هآرتس: ليس للزعيم الأكثر طلبا لوده في الشرق الأوسط، دولة
هآرتس 13/12/2024، تسفي برئيل: ليس للزعيم الأكثر طلبا لوده في الشرق الأوسط، دولة
أبو محمد الجولاني، الإرهابي المسلم الذي كان رئيس فرع القاعدة في سوريا، لم يكن يمكنه تخيل سيناريو يصبح فيه الشخص الأكثر طلبا لوده في الشرق الأوسط. الجولاني، الذي هو ومنظمة ما زالوا في قائمة الإرهاب العالمية، الذي رصد لرأسه جائزة بمبلغ 10 ملايين دولار، اصبح الآن سياسي يبعث على الأمل. بعد أن استولى على السلطة سارع الى التخلي عن الاسم السري له، وعاد الى اسمه الأصلي (احمد الشرع)، وقام بطرد نظام الرعب لبشار الأسد، وبدأ في انبات البراعم الأولى لسوريا الجديدة، التي ما زال يصعب تخمين جودة ثمارها. المنافسة على مصافحته في ذروتها الآن.
أول امس أعلنت قطر بأنها ستعيد فتح سفارتها في دمشق، بعد رفضها لذلك حتى بعد أن حصل بشار الأسد على إعادة تأهيل في العالم العربي وعاد الى حضن الجامعة العربية الدافيء، وحتى السعودية استأنفت علاقاتها الدبلوماسية معه. قطر هي صديقة قديمة للشرع – يجب التعود على هذا الاسم. فخلال سنوات وجود منظمته دعمت قطر المليشيات التي شكلت “هيئة تحرير الشام” التي أقامها الشرع على انقاض “جبهة النصرة”، ويتوقع أن تساعده على ترميم دولته.
قطر ليست وحدها. ففي السباق نحو قصر الرئاسة في دمشق فاز أمس وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وهو كان الأول الذي وصل الى هناك، مع رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين، لمصافحة الشرع. وزراء خارجية دول عربية أخرى، منها مصر والسعودية ودولة الامارات، تخطط للهبوط في الأيام القريبة القادمة في دمشق من اجل تهنئة الزعيم الجديد للدولة الشقيقة بشكل شخصي. في غضون ذلك إدارة بايدن تفحص إمكانية رفع الشرع ومنظمته من قائمة الإرهاب، وزعماء في أوروبا، على رأسهم رئيسة الحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، الذين قبل أسبوعين تحدثوا عن احتمالية تطبيع علاقاتهم مع نظام الأسد، يحاولون الآن تنسيق اللقاءات مع قيادة النظام الجديدة.
المفارقة لا تتوقف هنا. مكان ايران وروسيا، التي سيطرت بالفعل على أجزاء كبيرة في سوريا، يحل مكانها الآن دول محتلة جديدة – قديمة، إسرائيل وتركيا. الأولى سيطرت على “الجزء السوري من جبل الشيخ” وابعد منه قليلا، الثانية تقوم باستكمال احتلال المحافظات الكردية في شمال سوريا. لا يوجد حب كبير بينهما، لكن يبدو أن الحظ يصمم على التقائهما في ساحات القتال، مرة كشركاء (عندما ساعدتا أذربيجان في حربها ضد أرمينيا)، ومرة كعدوتين (سواء في ساحة غزة، والآن على الأراضي السورية). ربما الشرع سيحظى بأن يكون العراب الذي سينجح في المصالحة بينهما، حدوث معجزة، حتى لو كانت تحت نظر المخابرات الأفضل في العالم، التي لم تتوقع الانهيار الكامل لنظام الأسد.
الغطاء العربي والدولي الدافيء يلتف اكثر نحو دمشق، ومستعد لاعطاء الشرع الاعتماد. رغم أنه حتى الآن وجهته غير معروفة، وعلى فرض أن كل زعيم سيكون افضل من بشار الأسد (بالمناسبة، السوريون يعتقدون أن الأسد الأب كان سيتصرف هكذا عندما اسقط حكم الجنرال صلاح شديد – فقط من اجل الحصول على قاتل جديد للجمهور).
التصريحات والمقابلات الأولى التي صدرت عن الشرع، وكبار قادة نظامه، تبدو جيدة وحتى أنها مشجعة. رئيس الحكومة المؤقتة، محمد البشير، قال في هذا الأسبوع للصحيفة الإيطالية “كورييرا ديلاسيرا” إنه في هذه المرحلة النظام الجديد يضع ثلاثة اهداف في سلم أولوياته: ضمان أمن المواطنين، إعادة اللاجئين وإعادة ترميم البنى التحتية ومنظومة الخدمات المدنية. كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف؟ “نحن بحاجة الى وقت، لكننا سنحققها”، رد الشخص الذي كان رئيس حكومة الإنقاذ في محافظة ادلب بقيادة الشرع، والذي تعرض الى انتقاد شديد من الجمهور على الطابع الوحشي الذي ادار فيه الإقليم المتمرد.
