شؤون مكافحة الاٍرهاب

هشام النجار: الهجمات ضد داعش تعبّد طريق السلطة لتنظيم القاعدة

هشام النجار 23-2-2025: الهجمات ضد داعش تعبّد طريق السلطة لتنظيم القاعدة

المستفيد الرئيسي من الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة على تنظيم داعش أصبح غريمه تنظيم القاعدة في العديد من الساحات، وتمكنت فروع القاعدة من ترجمة تمردها وطموحها إلى السلطة إلى مشروع سياسي.

صنع التركيز الدولي على استهداف داعش وتجاهل القاعدة فارقًا مهما لصالح الأخير، وبدأت فروعه تمد جذورها في المجتمعات المحلية، وتبني قواعد اقتصادية واجتماعية عميقة، لمراكمة عملية وصولها إلى اللحظة التي تتمكن فيها من بسط نفوذها كاملا على السلطة. ويُعد فرع التنظيم في الصومال (حركة الشباب) هو الأقرب لتحقيق الهدف المأمول.

أدى تكثيف القوات الأميركية لهجماتها ضد تنظيم داعش في الصومال خاصة في ولاية بونتلاند وتحديدا في منطقة جبال جوليس الواقعة شمال البلاد، إلى الحد من خطر داعش المتنامي مؤخرًا. وتركت الانتقائية السلطات المحلية في حالة من الحيرة والارتباك أمام تنظيم آخر أقوى وهو حركة الشباب الموالية للقاعدة، والتي تستثمر في إضعاف خصمه الجهادي على الأرض (داعش).

وقتلت الغارات الأميركية منذ الأول من فبراير الجاري عددا من كبار القادة الميدانيين ومخططي الهجمات في تنظيم داعش والعشرات من نشطائه، وهو تطور مهم بعد تنامي قدرات فرع داعش في الصومال، حيث تضاعف عدد منتسبيه خلال العام الماضي. وامتلك فرع التنظيم في الصومال قدرات عسكرية متطورة منها استخدام المسيّرات والقدرة على الاختباء منها، فضلًا عن تنوع إمكاناته وحيله في خطف الغربيين للحصول على فدى مقابل إطلاقهم.

وتعطي الهجمات انطباعًا خادعًا بقبض الولايات المتحدة على زمام مكافحة الإرهاب عبر مواصلة تحجيم أكثر أجنحة التنظيمات المسلحة نشاطًا وخطورة في أفريقيا، رغم قلة أعداده وحداثة نشأته، بالنظر إلى طموحات فرع داعش في الصومال، وامتلاك قدرات قتالية هي الأكثر تطورًا، وإنشاء مركز عالمي للإرهاب في القرن الأفريقي، علاوة على تحوله إلى مركز عملياتي ومالي جديد للتنظيم حول العالم.

ولا تعكس التحركات الأميركية ضد داعش في الصومال الصورة الكاملة بشأن التداعيات والنتائج المنتظرة، في ظل واقع يشهد معادلات جديدة تنشط خلالها أجنحة أقوى للمتطرفين في مقدمتها أفرع تنظيم القاعدة.

وبدت حركة الشباب (فرع القاعدة في الصومال) التي تسيطر فعليًا على مناطق شاسعة بوسط البلاد وجنوبها المستفيد الأول من الهجمات المكثفة على داعش خلال هذا الشهر، فهي تخطط لتقويض داعش للاستيلاء على أراضيه والتمتع بامتيازاته، ولا تنال العقاب والرد المناسب على هجماتها المتنامية خلال الفترة الماضية ضد القوات الصومالية.

وكانت حركة الشباب الفاعل الإرهابي الرئيسي والمنفذ لغالبية العمليات الإرهابية التي استهدفت عناصر الجيش وقتلت هجماتها وجرحت العشرات من الضباط والجنود الصوماليين خلال يناير الماضي وبداية فبراير الجاري في مدينة مسجواي بولاية جلجدود وسط البلاد، ومع ذلك صوبت الولايات المتحدة بالتعاون مع القوات المحلية ضربات موجعة ضد داعش في الشمال وليس ضد حركة الشباب، استنادًا لما يراكمه فرع تنظيم الدولة من قوة للتخطيط لتنفيذ عمليات خارجية أو تمويلها.

ويتحقق لفرع القاعدة في الصومال (حركة الشباب) بيد القوات الأميركية إضعاف غريمه الجهادي القوي في جبال بونتلاند، ويُعد تقويض داعش أحد محاور خطة صعود حركة الشباب لبسط نفوذها وهيمنتها على السلطة بالبلاد، مع تثبيت محورين آخرين.

تراهن حركة الشباب على استمرار الخلل الحكومي وضعف أداء القوات الصومالية على مستوى الكفاءة والتدريب، إلى جانب تكريس الحركة نفسها كبديل للحكومة في العشرات من المدن والقرى بما تقدمه من خدمات طبية وغذائية وأخرى متعلقة بتسيير الأمور الحياتية من توفير للطاقة والماء والكهرباء، بشكل يفوق ما تقدمه الحكومة المركزية.

وتقترب حركة الشباب في الصومال من أن تكون هي فرع القاعدة الأول في أفريقيا الذي يحقق طموح الصعود إلى السلطة بقوة السلاح والزحف بتجربة حكم محلي متدرجة وفقًا لمعادلة أفغانستان وسوريا، وهو ما خططت له عندما رفضت عروض المصالحة مع الحكومة الصومالية قبل أكثر من عامين.

تأمل الحركة في الوصول إلى لحظة الانتصار الحاسم بعد مراكمة المزيد من النفوذ مع استرداد ما فقدته من مدن وقرى والحفاظ على حضورها القوي في الجنوب والوسط، والتطلع نحو الاستيلاء على ما سيطرت عليه الحكومة المركزية في الشمال بمساعدة أميركية.

تستفيد أفرع القاعدة من تحييدها والتركيز فقط على استهداف منافسها الجهادي، في الوقت الذي لا يتأثر فيه كثيرًا تنظيم داعش الذي شكل فعليًا خلافة افتراضية موازية عبر الفضاء الإلكتروني، ولم يعد يعوّل بشكل أساسي على التمركز والسيطرة الفعلية على الأرض.

يحرك تنظيم داعش عبر خلافته الإلكترونية المفترضة جيشًا من الذئاب المنفردة الخطرة داخل العمقين الأميركي والأوروبي، ما جعل النظر إلى الهجمات الأميركية في الصومال كإنجاز وعلامة تميز لإدارة الرئيس دونالد ترامب في ملف مكافحة الإرهاب العالمي عن إدارة الرئيس السابق جو بايدن مبالغًا فيهما.

ويتكيف الفصيلان الجهاديان المتنافسان مع التطورات العالمية، حيث مكنا معًا حركة السلفية الجهادية من البقاء رغم الحملات الشرسة والدقيقة التي شنها الغرب، ونجحا في خضم صراعات عدة في تحقيق هدف الوصول إلى السلطة في سوريا بجهود القاعدة.

وعلى الرغم من خسارة داعش لأربعة خلفاء متعاقبين وقتل أهم قادته حول العالم وفي أفريقيا، نجح داعش في جعل الإرهاب العالمي متواصلًا من خلال إدارة الجيوش الإلكترونية وتوظيفها لتجنيد وتوجيه الذئاب المنفردة، وهو ما تجسد في الهجوم الذي شنه شمس الدين جبار مؤخرًا في هجوم نيو أورليانز في الولايات المتحدة خلال احتفالات رأس السنة.

ووفقًا للتسلسل منذ نشأة تيار السلفية الجهادية الحديثة يعيش تنظيم القاعدة حالة استثمار متواصلة لغريمه داعش الذي هو أصلا فرع في شجرة التنظيم الجهادي الأم. وبدأ القاعدة عالميًا متصدرًا أجندة الأمن الدولية، وتاليًا أناب عنه داعش خلال العقد الماضي عندما توقف عند محطة الهدف الأصلي لزعيمه الراحل أسامة بن لادن وهو إنشاء حركة تمرد طليعية مهمتها إسقاط ما أسماه (الأنظمة المرتدة).

أسهم تنظيم داعش في الحالتين بشكل كبير في التمهيد لحركات احتجاج شعبية أوسع مجتذبًا أشخاصا لم يكن لهم ارتباط بالتطرف الديني، وفي تعبئة الآلاف من المقاتلين من مختلف أنحاء العالم والذهاب بالإرهاب العالمي إلى أبعد مدى بما في ذلك الغرب وأميركا.

حقق الأصل الجهادي وفرعه رغم تصارعهما وتنافسهما ما هو أكبر بكثير من طموحات مؤسس القاعدة أسامة بن لادن على مستوى الإرهاب العابر للحدود والعالمي، حيث تنتشر شبكات إرهابية من الساحل في الغرب إلى الفلبين في الشرق، ومن القوقاز في الشمال إلى موزمبيق في الجنوب.

بينما يستمر الإرهاب المعولم كامتياز لداعش، يستلم القاعدة الحكم المحلي في بعض الدول ويطمع إلى المزيد بعد أن تعلم من دروس التجارب الأولى أثناء بدايات (الدولة الإسلامية في العراق) التي تضمنت لأول مرة حكومة ذات نمط خاص ينشئها تكفيريون.

ولا تزال الولايات المتحدة تواجه إرهاب داعش العالمي الذي وصل إلى عمق المدن الأميركية من خلال الذئاب المنفردة الداعشية، بنفس الأسلوب التقليدي القديم عندما ردت على الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة على الأراضي الأميركية في سبتمبر 2011 بقصف أفغانستان.

وتُعد المرحلة الحالية هي الأكثر تعقيدًا في ما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب بشكل جدي ومثمر، ومن الصعب تحويل العديد من البيئات والدول من الهشاشة والعجز إلى القوة والتماسك في الصومال ومنطقة الساحل الأفريقي وموزمبيق والكونغو الديمقراطية، بما يحول دون التمكين والتمدد لفروع القاعدة.

ومع أن الهجمات التقليدية في الصومال وغيره قد تحد من قدرة داعش نسبيًا، إلا أنه استطاع توظيف التكنولوجيا وشكل تنظيمًا افتراضيًا وجند مقاتلين نفذوا عمليات نوعية داخل أميركا ودول أوروبية. يظل إرهاب تيار السلفية الجهادية قائمًا بما يفوق طموحات مؤسسيه عبر خدمات القاعدة وداعش، ولا يزال يستهدف العمق الغربي بوسائل متطورة، ونجح في الوصول إلى الحكم المحلي بعد تمرد مسلح طويل الأمد.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى