هآرتس: في لعبة اردوغان في سوريا يوجد ثمن خطير
هآرتس 3/12/2024، تسفي برئيل: في لعبة اردوغان في سوريا يوجد ثمن خطير
معارك مليشيات المتمردين في سوريا، برعاية تركيا، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، تتوسع في الفترة الاخيرة لتصل الى منطقة مدينة حماة بعد السيطرة على جزء كبير من حلب، والقوات الآن تصطدم بالاكراد. خطة الهجوم، التي حتى الآن تواجه معارضة محدودة لسوريا وبهجمات روسية من الجو، ما زالت غير متبلورة. ولكن يبدو أنه في نية المليشيات خلق منطقة عازلة بين الحدود مع تركيا والمحافظات الكردية بصورة تتلاءم جيدا مع الخطة الرئيسية الاستراتيجية لتركيا، التي تطمح الى اقامة “حزام امني” بمسافة 25 – 30 كم على طول الحدود.
تركيا تحاول في الحقيقة التوضيح بأن قواتها لا تشارك بشكل مباشر في القتال، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اعلن بأنه يجب عدم وصف الاحداث في سوريا كتدخل اجنبي، أي تركي. ولكن يصعب ايجاد من يصدق هذا الادعاء. فتركيا قامت برعاية الـ 12 مليشيا التي تعمل باسمها ومن اجلها. وحسب رئيس المعارضة في سوريا التي حصلت على الاعتراف في المجتمع الدولي فان التخطيط للهجوم بدأ قبل سنة ولكن تم تأجيله بسبب الحرب في غزة وفي لبنان.
يصعب الاعتقاد بان انقرة لم تعرف عن الخطط ولم تعط لها الضوء الاخضر. ليس بالصدفة أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يظهر الآن كمن يمسك بيديه زمام الامور العسكرية والسياسية في سوريا. يبدو أنه يطمح الى أن يحقق بواسطة المليشيات ما فشل حتى الآن في تحقيقه بالدبلوماسية. في السنة الماضية حاول اردوغان تلمس طريق عودته الى دمشق، لكنه ووجه برفض مطلق من بشار الاسد. الرئيس السوري طلب أن تقوم تركيا بسحب كل قواتها من سوريا كشرط لاجراء المفاوضات حول استئناف العلاقات التي قطعت في العام 2012، في اعقاب المذبحة التي نفذها الاسد في ابناء شعبه. منذ ذلك الحين تحول الصديقان الحميمان، الاسد واردوغان، الى عدوين لدودين، واردوغان لم يتوقف عن المطالبة بازاحة الاسد عن الحكم.
في نفس الوقت اقتحت القوات التركية الاراضي السورية، وبمساعدة مليشيات مخلصة لانقرة سيطرت على قرى وبلدات في المحافظات الكردية التي طرد الآلاف من سكانها، كثيرون منهم انتقلوا الى حلب وادلب، وفي هذا الاسبوع ذهب ايضا بعضهم في اعقاب المعارك. رغم ذلك فان السيطرة الجغرافية لتركيا على طول الحدود في العمق السوري لم تستكمل بعد. قوات كردية مسلحة، التي تنتظم في اطار “قوات سوريا الديمقراطية” تسيطر على جيوب للاكراد التي تمنع خلق التواصل الذي تطمح اليه تركيا.
هذه القوات تتكون من المقاتلين الاكراد الى جانب المقاتلين العرب. وقد تم تشكيلهم على يد الادارة الامريكية من اجل محاربة داعش، وبعد ذلك اصبحوا بؤرة خلاف رئيسية، التي دهورت العلاقات بين واشنطن وانقرة. في 2019 اقترح اردوغان على الرئيس دونالد ترامب تحمل المسؤولية عن محاربة بقايا داعش بدلا من القوات الكردية. في البداية وافق ترامب على هذا العرض واعلن عن نية سحب القوات الامريكية من سوريا. ولكن في حينه ووجه بانتقاد داخلي شديد ومن المجتمع الدولي واضطر الى أن يتراجع.
فرصة جديدة
دخول جو بايدن الى البيت الابيض مثل حضيض عميق في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، ليس فقط بسبب قضية الاكراد. بايدن اعلنعن الدعم غير المحدود لاكراد سوريا، وخلال اشهر امتنع عن الالتقاء مع اردوغان. فهو ايضا لم يعتبر اردوغان شريكا في ادارة النزاعات الاقليمية، وحتى رفض اقتراحه للتوسط بين روسيا واوكرانيا. اضافة الى ذلك بايدن اصبح هدف لانتقاد الكونغرس بعد مصادقته لتركيا على شراء طائرات “اف16” مقابل موافقة اردوغان انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو. يبدو أنه بعد فوز ترامب في الانتخابات الامريكية فان اردوغان يلاحظ وجود فرصة جديدة لرسم خطوط دفاع تركيا على الحدود مع سوريا، وحتى قطع العلاقة بين واشنطن والقوات الكردية. اردوغان كما يبدو يفترض أن ترامب، المؤيد للانفصال الامريكي، يمكن أن يتبنى الاقتراح القديم، أن تكون تركيا رأس الحربة في الحرب ضد داعش. في هذه الحالة سيكون بالامكان سحب القوات الامريكية من سوريا.
لكن هذه الخطوة ستحتاج الى المصالحة بين تركيا وسوريا، لأنه حسب خطة اردوغان فان الجيش السوري يمكن أن يعيد سيطرته على المحافظات الكردية ويمنع نشاطات القوات الكردية المسلحة التي تعتبر في تركيا “منظمات ارهابية”. سوريا يمكنها مرة اخرى استيعاب 3.5 مليون لاجيء سوري الذين يوجدون الآن في تركيا.
الآن يبدو أنه توجد فرصة للقيام بعملية عسكرية تهدف الى الدفع قدما باستراتيجية اردوغان السياسية، في اعقاب عدد من الاحداث التي تراكمت مؤخرا، مثل فشل الجهود الدبلوماسية لتحقيق اهداف خطة اردوغان في تحقيق مفاوضات مباشرة بينه وبين الاسد، انهاء الحرب بين اسرائيل ولبنان، انشغال روسيا في الحرب في اوكرانيا وضعف نفوذ ايران في سوريا.
صراع المصالح
اردوغان يرى نفسه الآن في المكان المفضل عليه وهو قائد – وسيط يمكنه وقف وتحريك استراتيجية اقليمية وعالمية. سيطرته على مليشياته جلبت له وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، الذي طلب تدخل انقرة لوقف النار التي تهدد نظام الاسد، هذا الى جانب المحادثات الهاتفية التي تم تسلمها من الكرملين. اردوغان اصبح مرة اخرى الزعيم المطلوب وده، الشخص الذي نجح في عقد “اتفاق الحبوب” بين روسيا واوكرانيا، وكان العراب الرئيسي في وقف اطلاق النار بين ارمينيا واذربيجان.
ولكن في المواجهة الحالية الامر لا يتعلق بالوساطة بين الدول أو نزاع بعيد. تركيا هي طرف مشارك وتوجد لها مصلحة في المعركة في سوريا، التي يجب عليها فيها مواجهة مصالح حيوية لايران وروسيا، التي يقف امامها الجيش السوري والقوات الكردية التي تحصل حتى الآن على الدعم الامريكي. واذا بادرت تركيا، أو على الاقل سمحت، لمليشياتها بشن معركة عسكرية لتحقيق اهدافها السياسية، فانه يوجد خوف من أن هذه العملية سيتبين في نهاية المطاف أنها مقامرة خطيرة، وسيصعب توقع اضرارها المحتملة.
مليشيا “هيئة تحرير الشام” هي في الواقع المليشيا الاكبر التي تعمل في سوريا والاكثر تسلحا، ولكنها حتى الآن لا تصل الى حجم الجيش السوري. يوجد لديها سلاح ثقيل وسيارات مصفحة ومسيرات، التي عملت في احياء حلب وحماة، ولكن يجب عليها مواجهة سلاح الجو السوري، وبالاساس سلاح الجو الروسي، الذي يقوم بقصف قواتها، في الوقت الذي تجري فيه معارك قاسية بين المليشيات والقوات الكردية.
ايران وروسيا لم تقولا حتى الآن الكلمة الاخيرة. هما وعدتا بتقديم كل الدعم للاسد، ومئات المقاتلين في المليشيات الشيعية الموجودة في العراق اجتازوا الحدود ودخلوا الى سوريا. اذا اصيبت في هذه المعارك قواعد تركية وجنود اتراك، الذين يوجدون في سوريا، فان تركيا يمكن أن تعتبر ذلك ذريعة للتدخل العسكري المباشر. من هنا فان الطريق قصيرة لحدوث مواجهة بين القوات السورية والقوات التركية واندلاع حرب “واسعة”، ليس بين الملشيات بل بين الدول. هذه النتيجة بعيدة جدا عن السيناريو الذي تتطلع اليه تركيا.