ترجمات عبرية

هآرتس: سوريا بعد الأسد قد تصبح بلاد ميليشيات

هآرتس 8/12/2024، تسفي برئيل: سوريا بعد الأسد قد تصبح بلاد ميليشيات

صورة المشكال السورية تتغير تقريبا كل ساعة ومعها تتغير الوان خارطة السيطرة للقوات التي تقسم سوريا الى اجزاء. خلال عشرة ايام نجحت قوات المتمردين بقيادة هيئة تحرير الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني، في السيطرة على مدينة حلب، المدينة الثانية من حيث الحجم في الدولة، وعلى مدينة حماة، ووصلت الذروة ليلة أمس عند احتلال حمص ودمشق واعتراف رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي، بأن نظام الرئيس بشار الاسد قد سقط.

في الجنوب سيطرت أمس قوات للمتمردين (غير تابعة لهيئة تحرير الشام) على مدينة السويداء وجزء من محافظة درعا، التي بدأت فيها الحرب الاهلية في 2011. وللمرة الاولى انسحبت قوات النظام من القنيطرة في هضبة الجولان السورية. في الشرق نشر عن سيطرة مليشيات محلية وكردية على اجزاء من مدينة دير الزور ومدينة بوكمال، الموجودة على المحور الرئيسي بين بغداد وسوريا.

المعركة الرئيسية التي شكلت بداية انهيار النظام في سوريا كانت على مدينة حمص، التي تشرف على طريقين، نحو الغرب الى مدينة اللاذقية التي تتركز فيها قوات الجيش السوري وفيها يوجد تجمع كبير من العلويين المؤيدين للنظام، والتي بالاساس في محيطها توجد قواعد روسية. ونحو الجنوب باتجاه العاصمة دمشق.

في الشبكات الاجتماعية، حسب المركز السوري لحقوق الانسان الذي مقره في لندن، وتقارير وموثوقة، فان قوات الجيش السوري وجدت صعوبة في صد الهجوم حتى ولو تلقت مساعدات عن طريق طلعات قصف للطائرات الروسية. اكثر من 300 ألف شخص تركوا بيوتهم حتى الآن، والجنود في الجيش الاسرائيلي هربوا بجموعهم والقوا السلاح، وفي بعض الافلام شوهد رجال مليشيا مؤيدة لايران وهم يتركون مواقعهم ويظهر أنهم يهربون الى منطقة الحدود مع العراق. مثلهم ايضا غادر سوريا ضباط كبار في حرس الثورة الايراني ورجال “قوة القدس”، في حين أن الاردن ولبنان اغلقا أمس المعابر الحدودية بعد سيطرة قوات المتمردين على الجانب السوري للمعابر.

اهداف المعركة العسكرية المخطط لها حسب الجولاني خلال اشهر، هي احتلال دمشق وعزل نظام الاسد. واذا كان ذلك قد ظهر قبل عشرة ايام كهدف طموح جدا – حيث لم يكن معروف في حينه اذا كان الجولاني سينجح في اثارة من جديد العصيان في جنوب سوريا وتنظيم حركة كماشة في الجنوب وفي الشمال وبدون معرفة كيفي سترد ايران وروسيا اللتان منحتا النظام الحزام الامني له وقامتا بالانقلاب الذي اعاد الى سيطرته 70 في المئة من اراضي الدولة – فان التطورات في اليوم الاخير على الارض والخطوات السياسية اثبتت أن هدف زعيم المتمردين المسلمين تحول بسرعة الى هدف واقعي.

ليس فقط أن ايران اخرجت من سوريا جزء من قواتها وقيادتها العليا، وزير الخارجية عباس عراقجي قال في يوم الجمعة بأن “مصير الاسد غير معروف”، بعد ذلك أوضح بأنه لا يوجد أي قرار لايران من اجل ارسال قوات الى سوريا، واذا طلب الاسد فان “ايران ستفحص ذلك”. هذه الصيغة بعيدة جدا عن التعهد السابق الذي نشر فقط قبل بضعة ايام، الذي يقول بأن “ايران ستقف دائما الى جانب سوريا وستدعمها اذا كانت حاجة لذلك”.

روسيا استخدمت سلاح الجو ضد اهداف للمتمردين، لكن ردها لم يقترب من حيث الحجم الى الذي بدأ في شهر ايلول 2015 عندما قررت الدخول في المعركة في سوريا بكامل القوة.

أمس التقى في الدوحة، عاصمة قطر، وزراء خارجية تركيا وايران وروسيا ودول “عملية الاستانة”، التي تم تشكيلها في 2017 بهدف صياغة حل سياسي متفق عليه بين النظام السوري والمعارضة في سوريا، من اجل اتخاذ قرار حول رد محتمل ومحاولة التوصل الى اتفاق لانهاء الحرب. هذه الدول اعلنت عن التطلع الى الحفاظ على “وحدة سوريا”، جغرافيا ونظاميا، ولكن كل واحدة منها يوجد لها تعريف مختلف لسوريا نفسها. بالاساس كل واحدة من دول الاستانة كانت تأمل في أن تحقق لنفسها انجازات سياسية، أو على الاقل اقل قدر من الخسائر. مع ذلك، في ظل غياب قوات مساعدة كبيرة، من ايران وروسيا، لمساعدة النظام السوري فان وتيرة الاحداث المتسارعة أملت واقع جديد على الارض، المتمردون فيه سيطروا على دمشق والاسد هرب من الدولة. اضافة الى ذلك ربما أنه لم يعد بالامكان وقف العملية التي بدأت والتي فيها تفككت سوريا الى محافظات حكم ذاتي، وحتى مستقلة، ستتم ادارتها على يد مليشيات متخاصمة وعصابات محلية.

الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، حاول في السنة الاخيرة تسويق للاسد، بدون نجاح، البدء في مفاوضات مع المتمردين لوقف عملية تفكك سوريا. وحتى بعد بدء هجوم المتمردين عاد اردوغان واقترح اجراء مفاوضات، ولكن مرة اخرى رفض ذلك عندما اشترط الاسد اجراءها بالانسحاب الكامل لتركيا من اراضي سوريا. يبدو أن اردوغان امسك بيده ورقة المساومة الاقوى بكونه حليف ومقدم الحماية والتمويل والتسليح لتحالفين اساسيين للمتمردين، “الجيش السوري الوطني” الذي في السابق عرف باسم “جيش سوريا الحر”، الذي دمج في صفوفه عدد من المليشيات الصغيرة، و”هيئة تحرير الشام” التي بادرت الى شن الهجوم. الرافعة التي توجد لديه تضم التهديد باغلاق قناة التمويل واغلاق المعابر بين تركيا وشمال سوريا، التي تشكل مصدر الدخل الاساسي لهذه المليشيات.

لكن تطورات الايام العشرة الاخيرة تغير وزن رافعة الضغط التركي. مليشيات الجولاني سيطرت على مخازن سلاح ووسائل قتالية ومعدات عسكرية للجيش السوري واعتمادها على السلاح من الخارج انخفض. ايضا خلال السنوات التي تركزت فيها في ادلب بدأت في انتاج السلاح بنفسها، مثل المسيرات والسيارات المصفحة. اضافة الى ذلك الانتصارات السريعة يحاول الجولاني ترجمتها الى مكاسب سياسية له، ولا يوجد أي تأكيد على أنه بعد ذلك سيكون جندي مطيع لتركيا.

الجولاني (42 سنة)، الذي بدأ طريقه كزعيم للقاعدة في سوريا، وفي 2016 انفصل عن المنظمة، اصبح يتحدث ويتصرف كـ “زعيم لكل السوريين”. في مقابلة مع “نيويورك تايمز” في يوم الجمعة قال، ضمن امور اخرى، أنه منفتح على كل الحلول السياسية، ” الآن ليس هو الوقت المناسب لذلك”. هذا الوقت المناسب كما يبدو جاء بعد أن سقطت دمشق والاسد. في غضون ذلك أمر قواته بـ “التعامل باحترام” مع الجنود السوريين الاسرى والمتعاونين معهم. وقد قال أمس إن المؤسسات ستبقى تحت اشراف رئيس الحكومة الجلالي الى حين نقل السلطة رسميا. رجاله ايضا وزعوا ايضا على الشخصيات الكبيرة في سوريا، التي عملت من قبل النظام، “بطاقات حماية” التي من شأنها منع المس بهم في حالة اعتقالهم، وذلك للاثبات بأنه لا يعمل بدافع الانتقام. وبكونه يدرك جيدا أنه مسلم راديكالي، يثير الخوف والقلق من نيته اقامة في سوريا دولة شريعة متشددة، فقد اطلق مؤخرا تصريحات تصالحية وتعهد باحترام الاقليات الدينية والعرقية. 

كبديل للاسد الجولاني لا يمكنه الاستمرار في رؤية ايران وروسيا والمليشيات المتفرعة عنها شركاء محتملين، لكن ايضا الافتراض بأنه يوجد في جيب تركيا يحتاج الى دليل، حيث أنه كـ “زعيم للسوريين” فسيتعين عليه مواجهة خصوم اشداء في الداخل، مثل المليشيات المنافسة التي توجد في السويداء ودرعا، والتي في هذه الاثناء اتحدت معه في جهود اسقاط الاسد، ايضا مواجهة قوات الاكراد التي سارعت في نهاية الاسبوع الى السيطرة على المزيد من المناطق في شمال شرق الدولة. القوات الكردية، التي سيطرت على دير الزور وعلى معبر بوكمال، قامت بمواجهات شديدة مع القوات التركية التي بدورها حاولت السيطرة على مدينة منبج، وهي من المعاقل المهمة للاكراد في غرب نهر الفرات.

توحد قوات الاكراد وقوات هيئة تحرير الشام سيلزم الجولاني بايجاد تسوية بين رغبة الاكراد في الحفاظ على الحكم الذاتي وبين طموح تركيا بابعادهم 20 – 30 كم عن منطقة الحدود. فهل ستوافق تركيا على منح المليشيا الخاصة بها للاكراد انجازات على حساب ما تعتبره تهديد لامنها القومي؟ هل الجولاني، الذي يطمح الى احاطة نفسه بدعم وطني ساحق، سيوافق على مواصلة تركيا شن الحرب ضد الاكراد في حين أنه عمل على اقامة معهم تحالف حكومي؟.

إن انهيار نظام الاسد يعتبر ضربة استراتيجية غير مسبوقة، لم تتكبدها ايران منذ انتهاء الحرب بينها وبين العراق. مقابل تركيا، التي توجد لديها بدائل سياسية يمكن أن تمنحها في سوريا هامش نفوذ اوسع من الذي منحه الاسد، خيارات ايران يمكن أن تتبخر. ليس فقط أن مليارات الدولارات التي اعطتها ايران للاسد بخطوط اعتماد، النفط والسلاح، ذهبت هباء، ومكانة سوريا الاستراتيجية كانبوب الاوكسجين لامتداد ايران في لبنان (حزب الله) – ربما الامتداد الاكثر اهمية – ستكف عن الوجود.

سوريا حافظ الاسد، والد بشار الاسد، كانت الدولة العربية الوحيدة التي ايدت ايران، وليس العراق، في الحرب. ولكن الاسد الأب عرف دائما كيفية الحفاظ على مسافة آمنة من محاولة سيطرة طهران على دمشق، وايران ايضا لم تعتبر الزعيم السوري واحد من جماعتها. الزعيم الاعلى لايران في حينه، آية الله الخميني، قضى بان الاسد ليس شيعي حقيقي، بل هو علماني غير مؤمن. بشار اعتبر الذي حول سوريا الى “محافظة اخرى لايران”، كما صرح قبل سنوات احد فقهاء الشريعة الكبار في ايران، لكنه ايضا امتنع عن الانضمام الى “حلقة النار” ولم يشارك في “وحدة الساحات”، واوقف هجمات “قوة القدس” في حرس الثورة الايراني ضد اسرائيل من اراضي سوريا، وتجاهل هجمات اسرائيل على سوريا ضد الاهداف الايرانية ومنشآتها وقوافل السلاح لحزب الله. ايضا رغم المساعدات الكبيرة التي قدمتها ايران له في الحرب الاهلية، إلا أن نصيبها في المكاسب الاقتصادية اقل بكثير من نصيب روسيا. خلافا للنفوذ الايراني المشروط في سوريا فان لبنان قصة مختلفة. ففي لبنان حزب الله يعطي حتى الآن لايران سيطرة مباشرة وتقريبا غير محدودة. 

الضربة التي حصل عليها حزب الله في لبنان اجبرت ايران على الموافقة على الشروط القاسية من ناحيتها في اتفاق وقف اطلاق النار. حتى الآن هذا الاتفاق ينص على أنه يجب على لبنان نزع سلاح حزب الله، لكن امكانية تنفيذ هذا البند ضئيلة اذا لم تكن معدومة. اضافة الى ذلك حزب الله كمنظمة وحركة وقوة تؤثر في سياسة لبنان ما زال قائما، وهكذا فهو يحافظ على اداة تأثير ايران في لبنان. ولكن اذا نجحت الحرب في سوريا في تقليص مكانة ايران، أو حتى طرد قواتها وقوات حزب الله، والفصل الجغرافي بين حزب الله ومصادره اللوجستية العسكرية، فسيكون هناك تأثير كبير على قدرته على اعادة ترميم نفسه كمنظمة عسكرية.

لكن امام الاحتمالية التي كانت قائمة لتحرير سوريا من نظام الاسد ومن التواجد الايراني فان الدول العربية، التي في معظمها عبرت حتى الآن عن دعمها للاسد وعرضت عليه المساعدة (ليس بالسلاح والجنود) تقلق بالاساس من البديل الذي سيأتي مكانه الآن. سيطرت المليشيات على الدولة، مهما كان طابعها الايديولوجي، يعتبر تهديد للانظمة التقليدية التي تعتمد على السيطرة الاستبدادية. هذا النجاح، كما يبدو في ثورة الربيع العربي، يوجد له تأثير معدٍ، يمكن أن يشجع منظمات وحركات متمردة. في بعض الدول نجحت في الحقيقة حركات التمرد في اسقاط النظام، فقط من اجل العودة الى نظام مستبد بعد ذلك، وفي بعضها مثلما في اليمن وليبيا والسودان تطورت حروب اهلية مزقتها الى شظايا. 

التحدي والتهديد الفوري يكمن في طبيعة النظام الذي سيقوم في سوريا، وتجاه من سيوجه السلاح. ايضا العصيان المدني في 2011 مهد الطريق لسيطرة داعش على مناطق في سوريا والعراق، والآن حسب التقارير فان داعش في سوريا استأنف نشاطاته في عدد من المناطق التي انسحبت منها قوات النظام مثل مدينة تدمر ومنطقة الحدود الصحراوية. عندما يكون هذا هو البديل فان بقاء الاسد في السلطة كان يمكن أن يعتبر ثمن معقول.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى