هآرتس: يجب مصادرة المساعدات الانسانية من حماس، لكن بدون حلم الطرد والتجويع
هآرتس 18/11/2024، داني اورباخ: يجب مصادرة المساعدات الانسانية من حماس، لكن بدون حلم الطرد والتجويع
في التاريخ العسكري توجد امثلة كثيرة على خطط عسكرية ظهرت منطقة على الورق، لكنها فشلت وتلاشت لأنها كانت غير قابلة للتنفيذ من ناحية سياسية. في الحرب بين روسيا واليابان، في الاعوام 1904 – 1905 مثلا، خطط العسكري الروسي اليكسيه كوروبتكن الى جر اليابانيين الى العمق، واطالة خطوط التموين، وبعد ذلك تدميرهم في هجوم مضاد بعد أن يكونوا ضعفاء وجائعين ومتعبين. من ناحية نظرية لم يكن هناك أي شيء يمكن أن ينقذ اليابانيين من هذه الخطة البسيطة والذكية والوحشية. ولكن من ناحية سياسية كانت بيضة لم تفقص بعد ولن تفقص.
القيصر نيقولا الثاني، الذي كانت له الكلمة الاخيرة، لم يكن يستطيع فهم لماذا دولة عظمى في اوروبا مثل روسيا ستنسحب امام اليابانيين الذين يحتقرهم. وكلما قام كوروبتكن بالانسحاب فقد القيصر الثقة برجله العسكري. في نهاية المطاف كوروبتكن دفع ثمن الانسحاب. فقد تمت اقالته من قبل القيصر قبل استنفاد خطته. هذا العسكري الروسي لم يعرف أنه في شؤون الحرب فان السياسة دائما لها الكلمة الاخيرة.
هكذا ايضا هي خطة الجنرال (احتياط) غيورا آيلاند، “خطة الجنرالات” – التي تقضي بطرد سكان شمال القطاع وعزل المخربين الذين يوجدون هناك وتجويعهم، مع المواطنين الذين سيقررون البقاء – ظهرت خطة منطقية على طاولة التخطيط، لكنها فعليا خاطئة ومُضرة ومدمرة، لأنه لا توجد لها أي احتمالية سياسية، قانونية أو حتى اخلاقية. الاسوأ من ذلك هو أن تنفيذها بشكل جزئي يمكن أن يجعل اسرائيل تدفع الثمن دون الاستفادة من المزايا.
من ناحية عسكرية يوجد منطق كبير في اقوال ايلاند. فاسرائيل تعاني من النقص في القوة البشرية، وتآكل جهاز الاحتياط وفقدان الجمهور للصبر على مواصلة القتال والتضحية في قطاع غزة. هذا الصبر الذي هو مورد محدود، والاقتحامات المتكررة لنفس الاماكن التي “تم تطهيرها” في السابق، تستنفده. اخلاء المدنيين من منطقة معادية سيمكن اسرائيل من عزل مخربي حماس. وهكذا سيتمكن الجيش الاسرائيلي من السيطرة على نقاط رئيسية دون دفع الثمن، بالاموال وحياة البشر، الذي يحتاجه الدخول المتكرر، ومس حماس بالنقطة المؤلمة جدا لها، فقدان مناطق بشكل دائم.
ايلاند محق بالاساس في قوله بان اسرائيل، بضغط من المجتمع الدولي، تقوم بتغذية حماس. هذه المنظمة الارهابية تسيطر على المساعدات الانسانية التي تدخلها اسرائيل الى القطاع، وهكذا ترسخ حكمها. وبدلا من تقصير الحرب فان اسرائيل تطيلها من خلال تغذية العدو بالغذاء والوقود، وهكذا تزيد معاناة جميع الاطراف. ايلاند محق ايضا في الادعاء الذي يقول بأن ادخال المساعدات الانسانية يبعد اعادة المخطوفين. يجب التذكر بأن حماس وافقت على الصفقة الاولى التي تم فيها تحرير حوالي نصف المخطوفين، ليس فقط بسبب الضغط العسكري، بل لأنه في ذلك الوقت قامت اسرائيل بخنقها بواسطة الحصار. وعندما بدأت تتدفق المساعدات فان دافعها لعقد صفقة التبادل انخفض.
مثلما في المثال الروسي فانه ليس كل ما هو صحيح من ناحية عسكرية، ايضا هو منطقي من ناحية اخلاقية، قانونية وسياسية. اسرائيل لا يمكنها تجويع آلاف المدنيين الذين لا يمكنهم مغادرة المناطق الخطيرة حتى لو تم تحذيرهم، بالاساس اذا لم يتم توفير بديل آمن لهم. القانون الدولي يسمح في الواقع باخلاء المدنيين بشكل مؤقت من مناطق المواجهة. ولكن طالما أن الخطر موجود، ليس بشكل دائم، وبالتأكيد لا يسمح بالمس بشكل متعمد بالمدنيين الذين بقوا هناك.
اضافة الى كل ذلك خطة ايلاند غير قابلة للتنفيذ من ناحية سياسية. فرغم أن قواعد وزارة الدفاع الامريكية تسمح بحصار منطقة معادية، والادارة الامريكية (الحالية على الاقل) لا تسمح لاسرائيل بالعمل بالمعايير المتساهلة التي تطبقها على نفسها. وحتى لو كانت ادارة ترامب ستسمح بذلك فان اسرائيل لا يمكنها السماح لنفسها باحراق الجسور التي بقيت لها مع اوروبا، مصر، الاردن، اتحاد الامارات والسعودية.
أنا قمت بالدعوة عدة مرات لمد حدود صبر المجتمع الدولي لتحقيق هدف الحرب الاساسي، القضاء على حماس. ولكن المنع المطلق لادخال المساعدات الانسانية سيؤدي الى فقدان صبر المجتمع الدولي، الامر الذي سيضر بتزويد اسرائيل بالسلاح. التطبيق الجزئي لخطة ايلاند سيكون الخيار الاسوأ. فاسرائيل ستتعرض للانتقاد الدولي وفي نهاية المطاف ستخضع للضغط وستجبر على ادخال المساعدات ولن تنجح في تحقيق هدفها.
مع ذلك، يجب عدم تجاهل المشكلة التي يعرضها ايلاند وهي أن اسرائيل تقوم بتغذية العدو، وهكذا فهي تحافظ على وجود حماس في القطاع كعصابة ضعيفة وفوضوية، اذا لم تكن كدولة حقيقية. هذا الوضع يحتاج من الجيش الاسرائيلي أن يقتحم مرة اخرى المناطق التي قام بتطهيرها، وأن يستثمر الاموال والذخيرة، وبالاساس حياة الناس. الحل الوحيد لذلك هو توجيه المساعدات الانسانية الى المناطق التي توجد تحت سيطرة اسرائيل المطلقة وتوزيعها هناك تحت رقابتها.
يجب على اسرائيل خلق مناطق آمنة في شمال القطاع وفي جنوب القطاع وفي الوسط. هذه المناطق يجب اقامة معسكرات من الخيام فيها، وتزويدها بالغذاء والمياه والدواء، بادارة منظمات دولية ورقابة اسرائيلية. اسرائيل ستستدعي الى هناك المواطنين الغزيين، وهم سيمرون بعملية تصفية من قبل الشباك من اجل العثور على اعضاء حماس واعتقالهم. الجيش الاسرائيلي سيوجه بالتدريج المساعدات الانسانية التي ستدخل القطاع الى هذه المناطق على حساب المناطق التي توجد تحت سيطرة حماس.
هكذا، ستقوم اسرائيل بواجبها كقوة محتلة، توفير المساعدات الانسانية للسكان ومنع حماس من السيطرة على المجتمع في غزة عن طريق توزيع المساعدات. بالتدريج اسرائيل يمكنها ايضا خلق قاعدة لحكم عسكري مؤقت، الذي سيتم استبداله فيما بعد بسلطة فلسطينية محلية تكون خاضعة لرقابة اسرائيلية أو دولية موثوقة، والبدء برحلة طويلة لتقويض سلطة حماس وراديكالية السكان في غزة. فقط هذا التقويض للراديكالية يمكن أن يكون الاساس للتعايش بين الاسرائيليين والفلسطينيين في المستقبل. والشرط لذلك هو أخذ السيطرة على المساعدات الانسانية من يد حماس بدون الغرق في حلم عبثي، الطرد والتجويع الجماعي.