هآرتس: في توقيت حساس جدا، الفيل الإسرائيلي يهدد الجمهور الدرزي في سوريا

هآرتس 4/3/2025، تسفي برئيل: في توقيت حساس جدا، الفيل الإسرائيلي يهدد الجمهور الدرزي في سوريا
تصريحات بنيامين نتنياهو ويسرائيل كاتس في يوم السبت الماضي أثارت ضجة سياسية وإعلامية كبيرة عندما قاما بأمر جيش الدفاع الإسرائيلي بالاستعداد عن الدفاع عن مدينة جرمانا قرب دمشق، التي ينتمي معظم سكانها للطائفة الدرزية. حسب ما نشرت مراسلة صحيفة “هآرتس” شيرين فلاح صعب أمس، فقد تفاعل سكان المدينة والناشطون الدروز مع هذه التصريحات باستغراب وغضب. “نحن نعارض أن يصبح الوضع الحالي سبب للتدخل الخارجي، سواء من إسرائيل أو أي طرف آخر”. الصحيفة نقلت أيضا عن احد السكان، نور الدين، قوله: “هذه مسألة داخلية ويجب أن تبقى كذلك”. وهو ليس الوحيد الذي يقول ذلك.
النفوس اشتعلت ليس فقط في جرمانا، التي جرت فيها في الأسبوع الماضي مواجهات بين المليشيات المحلية وقوات الامن التابعة للنظام الجديد في سوريا. أيضا في السويداء، المحافظة التي يتركز فيها معظم السكان الدروز في سوريا، والتي يعيش فيها الزعماء الروحانيين للطائفة، كانت هناك ردود شديدة. “نحن نرفض أي محاولة لقوات اجنبية تريد أن تفرض علينا أجندتها. نحن أبناء الجنوب (السوري) كنا وما نزال جزء من النسيج السوري الوطني، والدفاع عن مجتمعنا وارضنا هو مسؤوليتنا الوطنية. نحن لن نقبل أي تهديد يأتي من الخارج تحت أي مبرر”، اعلن الشيخ ليث بلعوص، ابن الزعيم الروحي الدرزي وحيد بلعوص، الذي قتل في العام 2015، كما يبدو على يد عملاء لنظام الأسد. وحيد بلعوص قام بتاسيس مليشيا درزية كبيرة باسم “رجال الشرف”.
ما تم تفسيره بأنه تدخل صارخ وغير مرغوب فيه من قبل إسرائيل في شؤون الطائفة الدرزية في سوريا، جاء في فترة حساسة بشكل خاص، التي فيها النظام السوري برئاسة احمد الشرع يبذل جهود كبيرة من اجل بلورة الجيش السوري الوطني الجديد. المعنى هو تفكيك عشرات المليشيات المسلحة التي تعمل في الدولة، ومن بينها المليشيات الدرزية، ودمجها في صفوف الجيش المستقبلي. لتحقيق هذه الطموحات فانه تقف امام الشرع بؤر قوة محلية قوية، بؤرة الاكراد في شمال الدولة وبؤرة الدروز في جنوب الدولة. ولكن عندما يتحدثون في إسرائيل بشكل اجمال ومضلل عن “الدروز” أو “الاكراد” فانه تحت الأرض وفوقها تحدث صراعات قوة داخلية داخل هذه الأقليات حول الطريقة التي يجدر التعامل فيها مع النظام السوري.
في كل ما يتعلق بالدروز يكفي فحص العدد الكبير للمليشيات الدرزية في السويداء، وحقيقة أن الطائفة الدرزية تتم ادارتها بشكل تقليدي من قبل ثلاثة زعماء روحانيين – سلالة زعامتهم بدأت في الفترة العثمانية وهم ليسوا دائما يتحدثون بصوت واحد – كي ندرك بأن الامر لا يتعلق بقيادة واحدة، تمثل سياسة متبلورة ومتفق عليها. التاريخ غير البعيد يوفر لنا الكثير من الأمثلة عن الخلافات في الطائفة، سواء فيما يتعلق بالنظام القديم والنظام الجديد في سوريا أو فيما يتعلق بإسرائيل.
عندما في العام 2015 مثلا وصلت تبرعات مالية كبيرة من الدروز في إسرائيل لقيادة الطائفة في السويداء، الشيخ وحيد بلعوص شكرهم جدا على هذه التبرعات. ولكنه سارع وأوضح بأن “إسرائيل هي عدوة العرب، وعدو العرب هو أيضا عدو لنا”. هذه التبرعات بالمناسبة استخدمت لشراء السلاح الذي استهدف الدفاع عن منطقة السويداء من هجمات مقاتلي جبهة النصرة، المنظمة الأم لاحمد الشرع، التي اصبحت بعد ذلك “هيئة تحرير الشام”، التي في كانون الأول الماضي قامت باسقاط نظام الأسد. هذه لم تكن المواجهة الدموية الوحيدة بين الدروز ومقاتلي الشرع. مواجهات دموية أخرى كانت في مدينة ادلب، المعقل الرئيسي للمتمردين بعد انسحابهم من محافظات الأخرى، التي انطلق منها الهجوم على نظام الأسد في كانون الأول الماضي.
في نفس السنة، 2015، حدثت مواجهات عنيفة في قرية قلب اللوزة في محافظة ادلب بين قوات جبهة النصرة والدروز سكان جبل السماق. 23 درزي قتلوا في هذه المواجهات التي حدثت على خلفية طلب أحد مقاتلي جبهة النصرة تجريد أحد الدروز من ممتلكاته بذريعة أنه يخدم في الجيش السوري. هذا كان طلب خرق التفاهمات التي تم التوقيع عليها بين الدروز في قلب اللوزة وبين جبهة النصرة، التي احتلت منطقة مدينة ادلب في بداية السنة. حسب هذه التفاهمات “وافق” الدروز على تبني الإسلام السني والتخلي عن الدرزية وتطبيق الشريعة الإسلامية في القرية. لذلك، من سيعارض هذه التفاهمات سيتم تقديمه لمحاكمة دينية، وفي المقابل سيحصل الدروز على الحماية وسيعتبرون جزء لا يتجزأ من السكان الموالين للجبهة.
ابحار حذر
في نفس الوقت الإخلاص لنظام الأسد الذي كان يمكن أن يحمي الطائفة من هجمات المتمردين كان محل امتحان إزاء عجز الأسد، الذي بالفعل تخلى عن أبناء الطائفة ورفض توفير لهم السلاح الثقيل للدفاع عن انفسهم، وفي نفس الوقت طلب منهم ارسال ابناءهم الى الجيش السوري. الدروز في معظمهم رفضوا التعاون مع الأسد في حربه ضد المتمردين، لكن هنا أيضا حدث خلاف بين زعيمين روحيين، الشيخ بلعوص عارض التعاون مع الأسد، في حين أن الشيخ حسين الجربوع شجع على التجند للجيش السوري. وعندما توفي الجربوع في 2012 قال الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط “أنا لا أنوي أن اذرف أي دمعة على من قام حتى يومه الأخير بتأييد النظام الذي ذبح أبناء شعبه، ووزع السلاح على شبيحة النظام”. ابن الجربوع يوسف ورث مكان والده وهو اليوم أيضا قائد أحد المليشيات الدرزية الكبيرة في السويداء.
الندب التي تركتها المواجهات بين قيادة الدروز وبين نظام الأسد من جهة، ورجال جبهة النصرة التابعة للشرع من جهة أخرى، بعيدة عن الالتئام. وهي الآن تؤثر على الأسلوب الذي ستحاول فيه قيادة الدروز في سوريا شق الطريق نحو النظام الجديد. الخلاف الأساسي في داخل الطائفة يتعلق بنزع سلاح المليشيات. قبل فترة قصيرة اصدر الشيخ حكمت الهاجري، وهو الزعيم الروحي الذي يعتبر صاحب التأثير الأكبر، فتوى تقول بأنه يمكن التحدث عن نزع السلاح وتسليمه للنظام فقط عندما سيتم تأسيس جيش سوري وطني جديد وتتم صياغة دستور جديد. في المقابل، بعض رؤساء المليشيات الكبيرة في السويداء قالوا بأنه في كل الحالات يجب عدم نزع السلاح. هم يستندون الى التجربة التاريخية الصعبة للدروز في سوريا، ويتغذون على الشكوك والتخوفات الثقيلة من الرئيس الجديد، الذي قبل بضع سنوات فقط شن نضال دموي ضد أبناء الطائفة. مع ذلك هم لا يرغبون في أن يظهروا كمن يستعينون بقوات اجنبية، ناهيك عن أن تكون إسرائيلية، كي يبنوا لانفسهم سور واقي امام نوايا النظام.
مثلما تصرف الدروز في فترة الأسد، أيضا الآن يجب عليهم السير في حقل الغام، لأن الامر لا يتعلق فقط في مسألة السلاح واستمرار عمل المليشيات الدرزية المسلحة، التي تواجه أيضا عشرات المليشيات “الخاصة”، وعصابات جريمة ازدهرت في منطقة السويداء ودرعا في عهد الأسد، ومنذ سقوطه ازداد نشاطها. الدروز مثل الاكراد يطمحون الى حكم ذاتي ثقافي والحفاظ على الإدارة المحلية التي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال. حتى الآن من غير المعروف اين هي وجهة الشرع، وما هو نوع الدولة التي ينوي اقامتها. في هذا الوضع الخوف، ليس فقط خوف الدروز بل خوف معظم المواطنين في سوريا وحتى حلفاء الرئيس الجديد، هو أن تصبح سوريا دورة شريعة متعصبة. امام هذا الخوف فان ضرورة الحفاظ على التميز الديني والطائفي، وحماية أبناء الطائفة بدون التدهور الى مواجهات مسلحة وعنيفة مع النظام تجبر قيادة الطائفة على شق الطريق بحذر، لا سيما الآن، لأن النظام بدأ في عملية صياغة الدستور الذي سيشكل طابع الدولة ومكانة الأقليات الدينية والعرقية فيها. التدخل الفظ والمتغطرس والمهدد لإسرائيل، التي تطرح نفسها كراعية الطائفة الدرزية في سوريا، هو آخر شيء تحتاجه الطائفة.