البشير اعلن بأن الحكومة المؤقتة ستستمر حتى بداية شهر آذار، لكنه لم يوضح ما الذي سيحدث بعد ذلك. هل في ثلاثة اشهر سينجح في صياغة دستور جديد وقانون انتخابات؟ هل يوجد للنظام الجديد نية لاجراء الانتخابات؟ هل في هذه الفترة يأمل في تشكيل حكومة تكون مسؤولة عن كل الطوائف والأحزاب والمليشيات والقوات الأجنبية التي بدأت تمسك بالخيوط. على سؤال هل الدستور الجديد سيكون “إسلامي”، أجاب: “إن شاء الله”. واضح أن كل هذه التفاصيل ستتم مناقشتها في العملية الدستورية”.
المراسل اندريه نيكسترو مد حدود المقابلة وسأل: هل افهم بشكل صحيح عندما أقول بأنك مستعد لعقد سلام مع إسرائيل، وأنك معادي لإيران وحزب الله وروسيا؟. هنا شكر البشير المراسل وأنهى المقابلة بدون أن يجيب.
لا يجب الاحتجاج على رئيس وزراء أو رئيس تنظيم (الذي كان يستعد قبل أسبوعين لتوسيع حدود منطقة سيطرته ووجد نفسه فجأة على شارع سريع فارغ نحو دمشق) بسبب عدم وجود نظرية سياسية واستراتيجية واقتصادية كاملة في هذه المرحلة. ويجب عليه أيضا الالتفاف على القضايا الأيديولوجية والدينية. احمد الشرع لديه أمور ملحة اكثر، مثلا، خزينة الدولة الفارغة. يجب على الذين يريدون ضمان الامن المدني والخدمات العامة دفع رواتب رجال الشرطة والمعلمين والقضاة وعمال النظافة وإعادة تأهيل شبكة الكهرباء المدمرة وإصلاح الشوارع والاشارات الضوئية. حيث لا يوجد في الخزينة، حسب شهادة البشير، حتى ولا دولار واحد.
رئيس مكتب التجارة في سوريا قال في هذا الأسبوع بأن الاقتصاد سينتقل الى اقتصاد السوق الحرة، وسيحل مكان الاقتصاد الموجود الآن الذي يوجد تحت السيطرة الكاملة للدولة. هذا توجه هام ومشجع، لكن تطبيقه سيحتاج الى تجنيد المستثمرين وضمان الاستثمارات. وزراء الحكومة، معظمهم اذا لم يكونوا جميعهم، هم وزراء شغلوا مناصب في حكومة الإنقاذ في ادلب، يقدرون أنه سيمكنهم تجنيد الأموال من الدول العربية، لا سيما دول الخليج وتركيا، وأنه سيمكنهم اقناع رجال الاعمال السوريين في الشتات بالاستثمار في وطنهم، وأنه سيمكنهم إعادة الى سوريا الأموال التي هربها نظام الأسد الى الخارج. ولكن مساعدة عربية ودولية تأتي بشكل عام مقرونة بقائمة شروط قاسية، منها طلب اجراء إصلاحات اقتصادية عميقة والحفاظ على حقوق الانسان وحقوق الأقليات والأمن المدني، ولا يقل عن ذلك اجندة سياسية تتلاءم مع طموحات الدول المانحة.
سوريا أيضا ليست الوحيدة. ففي القريب يجب على الدول المانحة المساعدة في إعادة اعمار لبنان، وبعد ذلك ربما غزة. يوجد تقدير محافظ يقدر دين سوريا بمبلغ 31 مليار دولار، من بينها 5 مليارات لصندوق النقد الدولي، و26 مليار لروسيا وايران. تقديرات اكثر واقعية تتحدث عن دين يبلغ اكثر من 30 مليار دولار لإيران وحدها (التي استثمرت في سوريا 50 مليار دولار في الـ 14 سنة الأخيرة).
آبار النفط التي بقيت تحت سيطرة نظام الأسد انتجت حوالي 9 آلاف برميل فقط في اليوم. الآن النظام الجديد يمكنه انتاج النفط من آبار النفط التي توجد تحت سيطرة الاكراد في شمال شرق سوريا، بعد انسحابهم من دير الزور التي تم إعادة احتلالها من قبل المليشيات المؤيدة لتركيا. ولكن هذا لن يكفي لترميم دمار الزراعة وصناعة انتاج المواد الغذائية، أو انتاج ملايين أماكن العمل بدلا من الأماكن التي تم فقدانها في سنوات الحرب.
