هآرتس: مرة أخرى يموت جنود في غزة، والحرب تعود الى الوعي

هآرتس 27/1/2025، عاموس هرئيل: مرة أخرى يموت جنود في غزة، والحرب تعود الى الوعي

الحرب في قطاع غزة عادت الى حياة الإسرائيليين. هذا حدث بالطريقة العادية – يُصابون. عمليا، الحرب هناك تجددت قبل اكثر من شهر، في 18 آذار، بعد شهرين على وقف اطلاق النار. سلاح الجو عاد للقصف في كل ارجاء القطاع وبحجم كثيف، وبعد ذلك بدأ دخول بري محدود الى المناطق المأهولة. حسب وزارة الصحة الفلسطينية التي تسيطر عليها حماس فانه قتل في هذه العمليات 2000 فلسطيني تقريبا، اكثر من نصفهم من المدنيين، لكن هذه الحرب تقريبا لم تحصل على الاهتمام هنا، لأنها لم تكن مقرونة باحتكاك عسكري حقيقي أو بمصابين إسرائيليين.
حماس اختارت في معظم الحالات تجنب المواجهة. ففي رفح حيث اخترقت هناك قوات الجيش الإسرائيلي بعمق نسبي الأراضي الفلسطينية فان حماس قامت باخلاء معظم المسلحين ونقلتهم الى مناطق اللجوء الإنساني في المواصي لتقليل الخسائر. السياسيون والجنرالات الإسرائيليون اكثروا من الحديث عن الضغط العسكري الذي يمكن أن يغير المعادلة ويجبر حماس على التراجع، بصورة تمكن من تحرير مخطوفين آخرين. عمليا، هذا لم يحدث في هذه الاثناء. الجمهور في القطاع يعاني من استئناف الحرب، وهو قلق من النقص المتزايد في الغذاء ويخشى من المزيد من المصابين. في هذه الاثناء هذا لم يؤثر كثيرا على بقايا قيادة حماس، الذين يظهرون اللامبالاة إزاء مصير سكان القطاع.
في الفترة الأخيرة تغير شيء ما، لكن ليس الى الأفضل. خلال أسبوع، منذ يوم السبت الماضي وحتى أمس، قتل في القطاع أربعة جنود إسرائيليين للمرة الأولى منذ استئناف المعارك، واكثر من عشرة جنود أصيبوا. أول أمس كانت معركة قاسية جدا في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، قتل فيها ضابط مدرعات وجندي من وحدة حرس الحدود، وثلاثة جنود أصيبوا. عدد من الجنود أصيبوا اثناء عملية انقاذ معقدة لقوة تعرضت لتبادل اطلاق النار. ردا على ذلك هاجم سلاح الجو والدبابات اهداف كثيرة في شمال القطاع. سكان بلدات الغلاف، وعلى بعد بضعة كيلومترات من القطاع ابلغوا بأن بيوتهم اهتزت من شدة القصف. في حادث آخر في محور فيلادلفيا في رفح أصيب أربعة جنود.
في المساء السابق نشر في برنامج “عوفداه” في القناة 12 برنامج استعاد معركة مقاتلي غولاني في هذا الحي في كانون الأول 2023، التي قتل فيها تسعة جنود، من بينهم ضباط كبار. مرت سنة منذ ذلك الحين وأربعة اشهر. في الحي الذي تم تدميره بالكامل تقريبا في حينه تم استئناف منذ فترة نشاطات محمومة لحماس، وكل ذلك حدث على بعد كيلومتر من حدود إسرائيل.
السير البائس لهذه الاحداث لم يزعج وزير الدفاع يسرائيل كاتس في نشر مجموعة من الكليشيهات الفارغة في مساء يوم الجمعة – في الوقت الذي كان فيه الجيش يعرف عن القتيلين، وفي أوساط المدنيين كانت تنتشر الشائعات. وقد أكد كاتس في الكليشيهات على أن الجنود يقاتلون بشجاعة وأن الجيش الإسرائيلي يعمل بقوة وأن الإنجازات كبيرة، لكن الاخطار ما زالت كبيرة. في هذه الاثناء قالت مصادر سياسية وأمنية للمراسلين بأن الجيش سيوسع عملياته في القريب وسيستعد للسيطرة على مناطق أخرى في القطاع.
لكن عمليا، من وراء الكواليس، يمر الجيش الإسرائيلي في عملية استيقاظ. هذا هو السبب في انقضاض وزراء الكابنت، وعلى رأسهم سموتريتش، على رئيس الأركان ايال زمير، في الجلسة التي عقدت في يوم الثلاثاءالماضي. رويدا رويدا بدأ زمير يعد هؤلاء الوزراء للواقع: عملية عسكرية قوية ضد حماس ستحتاج الى قوات كثيرة ووقت طويل جدا. لا توجد ثقة في أن تكون نتيجتها استسلام فلسطيني، أو أنه في نهايتها سيتم تحرير جميع المخطوفين الاحياء وهم لا يزالون على قيد الحياة. الجيش الإسرائيلي يقف امام صعوبات متزايدة في تجنيد رجال من الاحتياط، إزاء عبء الخدمة المتراكمة (حيث في الخلفية أيضا الغضب على تهرب الحريديين بدعم من الحكومة).
إضافة الى ذلك – إسرائيل لا يمكنها تجويع الى الابد الغزيين. فكلما تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، سيزداد عليها الضغط الدولي لاستئناف قوافل المساعدات. والجيش الإسرائيلي غير معني بتولي إدارة توزيع المساعدات بنفسه، بدلا من المنظمات الدولية وحماس، وذلك لسببين: هذه نشاطات تحتاج الى تواجد كبير للقوات طوال الوقت، الامر الذي سيكلف المزيد من المصابين.
كل هذه الأمور واضحة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وربما لعدد من الوزراء. هي ببساطة لا تتساوق مع الطموحات الأيديولوجية لكتلة اليمين المتطرف في الائتلاف، التي تريد فرض احتلال عسكري طويل وطرد واسع بقدر الإمكان للفلسطينيين من القطاع وإعادة بناء المستوطنات. بخصوص نتنياهو فان إطالة الحرب تخدم جهوده للبقاء السياسي، وتخلق حالة طواريء دائمة، التي تصعب على الاحتجاج والمعارضة قيادة خطوات ناجعة ضده.
أيضا في الفترة الأخيرة طرح بديل، الذي يطرح في المحادثات بين حماس ودول الوساط، مصر وقطر، وهو وقف بعيد المدى لاطلاق النار، الذي سيشمل تحرير جميع المخطوفين مقابل تحرير كبير لسجناء فلسطينيين في إسرائيل. ولكن هذه الخطوة ستقتضي أن تنهي الحكومة طموحات بعيدة المدى، على امل ان تخرق حماس الاتفاق بعد ذلك وتتمكن من استئناف القتال واسقاط حكمها في القطاع. في هذه الاثناء الاختيار بين استمرار الحرب وإنقاذ المخطوفين فمن الواضح ماذا سيختار نتنياهو وسموتريتش وشركاءهما. طالما أن الامر يتعلق بهما فان القتال سيستمر. واذا لم يتم تحقيق الإنجازات الموعودة، دائما سيكون بالإمكان العودة واتهام الجيش.
الشخص الوحيد الذي يمكنه تغيير الصورة بشكل جوهري هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في الأسابيع الأخيرة ترامب يقلل من تصريحاته حول ما يحدث في القطاع. توجد له بؤر اهتمام أخرى، على رأسها حرب الجمارك، والحرب بين روسيا وأوكرانيا والاتفاق النووي الجديد الآخذ في التبلور بين الولايات المتحدة وايران.
أول أمس، في تطرق نادر نسبيا لغزة، قال ترامب إنه دفع نتنياهو الى نقل المزيد من الغذاء والدواء الى القطاع. أحيانا الرئيس يقول أمور حتى بدون سبب واضح للعيان يقف خلفها، لكن ربما أنه يوجد هنا محاولة لرسم لإسرائيل حدود المعركة. على أي حال يوجد للجهود الحربية الحالية في القطاع خط نهاية محتمل – زيارة ترامب في السعودية واتحاد الامارات وقطر في منتصف الشهر القادم. بقدر ما يمكن تقدير ترامب غير المتوقع فانه يمكن التقدير بأنه طبقا لطلبات مستضيفيه فان الرئيس سيطلب توضيحات من نتنياهو – ما الذي تريد إسرائيل تحقيقه في القطاع والى متى؟.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook