هآرتس: طالما ان الامر يتعلق بنتنياهو فان وقف اطلاق النار سيكون تكرار لما سبقه

هآرتس 6/7/2025، ليزا روزوفسكي: طالما ان الامر يتعلق بنتنياهو فان وقف اطلاق النار سيكون تكرار لما سبقه
عندما سئل الرئيس الامريكي دونالد ترامب عشية يوم الجمعة اذا ما كان لا يزال يهتم بأن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة، اجاب: “الاكثر اهمية هو ان يكون ابناء غزة آمنين”. واضاف “هم مروا بججيم”. في كانون الثاني وشباط عندما هدد مرة تلو الاخرى بجهنم، التي سيتم فتح بابها على حماس، كان يصعب تخيل أي جهنم يقصد. هل واقع مدته سنة ونصف من عمليات القصف اليومية التي سوت معظم اراضي القطاع، وقتلت عشرات الالاف وارسلت مئات الالاف الى مخيمات اللجوء غير المناسبة لعيش البشر، ليست جهنم بحد ذاتها؟. الآن بعد نصف سنة، تبين ان الهاوية التي انشقت تحت اقدام سكان غزة لا يوجد لها قعر.
بعد ثلاثة اشهر من الحصار المطلق التي فيها لم يتم ادخال أي مساعدات انسانية، وخمسة اسابيع تم ادخال الغذاء بالقطارة، وبعد القتل اليومي للسكان الجائعين قرب مراكز التوزيع المسورة التي تذهبوا اليها للبحث عن الطعام، وبعد تدمير معظم المستشفيات وخرجت عن العمل، اصبح من الواضح ان حماس يمكن تصفيتها فقط مع كل غزة، ودفنها ماليا تحت جثث السكان والمخطوفين الذين سيبقون في يدها. ولكن الحكومة التي بترجيح عال ستوقع في الايام القريبة القادمة على صفقة اخرى لوقف اطلاق النار المؤقت واعادة عدد من المخطوفين، لا توجد لها أي نية للتوقف.
طالما ان الامر يتعلق بنتنياهو فان الحرب لن تتوقف طالما ان حماس لم تقم بالقاء سلاحها، حتى لو ظاهريا. المشكلة هي أنه حتى هذا التظاهر حماس غير مستعدة له. ففي تصريحاتها الرسمية هي تستمر في التمسك بالموقف الذي يقول بان نزع السلاح يمكن فقط بعد انهاء الاحتلال، أي على الاقل بعد اقامة الدولة الفلسطينية. من نافل القول ان الامر يتعلق بفكرة سخيفة غير قابلة للتطبيق بالنسبة لاسرائيل.
من ناحية رئيس الحكومة ومحيطه فانه لا يمكن تطبيق “نموذج لبنان” في غزة. في لبنان كانت موافقة من قبل حزب الله على الانسحاب الى ما وراء نهر الليطاني، التي وجدت تعبيرها في اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في نهاية تشرين الثاني. عمليا، اعضاء حزب الله يستمرون في التواجد في جنوب نهر الليطاني ولكن الجيش اللبناني يعمل ضدهم بقدر استطاعته، والجيش الاسرائيلي يقوم باستكمال العمل بواسطة الهجمات من الجو. يبدو ان اتفاق مشابه كان سيكون مرضيا لاسرائيل في غزة، لكن العائق هو الكلمات. في حالة حماس نتنياهو ورجاله يطالبون باستسلام مطلق، وحماس من ناحيتها لن تتنازل عن استمرار المقاومة لنفس الاسباب الرمزية.
المعنى هو انه طالما ان الامر يتعلق باسرائيل فان وقف اطلاق النار الحالي هو تكرار لوقف اطلاق النار السابق الذي دخل الى حيز التنفيذ في كانون الثاني: 60 يوم وربما اقل من الهدنة وبعد ذلك استئناف الهجمات والقتال بذريعة ان حماس غير مستعدة لنزع سلاحها والتنازل بشكل مطلق عن سيطرتها في القطاع. نتنياهو يتوقع أن يستخدم بند في مسودة الاتفاق الذي ينص على ان ترامب والولايات المتحدة ملزمون بان يتم اجراء المفاوضات “بحسن نية”، والادعاء بان حماس تخرقها بسبب تمترسها بمواقفها.
من هنا تاتي مطالبته للجيش اعداد خطة طرد واسع الى جنوب القطاع، هذه المرة من مدينة غزة ومخيمات الوسط، حيث هناك يواصل في هذه الاثناء مئات آلاف الغزيين العيش في ظروف اقسى من جهنم – في مبان مدمرة ومحروقة، وفيها اكياس الارز والطحين تختلط ببودرة العدس المعلقة حتى لا تأكلها الفئران. السكان لم يعودوا يعرفون التفريق بين رجال العصابات المسلحة ورجال حماس، الذين يمكن ان يسرقوا ايضا هذا القليل. الطرد واستئناف الهجمات هي في هذه الاثناء خطة نتنياهو لـ “اليوم التالي” لوقف اطلاق النار، الا اذا اعلنت حماس عن الاستسلام.
في حاشية ترامب، حسب مصادر تتحدث مع كبار رجال البيت الابيض بشكل دائم، يدركون على الاغلب ان تصفية حماس بشكل مطلق لا توجد على الاجندة. جهات رفيعة مثل نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية الامريكي ماركز روبيو يؤيدان مقاربة تشبه المقاربة التي يتبناها منذ فترة طويلة رجال الوسط في اسرائيل، من بينهم غادي ايزنكوت: انقاذ المخطوفين الذين ما زالوا على قيد الحياة وانقاذ جثث القتلى طالما أن ذلك ممكن وتاجيل حل مشكلة حماس الى المستقبل.
المبعوث الخاص للشرق الاوسط، ستيف ويتكوف، الذي يتوقع ان يجري المفاوضات اثناء وقف اطلاق النار، يدرك ان الخطة التي طرحها هي الخيار الوحيد الذي يمكن ان يمر سياسيا بالنسبة لحكومة نتنياهو. هو يأمل ان وقف اطلاق النار المؤقت سيخلق زخم ايجابي يمكن من التوصل الى حل دائم. ولكن، مثلما يبدو الامر الآن وعمليا منذ اشهر كثيرة، الزخم الاكثر ايجابية الذي يمكن ان ينتج هو عزل نتنياهو في محيط ترامب. كلما قامت جهات مثل السفير الافنغلستي مايك هاكبي بالدفاع بشكل اقل عن موقف نتنياهو امام الرئيس فستزداد احتمالية انه في لحظة الحقيقة ترامب “سيتخذ الموقف الصحيح” ويأمر نتنياهو بانهاء الامر.
رقصة التانغو مع سوريا ولبنان تحتاج الى شخصين
من تصريحات السفير الامريكي الاخيرة في تركيا توم براك، الذي يشغل الآن منصب مبعوث ترامب لشؤون سوريا ولبنان، يتضح انه في حاشية ترامب توجد اصوات انتقادية تجاه اسرائيل. في مقابلة مع “نيويورك تايمز” قام براك بتسمية وقف اطلاق النار بين اسرائيل ولبنان بـ “فشل مطلق”، لأن اسرائيل تستمر في قصف لبنان وحزب الله وتواصل خرق شروطه. في اسرائيل يفضلون تفسير هذا الانتقاد بأنه انتقاد موجه بالاساس لحزب الله.
مع ذلك، دبلوماسيون امريكيون الذين يتصلون مع النظام السوري والحكومة اللبنانية، يعرفون ان رقصة التانغو بحاجة الى شخصين. اسرائيل تصمم على سيطرتها على خمسة مواقع في لبنان الى حين يصبح حزب الله غير موجود جنوب الليطاني، وهي العملية التي يعرف الجميع أنها ستستغرق اشهر اذا لم يكن سنوات. ومن يعرف ما الذي سيحدث حتى ذلك الحين. لبنان من ناحيته غير مستعد لمحادثات حول ترسيم الحدود، ولا نريد التحدث عن التطبيع، طالما ان اسرائيل لم تنسحب من اراضيه السيادية المعترف بها رسميا. جميع الاتصالات، التي التسريبات الكثيرة حولها خرجت قبل اشهر، عالقة بدون أي افق ظاهر للعيان.
في سوريا الوضع مشابه بدرجة معينة. اسرائيل غير مستعدة للانسحاب من المنطقة الفاصلة التي سيطرت عليها على الفور بعد سقوط نظام الاسد. الادعاء هو ان اتفاق فصل القوات الذي وقع عليه في 1974 لم يعد ساري المفعول طالما انه لم يتم التوقيع على اتفاق شامل مع سوريا، سواء بصيغة اتفاقات ابراهيم أو نوع من “السلام البارد”، مثلما هي الحال مع مصر أو الاردن. في القدس ايضا غير مستعدين لتمكين نظام الشرع من نشر القوات جنوب دمشق، ويفرضون قيود اخرى على سوريا وعلى راعيتها الرئيسية تركيا. بالنسبة لحاشية نتنياهو فان هذا الموقف المتشدد هو احد الدروس الطبيعية من 7 اكتوبر، لكن ذلك لا يسمح للشرع، الذي تربى في حضن الجهاد ومحاط باشخاص مثله، باجراء أي مفاوضات جدية مع اسرائيل، سواء على عدم الاعتداء، وبالاحرى، ليس حول السلام.
اسرائيل من ناحيتها غير مستعجلة. فطالما انه لا يوجد تهديد فوري لتصعيد مع تركيا (يبدو انه لا يتم اقامة قواعد تركية في هذه المرحلة في سوريا)، وطالما أن سلاح الجو الاسرائيلي يمكنه مهاجمة سوريا أو استخدام سماءها للقيام بطلعات في ايران، فهي غير مضغوطة. ولكن بهذه الوتيرة فان تطبيق حلم ترامب، توسيع اتفاقات ابراهيم، يبدو كهدف بعيد وحتى أنه قابل للتحقق. السؤال المهم هو كم من الوقت يمكن للرئيس الامريكي أن ينتظر رئيس حكومة اسرائيل، في سوريا، لبنان وبالاساس في غزة، بعد ان وقف الى جانبه بشكل مستعجل في ضرب المنشآت النووية في ايران؟.