هشام النجار: تنظيم القاعدة المركزي يساير مُنجز الشرع في سوريا لتقسيم الكعكة

هشام النجار 5-2-2025: تنظيم القاعدة المركزي يساير مُنجز الشرع في سوريا لتقسيم الكعكة
قد لا يضيف إعلان فرع القاعدة في سوريا حل نفسه الكثير في ترتيب المشهد الداخلي ومسار تفكيك الفصائل المسلحة وإنشاء جيش موحد، بالنظر إلى وزنه على مستوى القوة العسكرية والعدد، لكنه يفيد في بعث رسائل طمأنة إلى الكثير من الدول الغربية.
وأعلن فرع القاعدة في سوريا المعروف باسم “حراس الدين” حل نفسه في بيان نشره على قنوات تابعة له على تيلغرام ضمن محاولات مسايرته للتطورات في سوريا، في محاولة للتأقلم مع المتغيرات الهائلة عبر إنجاز مواءمات سريعة تسهم في إعادة تموضعه وتحقيق مكاسب معتبرة، بدلا من الخروج من المشهد برمته خالي الوفاض، فالتحولات الكبيرة في سوريا والمنطقة أتت وهو يعاني من ضعف ملحوظ وتقلص في نفوذه.
ويفتقر تنظيم “حراس الدين” رفاهية الاختيار ووجد نفسه مجبرا على الانحناء للعاصفة والتأقلم مع الواقع، في ظل تركيز السلطة الجديدة على مواصلة تقويض كيانات الإرهاب العابر للحدود التي تستهدف المصالح الغربية للمضي في استقطاب دعم دولي وشرعنة الوصول إلى السلطة.
وتحرص السلطة الجديدة في دمشق على إثبات تمايزها عن التنظيمات الإرهابية وفصائل الإرهاب المعولم، والذي يتبناه تنظيم داعش أو أفرع تنظيم القاعدة المركزي، وتكريس اسمها كركن من أركان الإستراتيجية الغربية في المنطقة في ما يتعلق بتقويض بنية التنظيمات الإرهابية ومواصلة تحجيم نفوذ إيران وخلق مقاربات تجمع بين التمكين للإسلاميين في دمشق ومصالح إسرائيل الحيوية.
وإذا كان أحمد الشرع الذي جرت تسميته رئيسا لسوريا خلال السنوات الأربع المقبلة بصلاحيات شبه مطلقة يقدم نفسه للدول الغربية المعنية بما يجري داخل سوريا في سياقات تعاونه الحثيث لتقليص نفوذ إيران الإقليمي ومنع استعادة حضورها على الساحة السورية، فالمطلوب تحت هذا العنوان مواصلة تقويض الأذرع الشيعية، والتشكيلات السنية لأنها ضمن أدوات إيران، وبينها فروع تنظيم القاعدة التي تتبنى الإرهاب.
وتمثل خطوة فرع القاعدة المركزي في سوريا انتصارا معنويا للحالة الجديدة التي دشنها الشرع والمنبثقة من تنظيم القاعدة، لكنها تنصلت من مجمل أدبياته التقليدية وحرفت ولاءاته وتحالفاته وغيرت وجهة نشاطه من الإرهاب العالمي إلى استهداف الأنظمة وحصر الاهتمام بالحكم المحلي، والتحول من استهداف المصالح الغربية للاصطفاف في مواجهة طهران.
وينطوي إعلان حل “حراس الدين” على تفوق للشكل الجديد المتحور للقاعدة (الجهادية السياسية) على القاعدة المركزي في شكله التقليدي، بعد أن نجحت هيئة تحرير الشام في ما فشل فيه طيف السلفية الجهادية عندما تمكن من الهيمنة على السلطة في دولة محورية مثل سوريا.
كما تدلل الخطوة على انصياع أجنحة داخل أوساط الجهاديين السنة للتحولات الهائلة في المشهدين الإقليمي والمحلي، وفي مقدمتها تراجع نفوذ إيران الراعية الرئيسية للقاعدة المركزي، مقابل تضاعف نفوذ محاور إقليمية أخرى يشتبك معها القاعدة المحلي في لعبة المصالح وتقاسم النفوذ.
