هآرتس: من الصدمة الى الاكتئاب الى التكيف

هآرتس 9/10/2024، تسفي برئيل: من الصدمة الى الاكتئاب الى التكيف
في غضون سنة اجتازت اسرائيل كل مراحل الحزن في نموذج كوبلر – روس. النكران، الذهول والصدمة، في ضوء ما حصل لنا، استبدل بالغضب الذي تتميز به المرحلة الثانية، التي هي الاخرى خبت واخلت مكانها لمرحلة المساومة، التي اعتقدنا فيها أنه سيكون ممكنا خوض مفاوضات مع الحكومة على الاقل على عودة المخطوفين – ليسوا جميعا، ربما قسم منهم، تنازل ما، كي نتمكن من أن نتعايش مع انفسنا بسلام وأن نعرف بأننا فعلنا حقا ما بوسعنا.
لكن لا شيء. السائبون يعرفون المهمة، ويعرفون جيدا النظرية التي تقول إنه بعد مرحلة المساومة تأتي المراحل الرائعة التي تضمن مستقبل الحكومة. بداية الاكتئاب العميق، الذي يترافق ومشاعر الخجل والذنب. هذه هي المرحلة التي من الصعب فيها المواساة على ضربة الكارثة، التي حسب النموذج تترسب في احساس بأن لا معنى لأي شيء. وأخيرا، اذا كان ينجح في قطع نفسه عن قيود الاكتئاب سينتقل الى مرحلة القبول، التي يبدأ فيها الانسان أن يفهم بأن الواقع الجديد هو جزء من الحياة.
نظرية كوبلر – روس وإن كانت علما دقيقا رغم أنها موضع خلاف، لكن الواقع في اسرائيل يمكنه أن يوفر لها تعزيزات بل ويثبت بأن الحزن الوطني لا يختلف عن الحزن الخاص، وأن الأم الحزينة ليست معفية من مسار الحزن الذي يقرر سلوكها، وأكثر من هذا هويتها.
مرحلة الاكتئاب تستنفد نفسها. ايام الذكرى، النصب التذكارية، الطقوس الاحتفالية، الخطابات، الاعداد “الخاصة” في الصحف وبرامج البث التلفزيوني للذكرى، تشهد كلها على أنه يمكن الموصلة الى الامام، حتى بدون المخطوفين وبدون لجنة تحقيق. فهم على أي حال تحولوا من “مسألة” ومن “صفقة” الى قصة اعلامية سترافق الدولة الى أن تختفي وتؤدي الدور المخصص لها في الذاكرة الجماعية. نحن بتنا في مرحلة القبول، التي يتعين فيها علينا أن نعتاد على العيش بدونهم.
والآن تأتي المرحلة الاخطر، التي يتثبت فيها الاحساس بأنه لا معنى حتى في التنفيس على بنيامين نتنياهو وعلى حكومته. هم ايضا، مثل المخطوفين يبدون كقدر لا يمكن تغييره. إذ يبدو الآن أن الجمهور في اسرائيل، الذكي، الواعي، النشط، الوطني، القومي، المتكاتف، لا يختلف عن الجمهور الفلسطيني في غزة أو عن المواطنين اللبنانيين. فوجئنا دوما من سلبية السكان الفلسطينيين الذين اعتادوا على الحياة تحت حماس دون أن يثوروا ودون ثورات. سألنا بخيبة امل مريرة لماذا لم يخرج سكان لبنان ضد حزب الله.
معاذ الله بالطبع أن نشبه. في غزة وفي لبنان تسيطر منظمات ارهاب، أما في اسرائيل فلا تسيطر إلا عصابة اجرام انتخبت في انتخابات ديمقراطية. صحيح، كانت مظاهرات في لبنان، ومواطنوه حتى نجحوا في طرد السوريين في 2005، وكانت ايضا مظاهرات في غزة ضد حماس قبل الحرب، وبالفعل ايضا في كابلان كانت مظاهرات نجحت في أن توقف بضع تشويهات مريضة للحكومة. ولكن هذا هو. توجد حرب، لا توجد رحلات جوية، ينبغي الاهتمام بمكان العمل. فرنسا ضدنا وكذا شركات التصنيف الائتماني، العدو الايراني على الحدود، الجنود يُقتلون، والمخطوفون، آه، سبق أن ذكرناهم، هذا ليس الوقت للخروج الى الشوارع، بل ومحظور، إذ توجد صواريخ.
وفضلا عن هذا، نحن للتو سننتصر. سحقنا القدرات العسكرية لحماس، صفينا قيادة حزب الله بما فيها الامين العام، ونحن للتو سنسحق منشآت النووي الايرانية. هذا ليس الزمن لثورة اكتوبر. وصلنا الى اليوم التالي، الكارثة هي أننا سنبدأ على الاعتياد. خوف تقشعر له الابدان يتسلق الى اعلى الظهر ويهدد بخنق الروح. هذا ليس رعب الحرب القادمة مع ايران، أو الفهم بأن الحرب حرب لبنان الثالثة ليست حملة اخرى قصيرة الموعد. إنه الاعتراف في أنه في دولة اسرائيل ستواصل الحكم العصابة المغرضة التي نجحت في تحويل الكارثة الاكثر رعبا في تاريخ الدولة الى اكسير حياة لها، وبفضل جرائمها، التي ادت الى 7 اكتوبر، ستحظى بحياة جديدة لتقود بفخار الدولة الى اكتوبرات اخرى.