هآرتس: قبيل عودة ترامب الى الساحة ايران تستعد مع أوراق مساومة
هآرتس 15/11/2024، تسفي برئيل: قبيل عودة ترامب الى الساحة ايران تستعد مع أوراق مساومة
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان احتفل في هذا الأسبوع بمرور مئة يوم على توليه منصبه، والبشرى غير مفرحة. سعر الريال الإيراني انخفض في هذه الفترة 20 في المئة، وأسعار السلع الأساسية، الكهرباء والمياه والمواصلات، ارتفعت بنسبة 25 – 70 في المئة، وتم اعدام اكثر من 440 شخص، تقريبا ضعف العدد في فترة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي. في القريب يتوقع حدوث أمور صعبة، حيث أن مشروع الميزانية للسنة القادمة يتضمن تخفيض عميق في ميزانية الرفاه وخطة لرفع أسعار الوقود 40 في المئة، الامر الذي سيزيد الخوف من حدوث احتجاجات عامة مثل سابقتها في 2019 التي قتل فيها حوالي 1500 شخص في المواجهات مع قوات الامن. أمام هذه، بالذات ميزانية قوات الامن، وبالاساس ميزانية حرس الثورة، سترتفع 200 في المئة مقارنة مع السنة الماضية. في الخلفية لا يوجد لبزشكيان أي خطة اقتصادية واقعية توضح كيفية تخطيط ايران لمواجهة ليس فقط ازمة المداخيل العميقة، بل أيضا وابل العقوبات الاقتصادية الأخرى التي يتوقع أن تأتي مع احتفال تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد – القديم.
امام “التهديد الأمريكي”، الذي جاء التعبير عنه على شاكلة خلية النحل المناهضة لإيران التي يلف ترامب نفسه بها، ايران تحاول بناء لنفسها منظومة دفاع سياسية، إقليمية ودولية، التي تستند فيها وبشدة على الجيران العرب، وعلى رأسهم السعودية، قطر واتحاد الامارات. ربما أيضا أنها ستكون مستعدة لطرح بادرة حسن نية كبيرة في المجال النووي. الرهان على نوايا ايران حظيت في السابق بقدر كبير من العناوين مثل العنوان الذي نشر في “سكاي نيوز” بالعربية، الذي يقول بأن ايران قررت تأجيل هجوم ردها على إسرائيل الى حين دخول ترامب الى البيت الأبيض.
تقرير آخر اظهر أن ايران قامت بعقد صفقة مع الولايات المتحدة، بحسبها لن تهدد من الآن فصاعدا المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران والتي تعمل في العراق، الأهداف الامريكية والإسرائيلية. في المقابل، العراق سيقوم بتجريد قوات المتمريدين الإيرانيين الاكراد من السلاح، الذين يعملون في أراضيه ضد ايران. حسب التقرير فان هذه الرسالة نقلها قاسم الاعرجي، مستشار الامن القومي العراقي، لنظيره الإيراني بعد أن تحدث رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في يوم الجمعة الماضي مع الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب وعبر له عن تخوفه من أن يتحول العراق الى ساحة حرب في سيناريو لمعركة عسكرية واسعة بين ايران وإسرائيل.
يمكن التقدير بأن التنبؤات ستزداد وستملأ وسائل الاعلام كلما اقترب موعد تنصيب ترامب. الامر الذي لا يعتبر في دائرة التقدير هو زيارة سكرتير الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، الذي هبط في يوم الأربعاء في طهران والتقى أمس مع الرئيس الإيراني ومع وزير الخارجية الإيراني ومع رئيس منظمة الطاقة النووية في ايران محمد إسلامي. هذه هي الزيارة الأولى لغروسي منذ شهر أيار، والتوقعات منها ضئيلة جدا.
في أيلول الماضي، التقى في نيويورك مع عراقجي على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة. في حينه قال غروسي بأنه يلاحظ وجود “نية جدية” من ناحية ايران لاجراء مفاوضات حول قضايا مختلف عليها، وهي غير قليلة. غروسي، الذي هو دبلوماسي مخضرم من اصل يهودي ويعمل منذ عشرات السنين في المجال النووي وتم تعيينه في منصبه، السكرتير العام للطاقة النووية، قبل خمس سنوات، تم اتهامه بميول متفائلة وأن تقاريره حول ايران “لينة جدا”. ولكن لا يوجد لغروسي أوهام بعد أن طردت ايران مجموعة المراقبين الذين عملوا كمفتشين من قبله في المنشآت النووية، وقامت بتخصيب كمية كبيرة من اليورانيوم بمستوى 60 في المئة من خلال خرق فظ للاتفاق النووي الأصلي، وعندما بدأت جهات رفيعة في ايران في الفترة الأخيرة في التحدث عن الحاجة الى “تغيير عقيدة ايران النووية”.
القصد هو العقيدة التي تم وضعها في الفتوى التي نشرها المرشد الأعلى علي خامنئي في 2010 والتي تقول بأن سلاح الدمار الشامل مخالف للاسلام. هذه الفتوى التي اعتبرت من قبل خامنئي فتوى هامة وملزمة اكثر من ميثاق منع انتشار السلاح النووي، يتم تسويقها كنموذج استراتيجي يستهدف الاثبات بأن ايران لا تنوي تطوير السلاح النووي. في أيار الماضي اعلن مستشار شؤون السياسة الخارجية بأن “أي تهديد على وجود ايران سيجبرها على إعادة فحص العقيدة النووية”. أول أمس تصدع هذا الامر مرة أخرى عندما أوضح رئيس المنظمة النووية الإيرانية في مؤتمر صحفي مع غروسي بأن “أي قرار له علاقة بالشؤون النووية الإيرانية سيستقبل بدون شك باجراءات مضادة فورية”. القصد كما يبدو هو نية المانيا وفرنسا وبريطانيا تقديم، في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية في الأسبوع القادم، اقتراح مفصل حول جميع خروقات ايران، وليس فقط تقرير دوري مختصر.
ايران تخشى من هذا التقرير يمكن أن يكون خطوة مهمة قبل التوجه الى مجلس الامن من اجل إعادة فرض العقوبات الدولية بالكامل التي فرضت عليها والتي تم الغاء معظمها في فترة الاتفاق النووي. هذه الخطوة غير خاضعة للفيتو، وكل دولة وقعت على الاتفاق النووي يحق لها فعل ذلك. حتى الآن، رغم الخروقات الأساسية للاتفاق النووي، إلا أن الدول الموقعة امتنعت عن هذا الاجراء الذي يعني الغاء الاتفاق.
في الولاية السابقة لترامب حاول الدفع قدما بإعادة فرض العقوبات، لكن هذه المبادرة تم رفضها بذريعة أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 هي لم تعد عضوة فيه، ولا يحق لها وليس لها صلاحية العمل وفقا لبنوده. ترامب ردا على ذلك سارع الى فرض عقوبات شديدة على ايران، بشكل خاص كجزء من سياسة “الحد الأقصى من الضغط”، التي مارسها على ايران. بعد سنة سينتهي مفعول بند “سناب باك” (التراجع)، لكن حتى لو سارعت الدول التي وقعت على الاتفاق الى تطبيقه فمشكوك فيه أن يكون ذلك كافيا لمعاقبة ايران، لأن العقوبات الامريكية أشد بكثير، وحتى الآن لم يتم العثور على شركات دولية كبيرة تتجرأ على حرقها، حتى لو أنها غير ملزمة فيها قانونيا.
في نفس الوقت مسموح التساؤل أيضا عن حجم التهديد الذي يشكله “تأثير” ترامب على ايران. في 2019، بعد سنة على الانسحاب من الاتفاق النووي، اعلن ترامب بأن “كل ما يجب فعله هو الاتصال والجلوس معي، وعندها يمكننا عقد صفقة، صفقة نزيهة. نحن بالاجمال لا نريد أن يكون لديهم سلاح نووي. هذا ليس كثير، ما نطلبه. نحن سنساعدهم على العودة الى وضع ممتاز”، وعد ترامب. هذا الحديث المتسامح فاجأ حتى الأعضاء الكبار في الإدارة الذين اعتبروه تغيير استراتيجي بعد عرض وزير الخارجية الصقوري مايك بومبيو على ايران طلب انذاري شمل 12 بند، ستكون جزء من الاتفاق النووي الجديد مع ايران، الذي فقط التوقيع عليه وليس على أي اتفاق آخر، سيلغي العقوبات.
هذه البنود شملت، ضمن أمور أخرى، المطالبة بتوقف تخصيب اليورانيوم بأي مستوى وأي كمية، ووقف انتاج الصواريخ البالستية التي يمكن أن تحمل رأس نووي متفجر، والتوقف عن دعم حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي، وسحب كل قوات ايران والقوات التي تؤيد ايران من سوريا، ووقف مساعدة المتمردين الحوثيين في اليمن. من المهم معرفة أي ترامب ينتظر ايران الآن، هل الذي انسحب من الاتفاق النووي أو الذي يطمح الى عقد “صفقة نزيهة”؟ هل سيعيد الى الحياة وثيقة بومبيو الذي ابعده الآن عن محيطه أو أنه سيكتفي بإنجاز في المجال النووي؟.
الافتراض بأن إسرائيل ستحصل على ضوء اخضر من أمريكا لمهاجمة المنشآت النووية في ايران ما زال يحتاج الى دليل، واذا حكمنا على الأمور حسب سياسته في ولايته الأولى فان حرب شاملة في الشرق الأوسط، التي ستجر الولايات المتحدة الى التدخل المباشر، ليست بالضبط ما يطمح اليه، وأيضا هذا ليس ما تطمح اليه ايران.
إضافة الى الازمة الاقتصادية العميقة فيها والتي تجبرها على فحص جيدا نتائج الحرب الشاملة، فان طهران تبنت في السنتين الأخيرتين استراتيجية تستند الى تحسين علاقاتها مع دول المنطقة، لا سيما دول الخليج. حتى الآن سجلت في تطبيقها نجاح غير قليل. ليس فقط أن طهران استأنفت علاقاتها مع الامارات والسعودية، بل هي أصبحت عضوة كاملة العضوية في المنتدى العربي والإسلامي الذي بادرت اليه السعودية في اعقاب الحرب في غزة، الذي يهدف الى وقف الحرب والدفع قدما بحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين.
هكذا هي أيضا نجحت في خلق لنفسها غطاء دفاع سياسي وأن تحطم التقسيم الإقليمي التقليدي بين الدول المؤيدة لامريكا والدول المناوئة لامريكا. في المقابل، هذه المكانة الجديدة يوجد لها ثمن، يقتضي من ايران الاهتمام بالمصالح الأمنية لاصدقائها الجدد، من بينها تهدئة التوتر بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة وتحييد خطر الحرب. شبكة العلاقات الجديدة لم تتوقف في الشرق الأوسط، وقد تم اعدادها للاستخدام في الحوار الاستراتيجي الأكثر أهمية بالنسبة لها، الذي تسعى الى اجرائه مع الولايات المتحدة من اجل رفع العقوبات المفروضة عليها.
ايران تحتفظ باوراق مساومة مهمة، تشمل القدرة على انهاء الحرب في لبنان واستئناف حرية الملاحة في البحر الأحمر، وبالاساس الاتجار بمكونات المشروع النووي. يبدو أنه في هذه المرحلة التي فيها الرئيس الأمريكي لم يقل كلمته بعد، أيضا طهران ستواصل الاحتفاظ بهذه الأوراق قرب صدرها، والوقت ما زال مبكرا للتنبؤ الى أين ستسير العلاقات بين خامنئي وترامب. من الجدير التذكر بأن العقبة الكأداء امام استكمال المفاوضات حول استئناف الاتفاق النووي في عهد الرئيس بايدن، كانت مطالبة ايران الحصول على ضمانات بأن أي اتفاق سيتم التوقيع عليه لن يتم خرقه مرة أخرى من قبل الولايات المتحدة. بايدن كان على استعداد للتعهد بذلك، أنه في ولايته لن يتم خرق الاتفاق. ولكنه أوضح لإيران بأنه لا يمكنه اجبار الكونغرس على سن “قانون ضمانات” أو ضمان أي شيء باسم الرئيس القادم. ترامب الآن هو الرئيس القادم، الذي ضده طلبت ايران هذه الضمانات. والسؤال هو من الذي سيتصل أولا.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook