ترجمات عبرية

هآرتس: على ايران ان تحسم اذا كانت مكانة حزب الله تستحق سحق لبنان

هآرتس  27/9/2024، تسفي برئيلعلى ايران ان تحسم اذا كانت مكانة حزب الله تستحق سحق لبنان

“18 ساعة تكفي من اجل الوصول من بيروت الى كاليفورنيا، أو من اجل السفر من القطب الشمالي الى القطب الجنوبي. ولكن منذ صباح يوم الاثنين وحتى صباح يوم الثلاثاء حدث “الخروج” المتسرع والقسري والمثير لليأس لاكثر من مليون شخص دفعة واحدة. 18 ساعة على الاقل قضاها سكان جنوب لبنان في محاولة لقطع مسافة تبلغ 80 كم”. هكذا وصف المراسل اللبناني يوسف بازي رحلة هرب مئات آلاف السكان من المناطق التي تتعرض للقصف في الجنوب للبحث عن مأوى وملجأ.

الصور والافلام التي تنشر في الفترة الاخيرة في الشبكات الاجتماعية تشبه بشكل كبير الصور التي تمت مشاهدتها في بداية الحرب في قطاع غزة. ايضا هناك تحول مئات الآلاف الى لاجئين للمرة الثانية، وبعد ذلك للمرة الثالثة والرابعة، في الوقت الذي كان يتم أمرهم بالانتقال من “منطقة آمنة” الى منطقة اخرى وبالعكس. حزب الله تعهد بالمساعدة في اعادة بناء القرى والبلدات التي هدمت بعد انتهاء الحرب. اضافة الى ذلك حزب الله نشر قائمة مفصلة لوجبات المساعدة التي يقدمها للمهجرين، والمبالغ التي خصصها لاستئجار شقق لمن تم تدمير بيوتهم. ولكن في الفوضى الكبيرة التي حدثت فانه لا أحد يعرف الى أين يتوجه، ولا أحد يعرف كيفية العثور على المحتاجين.

الحكومة في لبنان تحاول تهدئة السكان، ووزير الاقتصاد أمين سلام نشر بأنه “لا يوجد نقص في المواد الاساسية”. “الاحتياطي يكفي على الاقل لشهرين، وهناك ما يكفي من الوقود”، قال. ولكنه اعترف بأن هناك صعوبة في تحريك قوافل المواد الغذائية والوقود نحو الجنوب، الى ما وراء صيدا، بسبب عمليات القصف الاسرائيلية التي حسب قوله لا تميز بين الاهداف العسكرية والمدنية. “عندما يقوم الجيش الاسرائيلي بضرب شاحنات الغذاء وسيارات الاسعاف… فان هناك خوف كبير وخطر، لكن يجب علينا ايجاد الحلول، لأنه من غير المعقول توقف نقل المواد الاساسية لسكان الجنوب”، شرح سلام وكأنه محلل وليس الوزير المسؤول عن ايجاد الحلول. السكان الذين تعودوا الى الوعود العبثية وعجز الزعماء لا ينتظرون الى أن تجد حكومتهم النظرية الحلول. فهم ينقضون على محلات السوبرماركت ومحطات الوقود والمخازن، ويضطرون الى دفع ثمنا باهظا مقابل الربط بين غزة ولبنان، الذي جرى باسمهم بمبادرة من حزب الله.

بما يشبه اوضاع كثيرة اخرى، وحتى بما يشبه ما حدث في اسرائيل منذ فترة قصيرة، عندما ادرك اللبنانيون أن الحكومة لا تعمل أو لا تستجيب لاحتياجاتهم، خرجوا هم ايضا الى مبادرات شخصية. فهم يقومون بجمع الغذاء والملابس والسلع الاساسية للاطفال ويقومون بتوزيعها على المهجرين، هؤلاء لا يمكنهم سد النقص الذي حدث في الدولة في مجالات كثيرة. وبالتالي، المشكلة الرئيسية التي تظهر هي توفير الكهرباء. فقط في الشهر الماضي اغلقت شركة الكهرباء الوطنية محطة الطاقة الاخيرة في الدولة بسبب نقص الوقود. ومنذ ذلك الحين وصلت في الحقيقة ارسالية وقود من الجزائر، وارسالية اخرى يتوقع أن تصل من العراق. ولكن في هذا الاسبوع اعلن وزير الطاقة والمياه، وليد فياض، بأنه اذا يصل تزويد جديد فان الكمية الموجودة في المخازن ستكفي لـ 12 يوم فقط، هذا قبل أن تقرر اسرائيل المس بالبنى التحتية للطاقة في لبنان.

رغم أن الكثير من البيوت في لبنان يوجد فيها مولدات، إلا أنه بدون توفير مستمر للوقود ايضا هذه المولدات يمكن أن تتوقف. اضافة الى ذلك منذ أن بدأت الهجرة الكبيرة من الجنوب فان كمية الكهرباء المستهلكة في بيروت ومحيطها ازدادت بثلاثة اضعاف، الامر الذي يزيد العبء. التغييرات الديمغرافية المفاجئة يوجد لها ايضا نتائج اجتماعية مهددة، حيث أن معظم المهجرين جاءوا من القرى الشيعية. وعندما يتوجهون الى الشمال، سواء الى مدينة طرابلس السنية أو الى الاحياء المسيحية في بيروت، فانه تبدأ الاحتكاكات بين المواطنين. وفي هذه الاثناء هذا الامر وجد تعبيره بالاساس بازالة صور حسن نصر الله عن سيارات المهجرين. ورغم ذلك فانه كلما استمرت المعاناة والغضب، والخوف من ظهور خارطة ديمغرافية جديدة في لبنان، فان هذه الاحتكاكات قد تؤدي الى صراعات عنيفة تصبح ساحات قتال بين الطوائف.

في الايام الاخيرة تحاول وسائل اعلام حزب الله تبديد الانطباع القاسي للضائقة. فهي تصف كيف أن اعضاء الحزب ينظمون الاسرة والطعام للمهجرين. في الحزب ينفون التقارير التي بحسبها حوالي نصف سكان الضاحية هربوا من بيوتهم، ويحاولون اقناع الناس بأن موجة الهجرة “ستستقر وستتم معالجتها من قبل اعضاء الحزب”. ولكن في الوضع الذي لا يوجد فيه في الحزب منظومات اتصال قوية، والنشطاء المدنيون فيه مجندون للجهود القتالية وملء صفوف المقاتلين الذين قتلوا فان حزب الله قريب من مفترق طرق لاتخاذ قرار. هذا يمكن أن يجبره على الموافقة على اقتراح لوقف مؤقت لاطلاق النار، وبعد ذلك الموافقة على تسوية سياسية معينة.

في هذا المفترق اللعبة لا توجد فقط في يد حسن نصر الله. الضغط الدولي والعربي آخذ في الازدياد، اضافة الى الانتقاد الشديد، ليس فقط لحزب الله بل ايضا لايران”.صحيفة “عكاظ” السعودية نشرت في هذا الاسبوع مقال استثنائي من ناحية حدته، انتقد بالاساس انجرار لبنان الى الحرب. “حرب لبنان الثالثة بدأت، وسببها ليس الحكومة بل احزاب ومليشيات سلبت حق الدولة والشعب في حياة كريمة”، كتب في المقال. “هذا سر غريب جدا من اسرار لبنان، الذي فيه الحكومة اضعف بكثير من الاحزاب الى درجة أن الوضع وصل الى درجة شل كل الحكومة. هذا وضع خطير جدا، الدولة فيه توجد تحت حماية حزب، وهي تواجه اسرائيل من اجل مصالح ايرانية، وليس مصالح لبنانية أو عربية”. هذا الانتقاد الذي يعكس المزاج السائد في البلاط الملكي في السعودية يقوض ارادة القتال لدى حزب الله ويلغي راية التضامن مع الفلسطينيين التي يرفعها من اجل تبرير هذه الحرب. اضافة الى ذلك هذا الانتقاد موجه مباشرة الى طهران، بين السطور في هذا المقال، التي وضعت لنفسها هدف استراتيجي، تحسين علاقاتها مع الدول العربية واستئناف العلاقات مع دولة الامارات والسعودية والطموح الى استئناف علاقاتها مع مصر ايضا – هي التي تطلق النار على قدمها. بواسطة وكيلها في لبنان فان ايران تسيطر على دولة عربية وتعيد مرة اخرى الى الخطاب العام العربي الخوف من “تصدير الثورة الاسلامية”.

هذه جبهة سياسية لا تريد ايران أن تخسر فيها. الرئيس الايراني، مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية الايراني عباس عراكتشي، يحاولان تسويق سياسة خارجية جديدة. هما يريدان الدفع قدما بالحوار مع الغرب، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، من اجل رفع العقوبات. حتى أن الزعيم الاعلى في ايران، علي خامنئي، قال نحن لا نلغي الدبلوماسية اذا كانت تحقق مصالح الدولة. وفي نفس الوقت طهران ترسل اشارات عن استعدادها لاستئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي، هذه جعلت حتى رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، يقول بأن ايران جدية في نواياها، وأنه يتوقع أن يقوم بزيارة طهران في الشهر القادم والالتقاء مع بزشكيان.

رغم ذلك ربما أن ايران يجب عليها قبل ذلك تسديد الورقة اللبنانية. ممثلو المانيا، فرنسا وبصورة غير مباشرة امريكا، يجرون منذ ايام اتصالات كثيفة مع جهات رفيعة في ايران، وتشارك في ذلك دول عربية مثل سلطنة عمان وقطر واتحاد الامارات. حسب بعض التقارير فان ايران رفضت في هذه الاثناء طلب حزب الله مساعدته في تورط عسكري. في المقابل، ممثلو المليشيات الشيعية في ايران والحوثيون ورجال حزب الله، الذين التقوا في يوم الاثنين الماضي في بغداد، تعهدوا بشكل علني بالمشاركة في الحرب وارسال آلاف المقاتلين عبر سوريا اذا قامت اسرائيل بغزو لبنان.

ولكن عندما يكون موضوع على الطاولة اقتراح امريكي – فرنسي لوقف النار لمدة ثلاثة اسابيع، فان حزب الله وايران يجب عليهم تقرير الذخر الاستراتيجي الذي يريدون الحفاظ عليه. هل سيختارون مواصلة الحفاظ على قدرة حزب الله على السيطرة في لبنان في الوقت الذي فيه الضغط الداخلي في الدولة آخذ في الازدياد، أو أنهم يريدون الحفاظ على مكانة وسمعة حزب الله على اعتبار أنه هو الذي يدير “وحدة الساحات”، والجهة التي دفعت الثمن الاكبر، باستثناء حماس، مقابل اسهامه في نضال الفلسطينيين على ظهر مواطني لبنان.

ايران اثبتت في السابق بأنها مستعدة “لشرب كأس السم”، حسب الزعيم الايراني السابق آية الله الخميني، الذي قال ذلك عندما وافق في 1988 على انهاء الحرب مع العراق. بعد بضع سنوات على ذلك صك الزعيم الاعلى مفهوم “المرونة البطولية” عندما سمح للرئيس حسن روحاني بالبدء في المفاوضات حول الاتفاق النووي في 2013.

في الحرب في غزة ايران وضعت نفسها كمراقب غير مسؤول حتى عن تفعيل وكلائها. في الاسبوع الماضي قال وزير خارجية ايران “في كل ما يتعلق بلبنان فانه من الطبيعي أن يتخذ حزب الله قراراته بنفسه وأن يرد وفقا لذلك”. أي أن هذه قضية خاصة بحزب الله، لا تحتاج أي قرار أو تدخل من ايران. هذه الصورة الظاهرية هي ضرورية الآن، لأن ايران يمكنها الاعتماد عليها اذا قرر حزب الله الموافقة على وقف اطلاق النار بدون المس بمكانتها.

لكن “الحفاظ على الكرامة”، هو فقط مركب واحد في معادلة ايران. الحرب الشاملة أو حتى استمرار الحرب في الاطار الحالي، يمكن أن تزيد بشكل لا يمكن تحمله الضغط الداخلي في لبنان، ومن هنا الخوف ايضا من فقدان سيطرة حزب الله المدنية، وبعد ذلك سيطرته السياسية في لبنان. في هذه الاثناء حزب الله يمكنه الاعتماد على رفض اسرائيل لتبني اقتراح  وقف اطلاق النار والانتظار الى حين ازدياد الضغط الدولي عليها، وتآكل الشرعية ايضا التي حصلت عليها حربها في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى