هآرتس: مراسلو الحروب تعودوا على الصعوبات، لكن الجيش يضع امامهم عائق جديد
هآرتس 10/9/2024، هاجر شيزاف: مراسلو الحروب تعودوا على الصعوبات، لكن الجيش يضع امامهم عائق جديد
بيتر بومونت تواجد في مناطق حروب غير قليلة خلال حياته مثل العراق وافغانستان وكوسوفو، هذه فقط قائمة جزئية. ولكن عندما جاء الى اسرائيل لتغطية الحرب في قطاع غزة واجهته صعوبة اخرى وهي تغطية الحرب بدون أن يتواجد فيها. “هذا احيانا مثل محاولة تغطية الحرب من الفضاء الخارجي”، قال للصحيفة. “أنت تنظر الى صور الاقمار الصناعية وبيانات الموقع وتحاول أن تستنتج منها استنتاجات تتعلق بالمكان الذي أنت بعيد جدا عنه”. هذه ليست الزيارة الاولى لبومونت، المراسل الكبير في صحيفة “الغارديان”، في اسرائيل تحت النار. فقد كان هنا في فترة عملية “الجرف الصامد” في 2014، في حينه شاهد من شرفة الفندق الذي كان فيه كيف قتل اربعة اطفال في قصف للجيش الاسرائيلي على الشاطيء في غزة. هو شاهد وابلغ. والآن يقومون باخفاء ذلك عنه وعن المراسلين الآخرين.
هذا الامر يستمر منذ 11 شهر. عند اندلاع الحرب في قطاع غزة تدفق الى اسرائيل الكثير من المراسلين الاجانب الذين جاءوا من اجل تغطية المذبحة، وبعضهم أملوا دخول القطاع. ولكنهم واجهوا هنا اشارة ضوئية تقول “ممنوع الدخول”. في الوقت الذي فيه حتى في الايام العادية لا يسمح للمراسلين الاسرائيليين بدخول القطاع، فقد سمح لمراسلين اجانب بالدخول اليها في السابق، حتى في ايام الحرب (واحيانا بعد نضال قانوني)، لكن في هذه المرة الوضع تغير، ومن سبق له وتواجد هنا وكان يمكنه في الحروب السابقة أن يبلغ عما يشاهده، يضطر الآن الى الاعتماد على المراسلين المحليين واجراء المقابلات في الهاتف وتحليل الاحداث بواسطة الافلام والصور. عمليا، الطريقة الوحيدة للمراسلين من اجل الدخول الى القطاع هي بصورة منظمة وبمرافقة اشخاص من قسم المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي؛ والمواد التي يحصلون عليها من هناك تمر بعملية “فحص”.
“على المدى القصير الجيش ينجح في التحكم بالرواية”، قال للصحيفة مراسل اجنبي يقوم بتغطية الحرب لصالح جهة اعلام دولية. “اسرائيل تقوم برمي في الهواء الكثير من الادعاءات، يصعب فحصها اثناء الحرب وحتى بعدها حيث أنه لا يوجد اشخاص لك في الميدان”. وقال ايضا بأنه “حتى الآن من غير الواضح ما الذي حدث في مستشفى الشفاء على سبيل المثال”. ولكن ليس فقط ادعاءات هي التي لا يمكن فحصها، فالمراسلون الذين تحدثت معهم “هآرتس” قالوا إنه بنفس المستوى ايضا ادعاءات حماس يصعب تأكيدها أو دحضها بدون التواجد في الميدان.
من بين الاسئلة الكثيرة، التي في ظل غياب القدرة على الوصول الى القطاع بقيت بدون اجابات، يبرز السؤال حول الوضع في شمال القطاع. “لا أحد يعرف ما الذي يحدث هناك”، قال نفس المراسل. “موضوع الجوع، كانت هناك اوقات صعبة جدا في الشمال، لكن تقريبا لم نكن نعرف ما الذي يحدث. في الوضع الحالي نحن نضطر الى الاعتماد على تغريدات المواطنين الذين يقولون اشياء كثيرة. أنت لا يمكنك التأكد منها والجيش يقوم بنفيها. عندها يكون من الصعب الابلاغ عن ذلك”.
هذا ليس بالضرورة أن يكون هكذا. بومونت تذكر حرب اخرى قام بتغطيتها وهي الحرب بين روسيا واوكرانيا. ذات يوم قامت روسيا بقصف حافلة سيارات مدنية في اراضي اوكرانيا. “أنت يمكنك الذهاب الى هناك وخلال خمس دقائق سترى أنك محاط بالجثث”، تذكر. “هذا يقلل الكثير من الجهود لتفسير ما تراه، لأنه على الاغلب أنت تعرف ما الذي تراه”، قال. هو يعتقد أن القيود على وصول وسائل الاعلام الى قطاع غزة يعمل على تغيير التغطية بشكل جوهري. “هذه احدى المشاكل الكبيرة. هذا يخلق اعلام يبتعد عن شهود العيان في المنطقة المعقدة جدا والتي تحاول فيها أن توازن الامور والوصول الى قرب كافي لما تعتقد أنه حدث”.
هل تريدون المخاطرة؟
في شهر تموز الماضي تم نشر رسالة بتوقيع 73 وسيلة اعلام ومنظمة اعلامية، من بينها “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”سكاي نيوز”، دعت فيها اسرائيل الى السماح بدخول المراسلين الاجانب الى القطاع. الرسالة حاولت الاجابة ايضا على الادعاء الذي يسمع بين حين وآخر في اوساط الجمهور في اسرائيل وهو أنه من الافضل للمراسلين عدم الدخول الى المنطقة لأن هذا الامر يمكن أن يعرض حياتهم للخطر.
“نحن ندرك الاخطار التي توجد في التغطية في منطقة قتال”، كتب في الرسالة. “هذه اخطار كثير من المنظمات اخذتها في الحسبان لعقود كثيرة من اجل تحقيق وتوثيق التطورات في الزمن الحقيقي وادراك تأثير الحروب في ارجاء العالم”.
في ظل عدم وجود المراسلين الاجانب في القطاع فان كل التغطية من الميدان في غزة تتم من قبل المراسلين الفلسطينيين، الذين يوجد بينهم من يعملون لصالح وسائل اعلام دولية وبعضهم لصالح وسائل اعلام محلية، وهناك اشخاص تغطيتهم بالاساس يقومون بها لصالح الشبكات الاجتماعية. “هؤلاء المراسلون يقومون بعمل مدهش في ظروف لم يشاهدها أي مراسل اجنبي”، قالت جودي غينسبرغ، المديرة العامة لمنظمة لجنة حماية الصحافيين “سي.بي.جي”. وحسب اقوالها فان المراسلين المحليين يقومون بتغطية الحرب منذ اشهر بشكل مستمر تحت نفس القيود التي يعيش فيها كل سكان القطاع، من بينها عدم وجود الغذاء ونقص الوقود ومع ادوات يستمر الاضرار بها. “بشكل عام عندما يغطي المراسلون الحرب، محليا أو دوليا، فانه يمكنهم الانسحاب والاستراحة لبضعة اسابيع وبعد ذلك يعودون”، قالت. “لكنهم يفعلون ذلك يوم تلو الآخر”.
تغطية الحرب التي جرت في الميدان من قبل مراسلين فلسطينيين فقط، كما تقول غينسبرغ، تؤثر على الطريقة التي يتم فيها النظر الى هذه التقارير، ويسمح لاسرائيل واطراف اخرى في دحض المعلومات التي تأتي من هناك. “هذا يخلق مساحة يمكن التشكيك فيها بمصداقية المراسلين (الفلسطينيين) وقول كيف يمكننا الوثوق بهم؟”، قالت وشرحت. “من خلال رؤية أنه بسبب أنهم محليون فهم بالتأكيد غير مستقلين”.
جميع المراسلين الاجانب الذين تحدثوا مع الصحيفة من اجل هذا المقال أكدوا على اهمية زملائهم من غزة في التغطية، لكن بعضهم قالوا إن الاعتماد عليهم لا يخلو من المشكلات. هذا بسبب أنهم ربما يتعرضون للضغط من حماس أو من وسائل اعلامها، أو الضغط من المحيط القريب كما يحدث في احيان كثيرة في مناطق الحروب.
“الكثير من المراسلين يعتقدون أن الدخول بمرافقة الجيش هو افضل من لا شيء. ولكن خلال الحرب كانت هناك وسائل اعلام اجنبية رفضت التوقيع على تعهد للجيش الاسرائيلي واختارت عدم الدخول. هذه مشكلة عندما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة للدخول. وكما يشير المفهوم نفسه فانك تكون مندمج مع الجيش”، قال كيسل. “أنت تشاهد الامور بمنظارهم وهم الذين يقررون مع من يمكن التحدث، ولا يسمح لك بالتحدث مع السكان المحليين، هذه ليست الطريقة لتغطية حرب بشكل نزيه ودقيق ومهني”.
وقد جاء من المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي: “طلب المراسلين الاجانب الدخول بشكل حر يخضع لاعتبارات المستوى السياسي. وفي اطار التماس تم تقديمه حول هذا الامر من قبل منظمة الصحافيين الاجانب للمحكمة العليا، رفضت المحكمة الالتماس ووافقت على موقف الدولة بأنه لا يمكن السماح بحرية الحركة على خلفية الاخطار التي تنطوي على ذلك في الوقت الحالي. دخول المراسلين بدون تنسيق ومرافقة يمكن أن يعرض حياتهم للخطر، وربما قوات الجيش الاسرائيلي التي تعمل في القطاع”.
وجاء ايضا بأن “الجيش الاسرائيلي لا يمس بالمراسلين بشكل متعمد. ربما هناك مراسلون اصيبوا على هامش نشاطات عملياتية، عسكرية وقانونية. في بعض الحالات الضرر حدث في اعقاب حقيقة أنهم نشطاء عسكريون في تنظيمات ارهابية أو أنهم شاركوا مباشرة في القتال في ذلك الوقت”.