ترجمات عبرية

هآرتس: رفض نتنياهو لاعطاء افق سياسي للفلسطينيين يحكم على اسرائيل بصراع اقليمي أشد

هآرتس 1/10/2024، تامير باردو ونمرود نوفيك: رفض نتنياهو لاعطاء افق سياسي للفلسطينيين يحكم على اسرائيل بصراع اقليمي أشد

خطاب بنيامين نتنياهو في الجمعية العمومية في الاسبوع الماضي هو خطاب يرتبط بالواقع الامني بشكل أكبر مما يظهر، وهو لا يبشر بالخير. على خلفية الانجازات المدهشة للجيش الاسرائيلي واجهزة الاستخبارات في الساحة الدولية وعلى خلفية المعاني الكبيرة لهذه الانجازات، يبرز غياب رؤية استراتيجية يمكن ترجمتها الى تغيير ايجابي صارخ في المحيط القريب والبعيد. الاخطر من ذلك هو أنه في الوقت الذي فيه رئيس الحكومة في الخطاب كان دقيق في عرض الفرص، فانه في سياسته يضمن تفويتها.

كالعادة، استعان نتنياهو بوسائل مساعدة بصرية، خارطتان تمت الاشارة فيهما الى الخيارات التي توجد امام اسرائيل والمنطقة. الخارطة الاولى باللون الفاتح عرضت ما اطلق عليه “خطة النعمة”، التي اساسها التعاون بين الدول التي تعمل على التقدم والاستقرار، ومن بينها بالطبع اسرائيل. الخارطة الثانية باللون القاتم عرضت ايران ووكلاءها، جميع الذين يسعون الى الشر من حولنا. هم يشكلون “خطة اللعنة”. عرض الواقع صحيح، لكن الاستنتاج غير صحيح. خارطة الشرق الاوسط وبحق تعكس جاهزية معسكرين متعاديين، لكن في سياسته اختار نتنياهو، بشكل متعمد، الابتعاد عن الاندماج في معسكر “النعمة”، والحكم علينا بمواجهة مستمرة مع الذين “يلعنون”. 

المعسكر الاول برئاسة ايران يعمل بطرق عنيفة لتقويض الاستقرار واستغلال عدم الاستقرار لتوسيع دائرة نفوذ نظام آيات الله الظلامي. المعسكر الآخر الذي يشمل الدول التي وقعت على اتفاقات سلام مع اسرائيل، مصر والاردن، والدول التي وقعت على اتفاقات ابراهيم، والسعودية ودول اخرى في الخليج، هو معسكر موحد، سواء من الخوف من تهديد ايران، أو التزامه بالاستقرار الاقليمي الذي يعتبر أمر حيوي لحلم النمو الاقتصادي بروحية برنامج “رؤيا 2030” لولي العهد السعودي وبعض جيرانه.

منذ سنوات ومعسكر “النعمة” يطلب من اسرائيل الانضمام الى صفوفه، سواء في اطار تحالف اقليمي يهدف الى صد ايران ووكلائها، أو من اجل دمج القدرات الاقتصادية، التكنولوجية وغيرها، من اجل رفاه الجميع. هذا الاندماج يشمل ايضا تطبيع العلاقات مع السعودية ودول عربية واسلامية اخرى تنتظر قرارها. 

على الاقل خمس دول من دول التحالف الاقليمي، مصر والاردن واتحاد الامارات والمغرب والسعودية، تعادي حماس وحركة الاخوان المسلمين التي هي الأم. هذه الدول استجابت لدعوة واشنطن، الانضمام الى ما يسمى “مبادرة بايدن”، التي في اطارها يتم تنسيق النشاطات امام ايران، كما تجسد في ليلة هجوم ايران في نيسان الماضي، لكنها ايضا ستتحمل المسؤولية عن ادارة قطاع غزة، بما في ذلك وضع قوات برية. 

من اجل تحقق هذه النوايا فان دول  “خطة النعمة” تحتاج الى اجراء ثلاثة تغييرات على الصعيد الفلسطيني. التغيير الاول هو وقف القتال في الجنوب الذي سيمكن هذه الدول من نشر قواتها بالتنسيق مع القوات الاسرائيلية التي ستنسحب. التغيير الثاني، كي لا تظهر كقوة احتلال فانه يمكنها التدخل فقط كرد على دعوة الجهة المعترف بها في العالم كممثلة للشعب الفلسطيني، أي السلطة الفلسطينية. عندها يمكن الدخول الى القطاع بالتنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية وكرد مؤقت، حتى لو كان لفترة طويلة، على عدم قدرتها على القيام بمهمة ادارة القطاع بقوتها الذاتية. التغيير الثالث المطلوب، من اجل تقليص خطر احتراق الاستثمارات بالمليارات في القطاع بواسطة جولة عنف اخرى،  هو التزام اسرائيل باعطاء افق سياسي حقيقي للفلسطينيين، حتى لو كان تطبيقه يحتاج الى سنوات كثيرة. حسب ادعاءاتها فان هذا الافق سيكون بديل يحمل الأمل لايديولوجيا اليأس والدمار والخراب لحماس، وكابح امام تجند الجيل الفلسطيني الشاب في صفوف التنظيمات الارهابية. 

اذا كانت هناك حاجة لاثبات آخر للمكانة الرئيسية للقضية الفلسطينية في نظر هذه الدول فقد حصلنا عليه في موازاة خطاب نتنياهو، عندما اعلن وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، في الامم المتحدة عن اقامة “تحالف دولي للدفع قدما بحل الدولتين”. وحسب قوله فان “تطبيق حل الدولتين هو الطريقة الافضل لتحطيم دائرة الصراع والمعاناة، وخلق واقع جديد فيه كل المنطقة، بما في ذلك اسرائيل، تحظى بالأمن والتعايش.

اذا عملت حكومة اسرائيل على اقناع الدول العربية المعتدلة (والجمهور في اسرائيل) بأنه لا توجد أي صلة بين اقامة علاقات مع هذه الدول وبين القضية الفلسطينية، فان الذين قاموا بتطبيع العلاقات مع اسرائيل توصلوا الى الاستنتاج المعاكس. الدليل على ذلك هو تجميد مشاريع مشتركة مع دولة الامارات وتقليص الاتصالات بين الحكومتين، والمبادرة السعودية الجديدة. يتبين أن صدمة 7 تشرين الاول والحرب المستمرة منذ ذلك الحين اثبتت واظهرت لدول كثيرة في المنطقة وخارجها الضرر الذي يتسبب به النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين وعدم الاستقرار الذي يتسبب به لمصالحها الحيوية. هكذا، رغم أن  الحديث يدور عن صراع أصيل لدينا، وأن اقامة حدود بيننا وبين الفلسطينيين هو أمر حيوي لمستقبلنا كدولة يهودية وديمقراطية، حتى الآن عندنا لم يتم اتخاذ القرار، في حين أنه عندها انتقل الالتزام بحل الدولتين من مجرد اقوال الى موجه للسياسة. أو كما وصف ذلك بوضوح ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان: “لن تتم اقامة علاقات مع اسرائيل قبل التقدم في اقامة الدولة الفلسطينية”.

إن رفض رئيس الحكومة الاستجابة لهذه التوقعات يحرم اسرائيل من فرصة تاريخية للاندماج في تحالف اقليمي وتطبيع العلاقات مع السعودية ودول اخرى. وهو ايضا يمنع امكانية تحقيق الهدف السامي، اعادة المخطوفين الى بيوتهم، والخروج من القطاع واحباط استئناف تهديد حماس. اضافة الى ذلك فان رفض تنفيذ المطلوب من اجل الاندماج في “خطة النعمة” يحكم على اسرائيل مواجهة محور “اللعنة” بشروط أكثر قسوة. ضمن ذلك الاحتلال المتواصل والنازف للقطاع وتدهور الضفة الى وضع غزة واستجابة دول السلام، القريبة والبعيدة، للضغوط الداخلية والخارجية من اجل الابتعاد عن اسرائيل وزيادة عزلتها الدولية، وفرض العقوبات من قبل مؤسسات دولية، بما في ذلك المحاكم في لاهاي، ولا يقل عن ذلك خطورة هو امكانية العزلة في المواجهة مع ايران ووكلائها.

سواء كان رفض نتنياهو ينبع من الاعتماد على الشركاء المسيحيين في الائتلاف، أو أنه يعكس رؤية تفضل مخاطر عدم الاستقرار في ادارة النزاع، الذي تسبب به 7 تشرين الاول، على تحدي التقدم بحذر نحو حله، فان سياسته تشير الى خطة خطيرة. هذا بالذات في الوقت الذي فيه جهاز الامن، بانجازاته، قدم له شروط مثالية لتغيير الاتجاه وابداء مبادرة وتجند المنطقة معنا.

الجيش الاسرائيلي واجهزة الامن الاخرى نهضت من اخفاقات 7 تشرين الاول، وهي تثبت ذلك في كل يوم. لقد حان الوقت لاستيقاظ المستوى السياسي وترك الاستراتيجية التي انزلت علينا اسوأ كارثة منذ قيام الدولة، وتبني نظرية امنية تقوم على الدمج بين القوة الامنية والتسويات السياسية، محلية واقليمية. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى