ترجمات عبرية

هآرتس: على الأرض وتحتها مشكلة فيلادلفيا تتواصل منذ عقود

هآرتس 26/8/2024، بار بيلغ وعوفر اديرت: على الأرض وتحتها مشكلة فيلادلفيا تتواصل منذ عقود

عوفر اديرت
عوفر اديرت

للوهلة الأولى لا يوجد أي شيء خاص في هذه الطريق الترابية التي تمتد على طول الـ 14 كم من البحر وحتى النقب. لا يوجد غطاء نباتات حول هذه الطريق، ولا أحد يعيش قربها، وحتى لافتة تحمل اسم لا يوجد. اثناء السفر في هذه الطريق يمكن رؤية جدار وعدد من المواقع العسكرية بجانبه. من الشمال وعلى بعد بضعة مئات الأمتار يقف الواحد الى جانب الآخر انقاض مبان كانت قائمة هناك. قبل بضعة اشهر كان يعيش هناك أناس، ولكن الآن هذه المباني هي مجرد ذكرى من الماضي – معبر رفح أو ما تبقى منه.

هذا هو محور فيلادلفيا بجلاله. ممر للحركة، يخدم الآن بالأساس الجيش الإسرائيلي الذي يعمل فيه مع معدات هندسية. ولكن الامر الذي جعل هذا المحور عائقا امام صفقة التبادل ووقف اطلاق النار ليس ما يظهر فوقه، بل ما حدث خلال سنوات تحته. “الانفاق هي كل القصة”، كتب هنا عاموس هرئيل قبل عشرين سنة. “هي سمحت بنقل السلاح والأشخاص والبضائع من طرفي الحدود”.

في الفترة الأخيرة عاد خط الحدود الذي يفصل بين القطاع ومصر الى العناوين. اسم محور فيلادلفيا  كعنصر مهم في النقاشات حول أي صفقة مستقبلية مع حماس. فهل إسرائيل “لن تخرج في أي حالة من محور فيلادلفيا”، كما تعهد رئيس الحكومة نتنياهو؟ أو أن “الخلاف على محور فيلادلفيا قابل للحل”، كما اقتبست مؤخرا “مصادر إسرائيلية”؟، وما الذي يقولونه في جهاز الامن؟ الى جانب من يطالبون بالتمسك بهذا المحور بكل القوة، هناك أيضا عدد غير قليل من الجهات الرفيعة تقول بأنه حتى لو قمنا بتركه فانه ستكون هناك احتمالية للعودة اليه. الآن عندما يكون مصير المخطوفين والتهدئة وربما حتى مستقبل الشرق الأوسط توجد على كفة الميزان فان المعادلة تصبح مختلفة.

“الجميع يعرفون أنه يتم تهريب أشياء هناك”، قال للصحيفة الجنرال احتياط غادي شمني. “وهناك انفاق تسافر فيها سيارات تحمل السلاح”. شمني، الذي كان في السابق قائد فرقة غزة وقائد قيادة المنطقة الوسطى، يستمر ويقول “اذا لم تستطع إسرائيل السيطرة، ليس بشكل مباشر، على الحركة في محور فيلادلفيا فانه لن يكون بالإمكان منع تسلح جديد”. وهو يعتقد أيضا أنه مطلوب “حل نوعي للمحور”، لكن “هناك حزن كبير جدا. لماذا استيقظنا الآن؟ نحن لم نفعل أي شيء حيال ذلك منذ سنوات، ولم نذهب الى محور فيلادلفيا في الأيام الأولى للعملية البرية. اذا كان الامر مهم جدا فلماذا لم نذهب من اليوم الأول؟”. 

مسألة التوقيت عادت وطرحت في المحادثات مع رجال أمن كبار. ومثلها أيضا يطرح ادعاء “اذا كان المحور هو مهم واستراتيجي جدا فلماذا لم ندخل اليه في بداية الحرب وانتظرنا حتى شهر أيار”. ضابط رفيع شارك في النقاشات السابقة لدخول القطاع البري كرر الرسالة التي تم اسماعها في الفترة الأخيرة والتي تقول بأن الجيش لم تكن لديه أي خطة لاحتلال كل القطاع، بل فقط الشمال. “هذه فجوة عملياتية هستيرية”، قال. وحسب قوله هو حاول الاقناع باحتلال محور فيلادلفيا في بداية الحرب وفرض الحصار على القطاع، لكنه ووجه بالمعارضة.

النقاشات حول محور فيلادلفيا غير جديدة، وأيضا ليس الانشغال بما يحدث هناك وتأثيره على القطاع والحياة فيه. منذ تدشين المحور في 1982 وحتى الآن، 42 سنة، تم سفك الكثير من الدماء فوقه وتحته. في إسرائيل المحور يعتبر بؤرة إرهاب ويتم تشخيصه كأحد رموز نضال الفلسطينيين. في حماس يعتبرونه أنبوب الاوكسجين للتهريب من مصر، التي من ناحيتها لم تسارع الى فرض النظام فيه بعد انسحاب إسرائيل منه في اطار عملية الانفصال. 

“لم يكن لمصر أي مصلحة في تولي الامن على الحدود وعلى المعابر الأمنية، لكنها حاولت جني المكاسب من ذلك”، كتب البروفيسور ايلي فوده في كتابه بعنوان “من محظية الى امرأة معروفة للجمهور: العلاقات السرية بين إسرائيل وبين دول واقليات في الشرق الأوسط”. فوده، المستشرق من الجامعة العبرية، قال إن المصريين اعتبروا ذلك فرصة من اجل “زيادة قواتهم المسموح بانتشارها في المنطقة”، حسب اتفاق السلام مع إسرائيل. بعد المفاوضات تم الاتفاق على وضع 750 جندي من حرس الحدود المصري في المنطقة. وقد ارفق الاتفاق بملحق يمنع المساعدة العسكرية ونقل وسائل قتالية للسلطة الفلسطينية من مصر. ذلك بقي على الورق. 

سيطرة حماس على القطاع في 2007 كان يمكن، كما أملوا في إسرائيل، أن تغير مقاربة مصر الضعيفة بشأن التهريب. فوده وثق في كتابه لقاءات مع رجال أمن ومخابرات من مصر ومن إسرائيل، التي عرض فيها الإسرائيليون “شهادات واضحة على تدخل حماس في التهريب بين غزة ومصر، ولكن طالما أن هذه التهريبات كانت باتجاه واحد، من سيناء الى غزة، فان المصريين كانوا اقل قلقا من هذه الظاهرة”.

هذه الاقوال يبدو أنها لم تفاجيء قائد فرقة غزة السابق، ايال ايزنبرغ. فحسب قوله لا يمكن الاعتماد على أي قوة عسكرية اجنبية، وبالتأكيد ليس المصريين، ولا يوجد لإسرائيل أي خيار باستثناء مراقبة التهريب بنفسها. ولكن في هذه الاثناء إعادة المخطوفين هي الأهم. “يجب عقد الصفقة في اسرع وقت”، قال للصحيفة وأضاف. “لقد كانت للحرب اهداف، لا يمكن تحقيقها بالقوة العسكرية فقط. ونتساريم وفيلادلفيا هما ذريعة فقط”.

ما الذي فعلناه في العام 1982؟

نظرة الى تاريخ محور فيلادلفيا تظهر أن مسؤولية مصر عما يحدث هناك ليست وليدة 40 سنة ونيف. عمليا، منذ العام 1982 وحتى تطبيق خطة الانفصال في 2005 كان هذا المحور تحت سيطرة إسرائيل، وهي سيطرة لم تمنع بالكامل التهريب فيه وتحته.

المراسل نيقولا فيلهم، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “ايكونوميست”، كتب في مجلة الدراسات الفلسطينية بأنه في 1983 اكتشف الجيش الإسرائيلي النفق الأول هناك. العلامة الفارقة المهمة التالية كانت 1987، وهي السنة التي تم فيها تأسيس حماس. في كانون الأول من نفس السنة عند اندلاع الانتفاضة الأولى كانت حادثة اطلاق نار على المحور للمرة الأولى منذ التوقيع على اتفاق السلام. “لقد قاموا بقطع الجدار الحدودي مع مصر وكمنوا لقوة إسرائيلية واصابوا جندي”، نشرت في حينه “هآرتس”.

المحور كان بؤرة إرهاب دائم، وصل الى الذروة في الانتفاضة الثانية في العام 2000. في حينه كتب عاموس هرئيل، سواء التنظيمات الإرهابية الفلسطينية أو القبائل في رفح اعتبرت الانفاق تحت محور فيلادلفيا “شريان الحياة الرئيسي”. “المطلوبون الذين سئموا من الملاحقة الإسرائيلية هربوا عبر الانفاق الى مصر، نشطاء إسلاميون من الخارج وصلوا عبره الى القطاع، ومخربون في رفح خرجوا عبر الانفاق الى شبه جزيرة سيناء كي يتسللوا من هناك الى حدود إسرائيل الجنوبية وتنفيذ العمليات”، قال وأضاف. “الكثير من السلاح النوعي تدفق الى الداخل”. محور فيلادلفيا سمي في حينه “جنة عدن” بالنسبة للمهربين. وخلال الانتفاضة الثانية اكتشف الجيش الإسرائيلي هناك اكثر من 80 نفق. خلال هذه الفترة أيضا استمرت الدماء بالتدفق هناك. 

من اجل منع اكتشاف الانفاق هاجم الفلسطينيون مواقع الجيش الإسرائيلي في المنطقة بواسطة العبوات الناسفة والصواريخ المضادة للدروع والقنابل واطلاق النار من أسلحة خفيفة. حادثتان مختلفتان في اهدافهما نقشتا في الذاكرة الجماعية منذ ذلك الحين. الأولى في 2003 التي قتلت فيها الفتاة الامريكية راتشيل كوري، بسبب اصابتها بجرافة للجيش الإسرائيلي اثناء محاولتها منع بجسدها عمليات هدم بيوت في المحور. الثانية في 2004، في حينه تم تفجير حاملة جنود للجيش الإسرائيلي اثناء نشاطات عملياتية. من هذه الحادثة نتذكر صور جنود الجيش الإسرائيلي وهم يزحفون على الرمال قرب السور في المحور ويحفرون باصابعهم من اجل العثور على بقايا جثث اصدقائهم. في صيف 2005 انسحبت إسرائيل بشكل احادي الجانب من القطاع، وخلال ذلك من محور فيلادلفيا، في اطار خطة الانفصال، والمسؤولية عن المحور تم نقلها لمصر. وقد تم الاحتفاظ لإسرائيل مع ذلك بحقها في إبقاء قوات عسكرية على الحدود بين القطاع ومصر. هذا الحق الذي تم تجسيده للمرة الأولى في 2006، السنة التي فيها تم تهريب الى القطاع اكثر من 20 طن من المواد المتفجرة، كما نشر في “هآرتس”.

الآمال التي علقتها إسرائيل على مصر تلاشت بسرعة، وقامت بتقديم شكوى حول تجاهل أو غض نظر مصر لمعالجة موضوع التهريب”، كما كتب فوده. في الكتاب أشار أيضا الى أنه في 2006 اشتكى رئيس الشباك في حينه يوفال ديسكن للامريكيين بأن مصر لا تفعل بما فيه الكفاية من اجل منع التهريب في الانفاق الى غزة. ديسكن أضاف في حينه بأن لامبالاة مصر لا تنبع من نقص المعلومات، لأن إسرائيل نقلت لمصر كل المعلومات التي توجد لديها، وضمن ذلك أسماء المهربين واماكنهم. مصر، كما قالت إسرائيل، ببساطة غير معنية بمحاربة حماس “لاسباب داخلية”. إضافة الى ذلك كان هناك على مر السنين عدد من التقارير حول نشاطات مصر ضد الانفاق، وضمنها اغراقها بمياه المجاري. بعد ذلك تبين أن هذا كان في افضل الحالات حل مؤقت وجزئي.

ربما أن التفكير بالمياه كان صحيح ولكنه غير دقيق. “في العام 2004 اقترحت حفر قناة على طول محور فيلادلفيا، تكون مرتبطة مع البحر المتوسط”، قال الخبير في الجيولوجيا، البروفيسور آريه آيسر، الذي توفي مؤخرا عن عمر يناهز 95 سنة. “القناة ستخلق ليس فقط عائق فوق الأرض، بل أيضا عائق تحت الأرض نتيجة تدفق المياه وخلق افق مشبع بالمياه الجوفية المالحة”. آيسر اعتقد أن القناة ستجعل حفر الانفاق “مشكلة هندسية معقدة، سيكون من الصعب التغلب عليها”. ولكن زميله الهيدرولوجي، البروفيسور الياهو روزنطال، اعتبر هذا الاقتراح “غريب واحمق”. في الوقت الذي كان يتناقش فيه رجال العلم هؤلاء، التهريب استمر ووصلنا الى وصلنا اليه الآن.

ضابط كبير تحدث مع “هآرتس” على قناعة بأنه لا يوجد أي حل آخر باستثناء تواجد إسرائيل في المحور، ولا يوجد لديه أي شك في ذلك. “اذا لم نتواجد في المحور فمن خلاله سيدخل الأشخاص والسلاح. فهل هناك في الأجهزة الأمنية من هو مستعد لتحمل مخاطرة أنه في الوقت الذي سنعيد فيه سكان كرم أبو سالم والجنوب، سيدخل سلاح سيستخدم ضد الجيش وضد السكان في اللحظة التي تشعر فيها حماس بأنها تستطيع؟”. إلا أن هذا الرأي ليس الرأي الوحيد، أيضا في أوساط الجهات الرفيعة في الحاضر وفي السابق. اذا كان هذا الضابط على قناعة بأنه “لا يمكن التحكم بالمحور من بعيد فانه يجب السيطرة عليه”. الجنرال شمني توجد لديه فكرة مختلفة. فحسب قوله قوة عربية – اجنبية هي ترتيب لن يساعد، لكن توجد أيضا إمكانية لقوة عربية محلية. “لا يوجد مناص من ذلك”، قال. “نحن لن نستطيع التملص من حل فلسطيني شامل وواسع. فقط فلسطينيون توجد لهم مصلحة في النجاح ويعترفون بوجود إسرائيل هم الذين يمكنهم فعل شيء.

“لكن كل ذلك ليس الأساس. يجب التوصل الى صفقة تبادل لأنه لا يوجد لدينا وقت. بسبب أن نتنياهو لا توجد له استراتيجية فان كل ما يقوله هو خداع للجمهور الذي لا يعرف الموضوع بما فيه الكفاية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى