شؤون مكافحة الاٍرهاب

هشام النجار: خلافة جهادية غير معلنة تتشكل في الساحل الأفريقي

هشام النجار 18-5-2025: خلافة جهادية غير معلنة تتشكل في الساحل الأفريقي

لا يستعجل الجهاديون المنتمون لتنظيم القاعدة في بوركينا فاسو ومالي وباقي دول الساحل الأفريقي إعلان دولتهم العابرة للحدود، حتى تنضج التجربة ويحيطونها بأدوات مختلفة للحماية، كي لا يقعوا في خطأ تنظيم داعش الذي أعلن عن خلافة سرعان ما سقطت.

وتتصل تجربة جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” الموالية للقاعدة في دول الساحل الأفريقي بتنظيم داعش من جهة كونها موجودة في العديد من الدول وفي مساحات واسعة، ما يتطلب تأسيس دولة خلافة في غرب أفريقيا تُمحى على إثرها الحدود، ما يكرس هاجس حالة داعش في العراق والشام.

وتتصل التجربة بتنظيم القاعدة؛ من منطلق الولاء المنهجي ووجود روابط وثيقة بالمكونات والعرقيات المحلية، وتركيز الاستهداف على الجيوش والأجهزة الأمنية والمدنيين المتعاونين معها.

وعلى الرغم من مستوى التمكين والنفوذ الذي وصل إليه كل فرع للقاعدة في كل بلد على حدة، ما يمكّنه من الاستيلاء على السلطة وتدشين نموذج حكم محلي، إلا أن مسألة إعلان خلافة تثير هواجس الجهاديين القاعديين، لأن أدبيات القاعدة تفخر أنها حذرت من مصير خلافة داعش المتعجلة، داعية للتأني وتأمين مستويات فائقة من ضمانات النجاح.

ليس هناك شك في أن الماضي يصعب أن يعود بهذه المنطقة، ولا يمكن تصور أن يخرج جهاديون بطريقة أو بأخرى من المشهد بعدما حققوه من تمدد وتوغل وهيمنة وثروات بل ونماذج حكم غير معلنة تُجبى فيها الضرائب وتقدم الخدمات منتظمة ضمن خلافة مفترضة غير معلنة.

وباتت مظاهر النظام الدستوري المدني بدول الساحل الأفريقي في ذمة التاريخ، والسؤال الآن يتعلق بمتى يعلن تنظيم القاعدة إقامة نظام حكمه، وكيف سيكون شكل هذا النظام؟

تتعلق المسألة بالمفاضلة بين حكم محلي محدود داخل دولة واحدة مثل مالي أو بوركينا فاسو، على غرار سوريا وأفغانستان، مقابل المجازفة وتجاوز الهواجس لإعلان قيام خلافة منتظمة بكل دول الساحل، خاصة أن الشواهد تشي أنه يُمهّد لذلك بالفعل.

ومن طبيعة العمليات التي قامت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” مؤخرا في بوركينا فاسو تحديدا يبدو أنها بجانب ما تمتاز به من امتلاك قوة ونفوذ بالداخل قد يتطور أداؤها وثقتها بعد عودة مقاتليها ممّن انضموا للقتال مع الفصائل التكفيرية بسوريا الموالية للقاعدة بعد اكتسابهم خبرات قتالية.

وتعمل أفرع القاعدة بالشرق الأوسط وأفريقيا بطريقة تضامنية، فإذا ما تحقق التمكين لفرع في منطقة، جرى نقل الآلاف من المقاتلين المحترفين إلى منطقة أخرى في مرحلة المواجهة مع الجيش والأجهزة الأمنية ولم يحدث فيها التمكين بعد، وحتى الآن عاد إلى بوركينا فاسو وبعض دول الساحل قرابة عشرة آلاف مقاتل من سوريا وغيرها.

انعكس هذا التطور على أداء فرع القاعدة في بوركينا فاسو، حيث أعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في 13 مايو الجاري سيطرتها على ثكنة عسكرية للجيش، بمدينة، ديابجا بمقاطعة تابوا شرقي البلاد.

ولم يعد فرع القاعدة عبر التطبيق على هذه العملية يتبنى النهج والكر والفر وتكتيك اضرب واهرب، إنما ينفذ إستراتيجية التمركز والسيطرة المكانية في المناطق الحضرية، وحصار المدن والتخديم الدعائي الاحترافي بجانب تحرير كوادر التنظيم من السجون.

ويستثمر فرع القاعدة في ما حققه من مستوى غير مسبوق من العنف وبث الخوف في قلوب المدنيين وتهديد محدق للقوات الحكومية، حيث تشير الإحصائيات إلى عدد وفيات من المدنيين والعسكريين بسبب الإرهاب في بوركينا فاسو حتى العام الماضي يفوق أيّ منطقة أخرى في أفريقيا والعالم، كما يستثمر التنظيم في عودة مقاتليه المحترفين من سوريا، هؤلاء الذين أسهموا في التمكين لفرع آخر للقاعدة في الشام.

وتمثل الانقلابات العسكرية التي حدثت بالمنطقة نقطة فارقة سابقا في تطور التنظيم، فهي التي أسقطت الحكومات المدنية التي أحرزت نجاحات جيدة في مواجهة الإرهاب رغم ضعف الإمكانات، كما أزاحت الفرنسيين الذي لعبوا أدوارا إستخباراتية وميدانية حجمت التنظيمات وإن لم تقض عليها، إلى جانب أنها قللت إلى الحد الأدنى المساعدات الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب.

وفي حين تجري عودة منتظمة لمقاتلي القاعدة من سوريا التي جرى التمكين فيها للجهاديين من السلطة إلى مناطق المواجهة المحتدمة في بوركينا فاسو وغيرها لتعزيز صفوف مقاتلي التنظيم بمنطقة الساحل الأفريقي، فإن هناك سحبا مضادا لقوات مرتزقة فاغنر الروسية التي اعتمدت عليها الحكومات العسكرية في غرب أفريقيا، لمساعدة موسكو في حربها ضد أوكرانيا.

لم يحقق مرتزقة فاغنر فارقا بل زادوا الطين بلة بما ارتكبوه من مذابح وتجاوزات، وزاد انسحابهم باتجاه ساحة حرب روسيا ضد أوكرانيا من الإحباط العام في بوركينا فاسو في أوساط مؤيدي الحكم العسكري، وفي المقابل صور هذا التطور جهاديي فرع القاعدة بأنهم قوة لا تُقهر؛ وها هي تهزم قوى كبرى وبعد انسحاب الفرنسيين والأوربيين ينسحب الروس.

ومع إحراز المزيد من الثقة وكسب الحرب النفسية والمعنويات؛ هناك واقع يتغير في اتجاه جعل دولة الجهاديين واقعا معيشا وملموسا وإن لم يتم الإعلان عنها رسميا؛ بسبب الحيرة بين نموذج حكم القاعدة المحلي في كل دولة على حدة كما في سوريا وأفغانستان، مقابل نموذج خلافة داعش الذي يضم عدة دول.

وتستفيد دولة الجهاديين المفترضة في بوركينا فاسو من زيادة عدد السكان بشكل كبير مع عدم مقدرة الدولة على استيعاب الأعداد الكبيرة في وظائف أو توفير الخدمات الرئيسية.

وفي الوقت الذي تفشل فيه الحكومة في التعامل مع انفجار سكاني منفلت، توظفه الجماعة الموالية للقاعدة لمصلحتها من جهة استيعاب أعداد كبيرة من الشباب المُحبط والعاطل عن العمل في صفوفها، بالنظر إلى ما تمتلكه من ثورات طائلة، جعلتها واحدة من أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم.

وتنتشر مشاعر الغضب والسخط على الحكومة العسكرية التي يقودها الضابط إبراهيم تراوري الذي استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري قبل ثلاثة أعوام بحجة كبح الإرهابيين، في حين تفاقمت خطورة الإرهاب وتعاظمت مكتسبات الجماعة التي تتبناه ما دفع البوركينابيين لوصفه بـ”الكابتن صفر”، ما يعني أنه فشل ولم يحقق أيّ انتصار بخصوص الأهداف التي أعلن أنه أتى ليحققها.

ولم يعد هناك ما يتحجج به العسكريون أمام الشعب لتعليق فشلهم على شماعته، فقد جربوا كل الطرق وفشلوا بما فيها طرد الفرنسيين والاعتماد على روسيا واستخدام القوة الغاشمة والتحجج بفساد النخب السياسية.

بات الحكام العسكريون في بوركينا فاسو أمام تحد واختبار حقيقي، في ظل تقدم نوعي وخطير لفرع القاعدة في البلاد، يتحول تدريجيا من كونه مجرد تمرد جهادي مُلاحق ومختبئ بين الغابات وفي عمق الصحارى، إلى حالة حكم تتمركز بالمدن وتحاصرها تمهيدا لسيطرة أكبر قد تضمن إعلان إمارة إسلامية قريبا بإحدى دول الساحل.

وسواء انحاز فرع القاعدة في غرب أفريقيا (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين) إلى نموذج الحكم المحلي الأحادي في كل بلد على حدة، أو جازف بتشكيل خلافة جهادية بالتزامن في أكثر من دولة بالساحل الأفريقي تحت حكم خليفة أو زعيم واحد، فإن تغييرا يلوح في الأفق قريبا.

يقلل من هاجس فرع القاعدة في الساحل وغرب أفريقيا حيال تدشين خلافة في أكثر من دولة، أنه لم تعد حساسية الولايات المتحدة وأوروبا لحكم الإسلاميين كما هي في السابق، والآن يجري الترحيب بهم والتعاون معهم.

ويختلف وضع القاعدة في غرب أفريقيا عن داعش، حيث يتميز برسوخه داخل البيئة المحلية وانضواء الكثير من العرقيات داخله مثل عرقية الفولاني، وتدشين تحالفات مع قبائل متمرسة مثل قبائل الطوارق في مالي.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى