ترجمات عبرية

هآرتس: في الطريق الى الانتحار الجماعي: معظم الجمهور الاسرائيلي اختار غض النظر

هآرتس 4/6/2025، نمرود ألونيفي الطريق الى الانتحار الجماعي: معظم الجمهور الاسرائيلي اختار غض النظر

دولة اسرائيل، بيتنا المشترك، دخلت الى مسار الانتحار الجماعي. ومثلما في النماذج المشتركة لمآسي كبيرة، شخصية وجماعية، الكارثة الفظيعة التي يجلبها الاسرائيليين على انفسهم تنبع من رؤية غير سليمة للواقع، من التفسير المشوه للحقائق والخطوات، الى الوعي الكاذب الذي يفضل الاكاذيب المعزية على الحقائق المتحدية، وهو السقوط الفظيع للغطرسة و “الأنا” المضخمة اكثر من اللازم، الى الذات الفاشلة التي تنفي عيوبها.

سنبدأ بـ “الحقيقة الاجمالية” في السطر الاخير. في اعقاب السياسة الفاشلة للحكومة هزمت اسرائيل في الحرب امام حماس، وهي تواصل في فقدان مكانتها ومواردها كلما استمرت الحرب. في ذلك اليوم الفظيع، 7 تشرين الاول 2023، فاجات حماس اسرائيل وسيطرت على مستوطناتها وقتلت بوحشية 1163 شخص مدني وجندي، واخذت 251 اسير مخطوف. اكثر من 500 اسرائيلي، من المدنيين والجنود، قتلوا منذ ذلك الحين ايضا، وجمهور واسع ترك مستوطنات الشمال.

الهزائم لا تقتصر على ساحة المعركة. مكانة اسرائيل ضعفت في التصنيفات الدولية، التي تقيس الساحة الاقتصادية والديمقراطية؛ العجز في الميزانية ازداد؛ الانقسام والكراهية في المجتمع تزداد؛ اسرائيل تم تقديمها للقضاء في محكمة العدل الدولية بسبب الحرب التدميرية، التي قتلت فيها تقريبا 16 ألف طفل، وبسبب التطهير العرقي والتجويع الجماعي – الامر الذي يزيد العداء لها من جانب اصدقاء سابقين الى درجة مقاطعتها.

كل تصفيات قادة حماس وتدمير البنى التحتية للحياة في غزة لا تحمل معها أي عزاء أو شعور بالتخفيف او النصر. المخطوفون لم يعودوا بعد، وحماس لم يتم استئصالها بعد، واسرائيل ضائعة، معزولة ويائسة اكثر من أي وقت مضى.

الحقيقة الثانية اكثر جوهرية واهمية، وموضوعها العوامل التي اوصلتنا الى شفا الموت، وتقربنا من الانتحار الجماعي. اغلبية الجمهور الاسرائيل، بما يشبه ظاهرة نفي ازمة المناخ والحقائق العلمية بدافع الطمع، اختارت التغاضي عن المعرفة. في السنوات الاخيرة ترسخت فكرة التفوق اليهودي، والسلطة المتغطرسة المتمثلة في “أنا ولا شيء غير”، والاوهام المسيحانية – في نفس الوقت صورة ذاتية لا اساس لها من الصحة تصور اسرائيل بانها الضحية المحقة والاخلاقية. نحن دخلنا الى حالة جنون العظمة.

فشل تلو الفشل، تصور خاطيء يحل مكان سابقه، في المعركة العسكرية، السياسية، القضائية، الديمقراطية، المواصلات، الاكاديميا والتعليم – جميعها اعراض لنفس المرض. النبي حبكوك شخص هذه الظاهرة بايجاز: “لان الشر يتوج الصدّيق فان الحكم يكون ملتويا”. شكسبير وصف ذلك على النحو التالي: “غطرسة المتكبرين والحكام وكل الرجس، التي يرثها الصدّيقون من ايدي الاشخاص العاجزين” (هاملت). عاغنون أكد ايضا على ذلك عندما قال: “الاغبياء والاشرار يقفزون وياتون وياخذون العالم في ايديهم ويديرونه حسب خبثهم وغبائهم… كل شيء يشاهدونه يستولون عليه ولا يتركونه. لأنه اذا تنازلوا عنه فانه ليس لهم ما يفعلونه في العالم. بناء على ذلك فان كل حياتهم هي مؤامرة فقط من اجل امساك العالم بأيديهم” (قصيدة).

صحيح ان اسباب هذا المرض ترتبط ايضا بالوباء العالمي لعهد “ما بعد الحقيقة”، والهجوم الكثيف على مؤسسات الثقافة والسلطة الخاصة المتمثلة في الاكاديميا، العلوم، القضاء، التعليم والفن، لكن قصر النظر هذا هاجم المجتمعات قبل فترة طويلة من عصر “ما بعد الحقيقة” – اليسار الستاليني، اليمين الفاشي، الانظمة العسكرية التي دمرت دول امريكا اللاتينية، القومية المتطرفة في تركيا والمجر والاصولية القمعية في افغانستان وحماس، ليست إلا امثلة قليلة.

بكلمات اخرى، اسرائيل خاصتنا وقفت على مسار الانتحار لأن نظرية القوة لزعماءنا، التي قبل ذلك استندت الى التنور الانتقادي والديمقراطي، الذي يدرك تعقيد الواقع وتفوق الفكر العقلاني والاخلاق الانسانية، تعتمد الآن على القوة الغاشمة التي تقاس بتمجيد السلطة واخضاع الانتقاد الداخلي، اضافة الى اسكات حراس العتبة والتدمير الشامل للاعداء من الخارج. في مثل هذا المناخ الثقافي تضعف قدرة الجمهور على الصمود والتاقلم مع الحقائق المتحدية، ويزداد لديه الميل الى الانخداع بالاوهام الجماعية والاكاذيب المعزية.

من يعتقد ان الامر يتعلق بنخبة متعالية يجب عليه توجيه الشكوى ضد مصادر السلطة للاخلاق الانسانية: انبياء التوراة الذين تحدثوا ضد اصحاب السلطة وضد الظلم، مثل سقراط الذي وقف في وجه القضاة، وغاليلو الذي اضطهدته الكنيسة، واميل زولا الذي دافع عن درايفوس ضد المؤسسة العسكرية والدولة كلها، وهم الاخيار في أمم العالم الذين خاطروا بحياتهم في ظل الانظمة الاستبدادية، والمحاربون من اجل العدالة الذين قاتلوا العنصرية المؤسسية والقوة الوحشية من اجل عالم يحكمه العقل والانسانية والعدالة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى