هآرتس: نصر الله يريد الثأر وحده لكن خطواته ستؤثر على ايران أيضا
هآرتس 9/8/2024، تسفي برئيل: نصر الله يريد الثأر وحده لكن خطواته ستؤثر على ايران أيضا
“يجب عدم الرد بدافع الغضب، لا يجب أن تقول: لقد ضربني، هيا نرد عليه”، رويدا رويدا، هكذا رسم حسن نصر الله في خطابه الطريقة المطلوبة والمناسبة للرد على تصفية فؤاد شكر واسماعيل هنية. بعد أن قال بأن الامر يتعلق بمعركة من نوع جديد، معركة لا تشبه “معادلة الردود” التي تملي طبيعة المواجهة حتى الآن بين اسرائيل وحزب الله، وايضا اوضح بأنه في هذه المرة الحديث يدور عن جبهة واسعة تشمل كل “جبهة المساندة” التي تشارك فيها ايران وامتداداتها، قام باعطاء “اعفاء” على الاقل للاعبين رئيسيين. “لن نطلب من ايران المشاركة في المعركة، وايضا من سوريا بسبب ظروفها الداخلية).
بعد ذلك ذكر مستمعيه في ايران بأنهم هم الذي تعودوا على استخدام التعبير المعروف “الذبح بالقطنة” (التعبير الكامل هو “ذبح الجمل بالقطنة وأن تفتح ثقب في الجبل بواسطة إبرة)، الذي تفسيره هو تحقيق الهدف رويدا رويدا وبشكل مثابر، وليس بسرعة واستعجال. “الانتظار المتأهب (للثأر) هو جزء من العقوبة”، اوضح لكل القلقين في لبنان وفي اسرائيل من الفترة التي انقضت بين ذريعة الانتقام وبين تنفيذه.
مقال نشر في وكالة الانباء الايرانية المستقلة “خبر اون لاين”، ترجم للغة عملياتية خطاب نصر الله المصقول. “قنوات التلفاز تتحدث طوال الوقت عن الحاجة الى الانتقام لدماء هنية. نحن لم نعمل بشكل صحيح في أي حالة من الحالات السابقة ولم نقم بالثأر بشكل حقيقي. الجمهور في ايران اثبت مرات كثيرة بأنه يعرف كيف يقاتل ويستطيع تدمير العدو في المعركة. هذا كان في الفترة التي تمت فيها مهاجمة الدولة، ونحن عملنا بدافع واجب الدفاع عن الوطن كما فعلنا في الحرب التي فرضت علينا (الحرب مع العراق). عندما يخطط العدو لجرنا الى حرب فان المهمة تكون مختلفة… الانطلاق لثأر حقيقي هو موضوع يحتاج الى وقت، لكن فقط هكذا يمكن أن يكون الانتقام ناجع، عن طريق تعزيز المخابرات وقوات الامن، وخطة صارمة يجب علينا أن نفعل شيء ما الذي هو في نفس الوقت ناجع، والثمن الذي سندفعه يجب أن يكون منخفض. حسب هذا النهج نحن سنكون الذين نضع الشرك للعدو وليس الذين يسقطون في الشرك الذي نصبه لهم”.
هذه الاقوال تذكر بتصريحات غلام علي حداد عادل، المحسوب على التيار المحافظ الاصولي والعضو في مجلس تشخيص مصالح الأمة وهو الجسم المخول بتشخيص وتشكيل سياسة ايران، وصهر الزعيم الروحي علي خامنئي (ابنته زوجة ابن خامنئي القوي مجتبى)، الذي قال في تشرين الثاني الماضي بأن “الكيان الصهيوني يريد تحويل الحرب في غزة الى حرب بين ايران والولايات المتحدة. يجب علينا القول للاشخاص الذين يريدون مشاركة ايران في الحرب في غزة بأن هذا هو الامر الذي يطمح اليه الكيان الصهيوني. لأنه اذا حدث ذلك فان اسرائيل هي التي ستستفيد من الحرب في غزة”. حداد عادل اراد الرد في حينه على سؤال لماذا ايران لا تشارك بشكل مباشر في الحرب. ولكن يبدو أن المبدأ الذي يوجه استراتيجية ايران بقي على حاله. امام الضرورة العلنية لجباية ثمن على المس الشديد بسيادتها وكرامتها فانه يجب على ايران وضع المصلحة الباردة التي تملي الثمن الذي ستكون ايران مستعدة لدفعه مقابل هذا المس، لا سيما عندما عمليا تكون تصفية هنية لم تضع ايران في خطر وجودي ولم تضع استقرار النظام في امتحان.
ملاحظة التحذير المستمرة بأنه مستحيل معرفة اذا كانت ايران ستقرر الرد ومتى وكيف، مطلوبة دائما، لا سيما عندما تواجه الاستخبارات الاسرائيلية والمخابرات الامريكية التي تعرف كيفية جمع المعلومات عن الاهداف التي يجب القضاء عليها، صعوبة في تقييم الامر، وتقديم العواقب الكامنة لهذه التصرفات. ولكن عندما سئل رئيس وفد ايران في الامم المتحدة، امير ارفاني، اذا كانت ايران ستتنازل عن الرد على قتل هنية اذا توصلت حماس الى اتفاق لوقف اطلاق النار مع اسرائيل قال: “نحن نريد تحقيق هدفين. التوصل الى وقف كامل لاطلاق النار في غزة وانسحاب المحتل منها ومعاقبة المعتدي على قتل هنية، وجعل الصهاينة يندمون على السير في هذه الطريق”. للوهلة الاولى يبدو أن هذه اهداف منفصلة عن بعضها. لأنه على الاقل حسب الرسائل التي ارسلها حسن نصر الله قبل تصفية شكر في لبنان وهنية في ايران. وكما قال نائبه نعيم قاسم، فان هناك علاقة وثيقة، تقريبا التزام بوقف النار في لبنان اذا تم التوصل الى وقف للنار في غزة.
عندما قام حسن نصر الله بـ “اعفاء” ايران من ضرورة الرد، وفي نفس الوقت يقول بأن “الرد سيأتي لا محالة”، فانه يعرض “حسابات” منفصلة، حسابه وحساب ايران، يجب تسويتها مع اسرائيل. حسب “حساب الكرامة” الذي يستند الى المس بسيادة ايران فان هذا يعتبر ذريعة لرد ايران، التي ستفعل “المطلوب” فعله، في الوقت وفي المكان الذي تقرره، حسب حساباتها وبدون أي صلة بلبنان. في نهاية المطاف ايران غير مطلوب منها الانتقام لدماء فؤاد شكر الذي تصفيته هي ذريعة لانتقام حزب الله، مثلما أن نصر الله غير مطلوب منه الثأر لدماء هنية. ولكن الفصل الذي يعرضه نصر الله بين “قناتي الثأر” غير دقيق. لا توجد لايران مصلحة استراتيجية كبيرة في أن يصبح لبنان انقاض، ولكن توجد لها مصلحة في أن يستطيع حزب الله مواصلة السيطرة عليه كما سيطر عليه حتى الآن. من هنا فان كل عملية لحزب الله ضد اسرائيل يمكن أن تكون لها تداعيات حاسمة على مكانة ايران في لبنان، وحتى أنها تحدث الرد المتسلسل في العراق وفي سوريا.
إن منطق “مصفوفة الانتقام” هذا يقول بأن وقف اطلاق النار مع حماس، أي مع يحيى السنوار، سيمنع رد حزب الله شريطة أن يتم التوصل الى وقف اطلاق النار قبل تنفيذ “الانتقام”، وهكذا يمكن أن يخدم ذلك حسن نصر الله كدليل على الانتصار. ولكن هل حسن نصر الله سيتبنى مبدأ “رويدا رويدا” الذي يعرضه على ايران وأن يعطي فترة اطول لتحقيق وقف اطلاق النار في غزة؟ الجواب على ذلك لا يوجد فقط في القيادة في الضاحية في بيروت، بل ربما بالاساس في القدس وفي واشنطن. ولكن عندما يقومون في اسرائيل بالغاء التفاؤل الامريكي الذي يقول نحن نوجد على بعد خطوة من الصفقة فانه يصعب توقع أنه في لحظة يقظة سيعلن رئيس الحكومة عن موافقته على وقف اطلاق النار.
معادلة متناسبة
امام المنبه الذي يعمل في جبهة الشمال فان الافتراض هو أن ايران تميل الى استخدام “رد محسوب”، متلائم ومتناسب مع جميع الاعتبارات الاستراتيجية والداخلية المعقدة التي توجهها، بالاساس طموحها بتجنب حرب واسعة يمكن ليس فقط أن تمس بالبنى التحتية المدنية والعسكرية الحيوية، بل ايضا وضعها من جديد كتهديد استراتيجي امام الدول العربية. مشكوك فيها اذا كان خامنئي قد تأثر من طلب الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، الذي حسب تقرير نشر في “ايران انترناشيونال”، توسل اليه أن لا يشن حرب يمكن أن تمس بشكل خطير بايران وبقدرتها على ادارة الدولة. ولكن خامنئي هو الذي رسم مع الرئيس السابق ابراهيم رئيسي استراتيجية اعادة بناء وتحسين العلاقات الخارجية مع دول المنطقة.
هذا كان السبب الرئيسي في أن ايران بادرت في هذا الاسبوع الى عقد مؤتمر لمنظمة الدول الاسلامي، الذي عقد اول أمس في السعودية، رغم أن هذا المنتدى خيب أملها في السابق في شهر تشرين الثاني الماضي، وامتنعت عن فرض عقوبات على اسرائيل أو اتخاذ قرارات حول خطوات عملية اخرى. المؤتمر في هذه المرة هدف الى اعطاء ايران الدعم العربي والاسلامي لنيتها العمل ضد اسرائيل، وعلى الاقل اظهار استعدادها للعمل في اطار شرعية اقليمية. ايران حصلت في الحقيقة على الدعم والتفهم بسبب المس بسيادتها، ولكن لم يتم اتخاذ أي قرار عملي، وهي تستطيع عرض نفسها كمن تنوي الاخذ في الحسبان الاجماع العربي والاسلامي. اضافة الى ذلك، حسب تقارير في وسائل الاعلام العربية التي تعتمد على مصادر شاركت في المؤتمر، فان السعودية ومصر ودولة الامارات عملت بتصميم في محاولة لاقناع ايران بعدم جر المنطقة الى حرب. مواقف هذه الدول يوجد لها اهمية كبيرة لأن علاقات ايران معها تشكل عنصر رئيسي في استراتيجية العلاقات الخارجية الايرانية.
التقارير التي وصلت من الولايات المتحدة والتي تقول بأن الرئيس الامريكي نجح في اقناع ايران بتقييد نطاق ردها على اسرائيل، الى جانب الاستعدادات العسكرية المثيرة للانطباع التي تظهرها الولايات المتحدة في المنطقة، تساهم ايضا ايضا في التقدير بأن رد ايران، اذا حدث، سيكون “متناسبا”، أي رد لا يقتضي من اسرائيل ومن الولايات المتحدة الرد. مع ذلك، من المهم ذكر أن “التناسب” هو مفهوم مرن ومرهون بتفسير كل طرف له. ايران اعتبرت اطلاق الصواريخ والمسيرات نحو اسرائيل في شهر نيسان “رد متناسب” ومحدود، واسرائيل ردت عليه بشكل اعتبر هنا “فضيحة”. النتيجة يمكن أن تكون ايضا عملية “متناسبة” لايران، التي ستستدعي رد “متناسب أقل” من قبل اسرائيل.