وينتقل تنظيم القاعدة وفقا لهذا التسلسل بعد إعلان فك الارتباط من قبل هيئة تحرير الشام والانسلاخ من أيديولوجية القاعدة السلفية الجهادية التي تدعو لمهاجمة الغرب وإسرائيل بهدف طرد النفوذ الأجنبي من الأراضي الإسلامية، وتاليا الصعود إلى السلطة في سوريا وحل فرع القاعدة المركزي نفسه، إلى طور جديد يتناقض مع شكله وأهدافه وتحالفاته وولاءاته وقناعاته السابقة.
ويحتاج أحمد الشرع، الرئيس المؤقت لسوريا الصاعد من وسط الصف الجهادي السني وصاحب التاريخ الجدلي داخل التنظيمات التكفيرية مثل داعش والقاعدة، للمزيد من البراهين العملية على ما سبق وطمأن به الوفود الأميركية والغربية التي زارته الفترة الماضية بشأن قطع علاقته مع تنظيم القاعدة وأن انتماءه إليه كان عرضيا اقتضته ظروف المرحلة، وسوريا لن تكون أفغانستان أخرى.
ويمتلك تنظيم داعش ما يستطيع به مناوأة سلطة الشرع، وعلى الرغم من تعرضه لضربات عسكرية قوية وتصفية عدد كبير من قادته المؤثرين؛ فلديه مساحة للعب على المتناقضات وفرص للتمدد في بعض الفراغات الإستراتيجية والتعويل على المخزون البشري الذي يخطط لتحريره من السجون، ومستقبل طرحه لنفسه كجبهة معارضة متشددة للقائمين على الإدارة الجديدة الذين يتهمهم بالتخاذل والتنازل عن الثوابت العقدية داخل الصف السلفي الجهادي.
ولا تتوفر هذه الإمكانات لفرع القاعدة في سوريا (حراس الدين) حيث تم القضاء على قوته الضاربة وأهم قادته بجهود مشتركة منذ العام 2019 بين القوات الدولية والأميركية وهيئة تحرير الشام، ما أفقده نفوذه.
ويفتقر تنظيم حراس الدين لوجود قيادة قادرة على التعامل مع المرحلة المعقدة الحالية بعد تصفية أهم قادته وآخرهم أبوعبدالرحمن المكي في أغسطس الماضي.
ويعاني من تدهور وضعه العسكري بشكل كبير على مستوى العجز الشديد في صفوف القادة العسكريين بعد استهداف غالبية قادته وآخرهم أبوحمزة اليمني وأبوالبراء التونسي، وعلى مستوى عدم امتلاك تشكيلات وخلايا منظمة على الأرض أو أسلحة بعد أن استولت هيئة تحرير الشام على غالبيتها خلال المواجهات التي جرت بينهما.
ورضخ تنظيم حراس الدين الذي كان يضم في بداياته ما بين 2000 و2500 مسلح لصفقة يتم بمقتضاها حل نفسه مقابل منحه امتيازات في المشهد السوري، منها إلحاق عناصره بالجيش الذي يجري تشكيله والإفراج عن قادته المعتقلين مثل سامي العريدي وأبوهمام الشامي، عقب لقاء جرى بين الشرع وممثلي الفصائل المسلحة في محافظة إدلب.
ولم تمثل خطوة “حراس الدين” باتجاه الحل تمهيدا للدمج مفاجأة على الرغم من أن العلاقة بينه وهيئة تحرير الشام قد اتسمت بالتوتر في العديد من المحطات انطلاقا من الخلاف الجذري بشأن قرار الهيئة فك الارتباط بتنظيم القاعدة، حيث لم تكن المواجهة بينه وبين هيئة تحرير الشام على مثال المواجهات المتواصلة والشاملة مع داعش.
