هآرتس: معنى خطاب نتنياهو يخرج عن حدود صفقة المخطوفين
هآرتس 4/9/2024، الوف بن: معنى خطاب نتنياهو يخرج عن حدود صفقة المخطوفين
خطاب العودة لبنيامين نتنياهو أول أمس، الذي اعلن فيه بأن اسرائيل لن تنسحب من محور فيلادلفيا، كان التعبير الواضح على اسلوب عمله: دائما يرد ولا يبادر. ويستغل الفرص ولا يخلقها. في هذه المرة لاحظ نتنياهو فرصة متعددة الابعاد، كما يقولون بلغة الجيش الاسرائيلي الحالية، كي يستغل لصالحه قرار الكابنت السياسي – الامني من اجل البقاء في المحور، والقتل الفظيع للمخطوفين الستة على يد حراسهم في أسر حماس.
منذ دخل الى عالم السياسة فانه توجد لنتنياهو ثلاثة اهداف، أن يكون في الحكم أكبر فترة ممكنة وتغيير النخبة في اسرائيل وتحطيم الحركة الوطنية الفلسطينية. هو يمكنه المراوغة والكذب وطرح مواقف متناقضة بنفس مستوى الاقناع، لكنه دائما سيعود الى المثلث غير المقدس: رئاسة الحكومة والتحريض على اليسار وتخليد احتلال المناطق. اعلانه بأن محور فيلادلفيا سيبقى تحت سيطرة اسرائيل، وضمن ذلك تجميد المفاوضات مع حماس حول انهاء الحرب واعادة المخطوفين، استهدف الدفع قدما لكل هذه الاهداف معا.
قبل أي شيء آخر وفوق كل شيء نتنياهو يركز الآن على الانتخابات في الولايات المتحدة. قتل المخطوفين الستة يسهل عليه صد الضغط من قبل الرئيس الامريكي من اجل التوصل الى الصفقة، لأنه لا أحد يتحدث مع قتلة. رئيس الحكومة يؤيد دونالد ترامب. وهو لن يسمح لكمالا هاريس بانجاز على شكل وقف اطلاق النار في القطاع، بل بالعكس. ومثلما هو يستمتع بالنزاع الذي يثور بين خصومه السياسيين في الداخل فانه مسرور ايضا من أن الحزب الديمقراطي منقسم حول القضية الفلسطينية. اذا كان الناخبون التقدميون سيبقون في البيت لمعاقبة الابادة الجماعية لجو بايدن والقاتلة كمالا بسبب دعمهما لاسرائيل، واذا كانت ولاية هامة مثل ميتشيغان ستسقط في يد ترامب، فان هذا سيكون هدية من التابع الاسرائيلي لسيده.
ثانيا، قرار الكابنت البقاء في محور فيلادلفيا كان ركلة علنية لوزير الدفاع يوآف غالنت ورئيس الاركان هرتسي هليفي، اللذان قاما بالتوصية بالانسحاب المؤقت من المحور الاستراتيجي من اجل اعادة 20 – 30 مختطف، بينهم التسع اسيرات. في المؤتمر الصحفي أول أمس قام نتنياهو بسحق غالنت وعرضه كعميل لحماس في الكابنت واستخف برؤساء جهاز الامن الذين اخطأوا في التقدير. وحسب رأيه هم يخطئون الآن ايضا.
نتنياهو يريد جعل غالنت يستقيل، وفي هذه الاثناء فانه يستخدمه مثل دمية للكراهية من اجل تعزيز قاعدته. وزير الدفاع الذي ظهر وكأنه الشخص الاكثر شجاعة في سياسة اسرائيل والشخص الوحيد الذي وقف أمام رئيس الحكومة ومنظومة تحريضه ينوي البقاء في منصبه وهو يأمل بناء نفسه عن طريق معارضة نتنياهو كزعيم لليمين العقلاني. ولكن غالنت ينقصه جيش في الليكود. فهو بحاجة الى حماية رئيس حزب شاس آريه درعي، هذه الحماية اعطيت له حتى لو كان ذلك من وراء الكواليس، مقابل تخفيف دعوة تجنيد الحريديين. من غير الواضح كم من الوقت سينجح غالنت في التمسك بموقفه والى أين يمكنه الذهاب من هناك.
رؤساء جهاز الامن، رئيس الاركان هرتسي هليفي ورئيس الشباك رونين بار ورئيس الموساد دادي برنياع ورئيس هيئة الاسرى والمفقودين نيتسان الون، وجدوا انفسهم في ضائقة. نتنياهو، الذي يستخدم ضدهم منذ 7 تشرين الاول ماكنة سمه بكل القوة، يرفض الآن علنا توصيتهم المهنية واعاق الصفقة التي أملوا في التوصل اليها من اجل انقاذ المخطوفين الباقين. حتى قبل الحرب، في فترة الانقلاب النظامي، شخص نتنياهو قادة الجيش كأعداء سياسيين، هم ومن يؤيدون احتجاج كابلان. في الخطاب أول أمس اوضح بأن رأيهم لا يهمه على الاطلاق، وأنه يعرف اكثر منهم ويهتم اكثر منهم بأمن اسرائيل.
الضغط على رؤساء جهاز الامن من اجل الاستقالة وقول الحقيقة عن نتنياهو، يتوقع أن يزداد الآن، هذا على أمل أن انتقادهم العلني سيعزز حركة الاحتجاج والدعوة الى تبكير موعد الانتخابات. نتنياهو بالتأكيد يقوم بالصلاة كي يسقطوا في الشرك وأن يقوموا باخلاء كراسيهم لرجاله. هو يعرف بالضبط ما الذي سيحدث. فايلانا ديان ستقوم بث خاص، رؤساء الاجهزة سيتم اجراء مقابلات معهم واحد تلو الآخر، وسيعتذرون عن المسؤولية عن الكارثة وسيتهمون نتنياهو الذي تجاهل التحذيرات قبل الحرب وتخلى عن المخطوفين خلالها، وسيقضون ما تبقى من حياتهم في كتابة المذكرات وتوجيه الاتهامات المتبادلة مثلما فعل اسلافهم في حرب يوم الغفران. لذلك، محظور الانخداع بدعوات التشجيع من الخارج وترك اماكنهم الحاسمة لمن يخدمون الحاكم.
المعنى الاعمق لقرار الكابنت حول محور فيلادلفيا يتعلق باستمرار الحرب. نتنياهو اوضح بأن اسرائيل لن تقوم بالانسحاب من المحور الى حين الاتفاق النهائي. أي أنها ستقوم باستكمال تطويق القطاع وستقوم بحكمه من الآن فصاعدا. هذه الاقوال مدعومة بنشاطات الجيش الذي يقوم بشق شارع جديد على طول الحدود مع مصر كما فعل في ممر نتساريم في وسط القطاع. التطويق والتقطيع، الجوع والشلل، كل ذلك سيساعد اسرائيل على زيادة الضغط على الفلسطينيين من اجل المغادرة، وعلى الدول الغربية من اجل استيعاب اللاجئين من القطاع.
لا يجب العودة الى الوراء حتى البابليين والرومان. يكفي رؤية ما فعله بشار الاسد في الحرب الاهلية في بلاده عندما قام بطرد وقتل ملايين السنة، وتغيير تركيبة السكان لصالح الاقلية العلوية الحاكمة. حكومة اليمين الحالية تهدف الى تحقيق ذلك “اليوم التالي” في القطاع. وبعد ذلك في الضفة الغربية، القريبة جدا من نقطة الغليان. يمكن تخيل أن نتنياهو يأمل بعقد مؤتمر صحفي في المستقبل يهتف فيه لنفسه كالعادة ويقول: “اليسار خوفنا خلال سنين من المشكلة الديمغرافية، ولكني صمدت أمام الضغوط”.
ماذا بخصوص المخطوفين الذين يحتضرون ويتألمون ويعانون في انفاق حماس؟ نظرة نتنياهو اليهم يمكن تلخيصها بما قاله الكاتب اليهودي – الروسي انتولي ريفكوف، التي نسبت بالخطأ لستالين: “الموت يحل كل المشكلات. اذا كان يوجد انسان فانه توجد مشكلة. واذا لم يكن هناك انسان فلا تكون هناك مشكلة”.