الشرع يطرح نفسه كزعيم “الجميع”. ورئيس حكومته يطمح الى تشكيل حكومة تمثل جميع الطوائف والأقليات. ولكن هل سيحصل على التعاون من الأقلية العلوية، التي تشكل 10 في المئة من اجمالي السكان؟ هل الاكراد في الشمال سيتنازلون عن طموحهم الى الحكم الذاتي؟ تجمع كبير من السكان العلويين يوجد في محافظة اللاذقية على شاطيء البحر المتوسط. الرجال هناك مسلحون بشكل جيد، وهم يخشون من أن مليشيات مسلحة (أو النظام نفسه) سترغب في الانتقام منهم. هل سيوافقون على نزع سلاحهم؟. الاكراد تم دفعهم الى خارج عدد من المحافظات، وفقط أول أمس انسحبوا من مدينة منبج، في غرب نهر الفرات، بعد أن احتل “الجيش الوطني السوري”، المليشيا الكبيرة المؤيدة لتركيا، هذه المدينة.
هذا الانسحاب هو نتيجة وساطة أمريكية، التي تستند الى تعهد تركيا بعدم المس بالاكراد الذين سيخرجون من المدينة. ولكن الاكراد ما زالوا يسيطرون على المحافظات التي توجد شرق الفرات، ايضا تركيا تتطلع الى ابعادهم من هناك. في نفس الوقت أوضحت قيادتهم بأنها مستعدة للتعاون مع نظام الشرع وأن تكون جزء لا يتجزأ من سوريا. ولكن حتى الآن غير معروف بأي شروط سيكون ذلك. هل يطمحون الى الحفاظ على طابع الحكم الذاتي في محافظاتهم، وهل النظام السوري سيوافق على ذلك عندما يقف امامه تركيا وتستخدم كل أدوات الضغط العسكري والاقتصادي التي لديها؟ هل سيبقى للاكراد ورقة مساومة عندما سيدخل الرئيس ترامب الى البيت الأبيض؟ (الذي في 2019 حاول سحب القوات الامريكية من سوريا وتم وقفه بضغط دولي وداخلي. الآن ربما هو سيطبق طموحه هذا مع حليفه رجب طيب اردوغان).
محللون سوريون بدأوا يرسمون خارطة بحسبها سوريا يمكن أن تكون دولة فيدرالية، وستقسم الى كانتونات مستقلة، كردي في الشمال، سني عربي في وسط الدولة، علوي في الغرب، وربما أيضا درزي في الجنوب. نوع من توسيع نموذج العراق، الذي توجد فيه منطقة كردية مع حكم ذاتي، والشيعة في الجنوب يطالبون بإقامة إقليم خاص بهم. مشكوك فيه أنه يوجد لهذا النموذج فرصة للتشكل في سوريا. ولكن طرحه كاحتمالية هو دليل على الألغام التي تكمن للنظام الجديد في سوريا. هذه قائمة جزئية فقط، لأنه إضافة الى قضية الطوائف والأقليات العرقية، سيتعين على الشرع، حامل راية الشريعة، مواجهة سكان هم في الحقيقة من السنة في معظمهم، ولكنهم علمانيون. هل هذه المجموعة السكانية ستبقى مع اجندة دينية راديكالية من النوع التي تربى عليها الشرع ودعا اليها. بسهولة تم ضم سوريا حتى الآن الى “المحور الشيعي” وكأنها كانت عضوة طبيعية في الثورة الإسلامية الإيرانية.
لكن التيار العلوي لا يعتبر بالنسبة لإيران تيار شيعي اصيل. حافظ الأسد نفسه اضطر الى الطلب من صديقه، رجل الشريعة صاحب التأثير الكبير موسى الصدر، اصدار فتوى تفيد بأن المذهب العلوي هو جزء من المذهب الشيعي “الرسمي” – بناء على ذلك هو جزء من الدين الإسلامي. هذا بعد مواجهة عنيفة وطويلة قام بها ضد الفقهاء من السنة والشيعة، الذين قالوا بأن التيار العلوي غير مسلم على الاطلاق. لذلك فان الأسد (الأب) لا يمكن أن يكون رئيس، لأنه حسب الدستور رئيس الدولة يجب أن يكون مسلم. احمد الشرع لن تكون له معضلة كهذه. ولكن بصفته انسان لم يخف تطلعه لاقامة دولة شريعة فانه سيتعين عليه تقرير كيف يجب التوفيق بين الحلم الديني وبين طابع السكان وطابع الدولة التي لم تتشكل بعد.