هآرتس: قطر ليست عدوة المفاوضات، لكنها تتوقع تحقيق مكاسب سياسية من الصفقة
هآرتس 10/9/2024، تسفي برئيل: قطر ليست عدوة المفاوضات، لكنها تتوقع تحقيق مكاسب سياسية من الصفقة
في الاسبوع الاخير في شهر آب الماضي، حيث وصلت المفاوضات على تحرير المخطوفين الى مرحلة الجمود والولايات المتحدة ما زالت تبث جوا متفائلا، حدث في الطرف الآخر للعالم حدث الذي في اسرائيل كان يمكنهم أن يحلموا به، لكنه لم يعمل على اثارة الكثير من الاهتمام: 230 سجين وأسير من اوكرانيا وروسيا، 115 من كل طرف، تم اطلاق سراحهم وعادوا الى بلادهم. هذا بعد اسبوعين فقط على مهاجمة اوكرانيا لمنطقة كورسك في الاراضي الروسية. وهو الهجوم الاول من نوعه الذي نفذته قوة اجنبية منذ الحرب العالمية الثانية. وهذه كانت المرة السابعة التي نفذت فيها الدولتان المتعاديتان تبادل للأسرى.
في جميع المرات كانت بالتحديد دولة الامارات هي التي توسطت وحققت نتائج ناجعة. بالاجمال هي سجلت لصالحها تحرير 1788 اسير من الطرفين. أبو ظبي لم تشكل اي تهديد روسيا، وبالتأكيد على اوكرانيا. “سر” نجاحها يكمن فيما اعتادوا في اسرائيل على تسميته بـ “رافعة الضغط”، في حين أن اتحاد الامارات وقطر تتبنى مفهوم “رافعة التأثير”. الفرق بين هذين المفهومين كبير وهو نابع من رؤية استراتيجية مختلفة.
اسرائيل ركزت ذراع ضغط قطر على حماس حول تواجد قادة حماس في الدوحة، وتمسكت بطردهم من هناك وكأن هذا هو التهديد الرئيسي الذي يمكن أن تستخدمه قطر على المنظمة. اسرائيل نجحت ايضا في اقناع واشنطن بأن الطرد هو نقطة الضعف الاساسية، وأنه يجب عليها اقناع قطر باستخدام هذا التهديد. قطر اوضحت في محادثات سرية وبعد ذلك بشكل علني بأن استضافة قادة حماس في الدوحة (بناء على طلب من الولايات المتحدة في العام 2012) لا تعطيها أداة ضغط، لكن من اجل تحقيق طلب امريكا (واسرائيل) فقد اعلنت أنها ستوافق على فحص هذه الخطوة بدون الالتزام بذلك. في نفس الوقت طرحت على الامريكيين عدد من الاسئلة لم تكن أي اجابة عليها مثل ما الذي سيحدث بعد أن تقوم قطر بطرد قيادة حماس؟ هل التهديد بالطرد سيؤثر على يحيى السنوار ويقنعه بأن يقدم تنازلات في المفاوضات؟ من أين ستتم ادارة المفاوضات اذا غادر ممثلو حماس قطر؟.
هذه الاسئلة وجدت الرد عليها بعد تصفية اسماعيل هنية. هنية لم يتم طرده من قطر، بل تم طرده من العالم. ورغم ذلك حماس استمرت في المفاوضات. الاكثر اهمية هو أن التنازل الحقيقي عن الشرط الذي يطالب بانسحاب اسرائيل بشكل كامل في المرحلة الاولى لصفقة المخطوفين، حماس طرحته قبل 21 تموز بثلاثة اسابيع، وهو اليوم الذي تمت فيه تصفية هنية. من المشكوك فيه اذا كان للتهديد بالطرد أي تأثير على السنوار الذي حتى الآن لم يغير طلباته الجوهرية، حتى لو كان مستعد لاظهار مرونة تكتيكية في ترتيب تنفيذها.
قطر وافقت على العودة الى طاولة المفاوضات ومواصلة مهمتها كوسيطة في صفقة التبادل كجزء من الرؤية الاستراتيجية التي تطمح الى ترجمة المصالح الى تأثير، وبالتالي رفع مكانتها. مصالح الدوحة هي امام الولايات المتحدة التي جعلت قطر مرساة سياسية وعسكرية اقليمية، لا يجب التنازل عنها. ثمن هذه المكانة التي تشمل اعتبارها حليفة كبيرة ليست عضوة في الناتو، تدفعه قطر باستخدام ادوات تأثيرها، وليس فقط امام حماس. ايضا في لبنان، الذي هي فيه شريكة في تمويل رواتب جنود الجيش اللبناني؛ وليبيا التي هي فيها تؤيد هي وتركيا الحكومة الرسمية؛ في مصر وفي دول اخرى التي تجد الولايات المتحدة صعوبة في التأثير فيها بشكل مباشر أو تخصيص اموال المساعدات لها. هذه الاستراتيجية تسمح لقطر، مثلما لدولة الامارات وتركيا، بأن تلعب في عدة ملاعب التي بعضها متعادية فيما بينها مثل روسيا واوكرانيا، اسرائيل وحماس، أو اعداء مكشوفين للولايات المتحدة.
على سبيل المثال توجد في أبو ظبي، حليفة الولايات المتحدة، شبكة علاقات وثيقة مع موسكو وكييف، تستند الى الاموال، الكثير من الاموال، وعلى التعاون الاقتصادي وتبني سياسة “حيادية”، كما يظهر، بالنسبة للحرب في اوكرانيا. منذ بداية المواجهة، في الوقت الذي اتخذ فيه مجلس الامن القرار الذي يطالب روسيا بالانسحاب من اوكرانيا، فان أبو ظبي، الصين والهند، امتنعت عن التصويت وتسببت بغضب واشنطن.
فقط من خلال الضغط الامريكي وافقت على الانضمام لقرار آخر تم اتخاذه في الجمعية العمومية، أبو ظبي رفضت الانضمام للعقوبات الدولية وطرحت نفسها كدولة لجوء مفضلة للاوليغاركيين والشركات ورجال الاعمال من روسيا، الذين خلال فترة قصيرة قاموا بتحويل اموالهم، بما في ذلك طائرات خاصة وقوارب، الى موانيء دبي. آلاف الحسابات البنكية لمواطنين وشركات في روسيا تم فتحها في تلك السنة في بنوك دولة الامارات، التي اصبحت الانبوب الاكثر نشاطا لتجاوز العقوبات.
في العام 2023، بعد سنة على غزو روسيا لاوكرانيا، تم عقد في دبي معرض دولي للسلاح شاركت فيه بشكل علني شركات سلاح روسيا وعرضت بضاعتها بما في ذلك طائرات مروحية ودبابات وطائرات قتالية. الولايات المتحدة في الحقيقة استخدمت ضغط كبير وحتى أنها فرضت عقوبات على بعض الشركات والاشخاص في الدولة المشتبه فيهم بتقديم المساعدة على تجاوز العقوبات، وأبو ظبي ايضا وافقت على عدد من الطلبات، بالاساس في كل ما يتعلق بنشاطات البنوك. ورغم ذلك، التوقع هو أن حجم التجارة بين روسيا ودولة الامارات سيبلغ في هذه السنة 10 مليارات دولار تقريبا.
في نفس الوقت أبو ظبي لم ترفع يدها عن اوكرانيا، وفي اعلان وزارة الخارجية هناك في شهر آب تم تفصيل حجم المساعدات التي اعطتها لهذه الدولة، التي تشمل منحة بأكثر من 100 مليون دولار للاحتياجات الانسانية واقامة العيادات وترميم المدارس وارساليات مواد غذائية وادوية بحجم 1000 طن تقريبا، و4250 مولد كهرباء و7500 حاسوب محمول وعشرات آلاف الحقائب المدرسية و50 سيارة اسعاف مزودة بشكل كامل. في نيسان الماضي استكملت الدولتان صياغة اتفاق تعاون تجاري، يشمل ضمن امور اخرى مشاركة دولة الامارات في اعادة اعمار اوكرانيا بعد انتهاء الحرب.
دولة الامارات ليست الدولة العربية الوحيدة في ملعب الدبلوماسية الاقتصادي والانساني في اوكرانيا. قطر هي “منافسة” مهمة، ومثل أبو ظبي ايضا الدوحة ساهمت بمئة مليون دولار كمساعدة لاوكرانيا، وايضا قامت بارسال طائرات تحمل الغذاء والدواء لمساعدة اللاجئين من اوكرانيا الذين يوجدون في دول قريبة، وحتى أنها نجحت في تحرير عشرات الاطفال من اوكرانيا الذين تم اختطافهم الى روسيا اثناء الحرب. لكن رافعة تأثير قطر على روسيا هي محدودة جدا، بسبب أن أبو ظبي تم اختيارها وبحق كهدف مفضل لرجال الاعمال الروس، وايضا قطر اعتبرت في روسيا حتى من بداية الحرب كدولة مع ميول مؤيدة لاوكرانيا، سواء لأنها أيدت قرارات مجلس الامن ضد روسيا أو بسبب أنها سارعت الى التوقيع على اتفاق تزويد الغاز لالمانيا لمواجهة ازمة الطاقة التي سببتها الحرب، وبالتالي فقد قوضت نوايا روسيا في استخدام تزويد الغاز كأداة ضغط ضد العقوبات التي فرضت عليها.
اسرائيل ما زالت غارقة في نظريات خطية بسيطة، التي ترسم خطوط مباشرة بين الضغط والنتائج. نظرة اسرائيل لقطر كدولة معادية تسيطر على قرارات حماس، فقط لأن قيادة حماس تتم استضافتها فيها، والرؤية التي تقول بأنه فقط الضغط الامريكي المناسب على الدوحة يمكن أن يعطي الثمار، مشوبة برؤية استراتيجية ضيقة لا تساعد المفاوضات حول تحرير المخطوفين. هكذا فان اسرائيل تدفع قطر الى موقف معادي، يتم النظر فيه اليها كطرف في الصفقة وليس كوسيطة. واذا حكمنا على الامور انطلاقا من سياستها واستراتيجيتها وسياسة واستراتيجية دولة الامارات فيما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا واوكرانيا فان قطر تهدف الى استكمال صفقة المخطوفين ليس من اجل ارضاء الولايات المتحدة، وبالتأكيد ليس لارضاء اسرائيل، بل من اجل أن تجني مكاسب سياسية واقليمية ودولية، التي يمكن أن يحققها نجاح الصفقة.