استغلال ارتباك وضعف طرفين رئيسيين في المعادلة الجديدة، وهما الحكومة التي شكلها الجهاديون، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وتفتقر الحكومة السورية لرؤية مقنعة وقوات كافية لمواجهة النمو الحثيث لداعش في البادية السورية، ما فسّر تكثيف التنظيم الأكثر صرامة وتطرفًا هجماته بهذه المنطقة التي صارت إحدى أهم ملاذاته ومحاضنه. ويستغل تنظيم داعش التوترات الطائفية ويضع نفسه كرقم رئيسي فيها، ما يُسْهِم في تمدده داخل أجزاء مختلفة من البلاد، تلك التي تقطنها أقليات ومعتنقو مذاهب، مثل الدروز والعلويين، بخلاف مناطق نشاطه التقليدية.
وينشط التنظيم بشكل مكثف مستغلًا الانقسامات الداخلية وانشغال الأجهزة الجديدة بتعقب وملاحقة بقايا وفلول النظام السابق ومحاولة البدء في بناء المؤسسات والأجهزة الأمنية وفقًا لعقيدة وقناعات الحاكمين الجدد. وانتظر تنظيم داعش بعض الوقت لاختبار الوضع الجديد واكتشاف مكانه ومكتسباته ضمن التغيرات والتحولات في المشهد بعد إسقاط نظام بشار الأسد، قبل أن يوجه سلاحه مباشرة للقوات التابعة لحكومة أحمد الشرع.
وتأكد لدى قادة داعش أن أحمد الشرع ورفاقه قرروا التضحية بهم وجعلهم مطية لتمكينهم من السلطة بعد موافقة الحكومة السورية على المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهو ما نددوا به في بيان مصور، وحذروا من سعي الحكومة السورية لبناء علاقات قوية مع الدول الغربية.
واعتبر البيان الصادر في نهاية أبريل عن تنظيم داعش في سوريا انضمام حكومة الشرع إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وانفتاحه على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، خيانة لتضحيات السوريين وتنازلًا عن مبدأ تحكيم الشريعة.
وتعيد الأحداث المتسارعة في سوريا رسم الملامح الرئيسية لوقائع سابقة في أفغانستان؛ بالنظر إلى تكرار مشاهد تضاعف نفوذ داعش عقب الانسحاب الأميركي، علاوة على بدء داعش في تنفيذ مخطط إسقاط هيبة واحترام الرفاق الجهاديين السابقين في الوسط الجهادي باعتبارهم خائنين ومتنازلين عن ثوابت الدين، ما يمكّن التنظيم من استقطاب مجندين كثيرين.
وما يساعد داعش على استقطاب السَاخِطين في صفوف الفصائل الجهادية داخل سوريا بشكل أكبر مقارنة بالحالة الأفغانية، وقوع أحمد الشرع في فخ الاتهام بالتعاون مع إسرائيل وسعيه لإقامة علاقات مع الدولة التي طالما اعتبرها عدوًا رئيسيًا، وهو ما تستغله منصات تنظيم الدولة للنيل من الشرع، وتتهمه بالعمالة للغرب وإسرائيل وخيانة دماء السوريين.
ويستغل داعش أيضًا الارتباك الملحوظ لقوات “قسد” التي تختبر هي الأخرى وضعًا مختلفًا وتحديات متعاظمة بعد سقوط بشار الأسد وزيادة نفوذ تركيا بالداخل السوري بعد هيمنة حلفائها الجهاديين على السلطة، وبدء انسحاب القوات الأميركية باتجاه العراق، ما منح الجرأة لداعش الذي توجهت مجموعات منه إلى خارج البادية متجهة إلى مناطق هيمنة “قسد”.
وقبل العملية الأخيرة لتنظيم داعش واستهدف فيها للمرة الأولى قوات الجيش السوري الجديد، كرر التنظيم تنفيذ عمليات نوعية متتابعة ضد قوات سوريا الديمقراطية، مستغلًا انشغالها بإعادة ترتيب الأوضاع بعد سقوط نظام الأسد، وواضعًا في أولويات أهدافه استعادة نفوذه وربما سيطرته على معاقله السابقة في دير الزور والرقة وبعض مناطق حلب.
ويراهن قادة داعش على جيل تكفيري ناضج داخل مخيمات الاحتجاز، فقد كبر أشبال التنظيم وأطفاله وباتوا في عمر الشباب، خاصة في مخيمي الهول وروج، وينفذون عمليات شبه يومية، أعلاها في مستوى النوعية الاستهداف المباشر لكوادر وكمائن “قسد”، وأدناها محاولات تهريب الأفراد والأسلحة وتجنيد الشباب داخل المخيم.
وينظر تنظيم داعش إلى المرحلة الآنية باعتبارها الأنسب في التوقيت لتحرير عناصره وكوادره وعشرات الآلاف من مقاتليه، عن طريق تسلُل بعض ناشطيه إلى داخل مخيمات الاحتجاز والقيام بعمليات مباغتة هدفها إخراج أسراه وإعادة بناء هيكل التنظيم على المستوى الإقليمي.
ومن المرجح أن يصبح داعش في مركز قوة مواجهًا الجيش الجديد وحكومة الشرع بندية وكفاءة قتالية أعلى، إذا تمكن من إطلاق سراح عناصره المُحتجزين في سجون “قسد”، وهم القوة الضاربة للتنظيم وذخيرته من المقاتلين ذوي الخبرات الميدانية الواسعة.
ويتوقف مستقبل داعش في سوريا على ما إذا كان التحالف الدولي للإرهاب سيواصل عمله بنفس القوة والكفاءة السابقة من عدمه؛ حيث أسهمت جهوده النوعية خلال الشهور الأخيرة في تصفية العديد من قادة التنظيم الحركيين، علاوة على الإسهام الاستخباري في إجهاض بعض العمليات قبل تنفيذها.
وإذا تعثر التحالف في سوريا، وتمكن داعش من تحرير الآلاف من كوادره، فإن الأوضاع ستتغير لصالحه، وسوف يشكل تهديدًا كبيرًا لسلطة أحمد الشرع في دمشق، وربما تصدق تنبؤات وزير الخارجية الأميركي المتعلقة بفرضية انهيارها خلال أسابيع، والتي صدرت بناءً على معلومات دقيقة.