وتخللت محطات التوتر فترات من الهدوء والتنسيق وتبادل للمصالح وصفقات بين الهيئة و”حراس الدين”؛ ففي العام 2020 أخذ أبومحمد الجولاني (أحمد الشرع) من التنظيم تعهدا بعدم استخدام سوريا منطلقا لجهاد خارجي، في مقابل اعترافه بحكومة الإنقاذ التابعة للهيئة وبمحاكمها في إدلب.
وإلى جانب ضعفه الشديد فإن حراس الدين سيكون مطالبا بتقديم خدمات مضاعفة ليثبت ولاءه للإدارة الجديدة ومنحه مزايا في سياق المشهد الجديد، خاصة أنه كان قد رفض الانضمام إلى غرفة عمليات “الفتح المبين” وهو التحالف العسكري الذي أسسته هيئة تحرير الشام عام 2019 وضم الفصائل الرئيسية في محافظة إدلب وما حولها، وقادت به خطة الاستيلاء على السلطة نهايات العام الماضي.
ولا تواجه الإدارة الجديدة في سوريا مشكلة كبيرة في ما يتعلق بحل الفصائل وتسليم سلاحها لفرض سلطتها والإيحاء بإنهاء الفصائلية وتوحيد البلاد تحت هيمنتها من جهة كيانات ضعيفة ومنقادة مثل تنظيم “حراس الدين”، بالمقارنة بالصعوبة التي تواجهها مع كيانات مسلحة قوية تفرض شروطا للاندماج في الجيش السوري تتعارض مع شروط حكومة دمشق المؤقتة، مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وتطالب الكيانات المسلحة القوية التي تسيطر على مساحات إستراتيجية من الجغرافيا السورية بالحفاظ على هيكليتها كجماعة مسلحة وليس كأفراد ضمن الجيش السوري، والحصول على شكل من الإدارة الذاتية الموسعة، ومنها من تطلب الاحتفاظ بالسلاح لفترة معينة، بالنظر إلى التخوف من غياب ضمانات تحفظ مناطق سيطرتها أو أن يتم إخراجها بالكامل من المعادلة في حال تخلت عن سلاحها، من منطلق مصالح واصطفافات إقليمية.
وتعترض عملية تفكيك الفصائل ودمجها معضلة الاختلافات الكبيرة بينها من جهة العرق والولاءات الخارجية والقناعات الأيديولوجية، ما يهدد بانقسام عسكري لدى نشوب أيّ خلاف بين القادة.
وتثير مسألة دمج المقاتلين الأجانب تخوفا لدى الدوائر الغربية، وفقا لتحذيرات من مبعوثين أميركيين وفرنسيين وألمان للإدارة الجديدة، كما أنها تثير حساسية لدى عموم السوريين.
ويصعب بعد تدفق أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب الذين شكلوا جماعات مسلحة مختلفة وأداروا الحكم بمناطق سيطروا عليها تجاوزهم، وتفكيك ولاءاتهم عميقة الجذور، حيث يختلفون بشكل حاد في التركيبة العرقية والدينية والولاءات الخارجية والقناعات الأيديولوجية والتصورات بشأن مستقبل البلاد وأسلوب حكمها.
ولا تعدو عملية تسليم السلاح والدمج بالنظر إلى هذه التناقضات مجرد إيحاء بالسيطرة من قبل الإدارة المركزية في دمشق، لكنها في عمقها تخفي تشكيل دولة ميليشيات متناقضة المصالح والأهداف والقناعات كما هو الوضع في الحالتين العراقية والليبية.
ويعقب دمج العديد من الفصائل المسلحة بعد حل نفسها انخراطها في الاضطلاع بمهام عسكرية تدعم تكريس سلطة الإدارة الجديدة، لكنها لا تسهم بالضرورة في بناء جيش موحد أو دولة مستقرة، مثل إسناد قتال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للجيش الوطني السوري وإشراك من تبقى من عناصر وقيادات تنظيم “حراس الدين” في قتال داعش والكيانات المسلحة الرافضة لتسليم سلاحها، ما يعني إدامة النزاع الداخلي الذي يعتبر سمة مميزة للصراع السوري منذ بدايته.