هآرتس: حلف مع دول الخليج قد يكون بديلا استراتيجيا لايران

هآرتس 27/6/2025، تسفي برئيل: حلف مع دول الخليج قد يكون بديلا استراتيجيا لايران
لا يوجد شك لدى عضو البرلمان الإيراني احمد بحشيش اردستاني بان وقف اطلاق النار بين إسرائيل وايران سيكون دائم ومستقر. “الدولتان عرفتا ما يكفي عن القدرة العسكرية لكل واحدة منهما”، قال في مقابلة مع موقع “خبر اون لاين نيوز”، الذي يعبر عن مواقف الخطاب المحافظ – المعتدل في ايران. “في الوقت الذي عرف فيه نتنياهو ما هي قوة الصواريخ الإيرانية اعترف ان عليه الموافقة على وقف اطلاق النار، لذلك، وقف اطلاق النار سيكون دائم”.
لكن اردستاني، الذي كان عضو في لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية، توجد له ملاحظة مهمة موجهة لمتخذي القرارات في ايران. “احد استنتاجات الحرب المهمة هو انه يوجد لإيران نقاط ضعف في عدة مجالات”، قال. “الأولى هي القدرة الدفاعية التي يجب تحسينها وتعزيزها. والثانية تتعلق بأجهزة الامن. كيف يعقل ان جواسيس كثيرين لإسرائيل بهذا القدر مكثوا في ايران لفترة طويلة جدا ونجحوا في الحاق الاضرار بنا؟ من الضروري تشكيل مجموعة بحث تفحص وتحلل هذه الأمور. ولكن الموضوع المهم اكثر هو معالجة مستوى حياة المدنيين. يجب حل مشكلاتهم وإعادة فحص السياسة التي اتبعت في الـ 45 سنة الأخيرة”.
قضية العملاء تحاول ايران الان حلها من خلال حملة تقصي واعتقالات بالجملة واعدام المشبوهين. بخصوص “تحسين وتعزيز” منظومات الدفاع – هذه ستكون قضية طويلة وصعبة جدا. بالأحرى، تعزيز الأجهزة الذي يجب القيام به في كل مستوى من الأجهزة العسكرية، الاستخبارية، اللوجستية والتكنولوجية، التي تعرضت لضربات شديدة. القضية الرئيسية التي ستحتاجها ايران، حسب عضو البرلمان الإيراني، هي إعادة فحص المفاهيم التي شكلت وحددت الاستراتيجية التي تبنتها ايران خلال عشرات السنين. وهذه لن تكون المرة الأولى.
ايران، التي حتى قبل الثورة الإسلامية وخصوصا بعدها، اعتبرت نفسها دولة مهددة. فمن الشرق توجد دولتان نوويتان وهما الهند والباكستان، وقربهما توجد أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، ومن الغرب توجد دولة إسرائيل، التي حسب مصادر اجنبية، تمتلك سلاح نووي. إضافة الى ذلك في الخليج الفارسي وفي المحيط الهندي تبحر بشكل دائم السفن الامريكية التي تحمل صواريخ نووية. الاتفاقات الاستراتيجية بعيدة المدى التي وقعت عليها ايران مع الصين ومع روسيا لا تخلق لها “حلف ناتو” شرقي، لانها لا تلزم الدولتين بمساعدتها اذا تمت مهاجمتها.
نحن نعيش في منطقة خطيرة. ففي ربع القرن الأخير اندلعت هنا ثلاث حروب، الامر الذي يدل على الوضع الهش في منطقتنا. حتى الآن رغم هذا الواقع، استراتيجيا دفاعنا بقي كاسمه دفاعيا. لسلاح الدمار الشامل، وضمن ذلك السلاح النووي، لا يوجد مكان في هذه الاستراتيجية”، قال كمال خرازي في محاضرة القاها في معهد “المجتمع الاسيوي” في نيويورك في أيلول 2004. خرازي الذي كان في حينه يتولى منصب وزير الخارجية تحت قيادة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي تحدث في حينه عن الحاجة الى سياسة تكاملية تندمج فيها ايران في دول المنطقة بدون الانفصال عنها، وتقيم علاقات سوية مع دول الغرب وتدير اقتصاد يشجع النمو كاساس لاستراتيجية دفاعية.
بعد عشرين سنة من ذلك، في شهر تشرين الأول الماضي، نفس خرازي الذي يشغل الان منصب رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية والمستشار السياسي الكبير للمرشد الأعلى علي خامنئي، طرح رؤية صادمة، التي بحسبها يجب على ايران إعادة فحص عقيدتها النووية، “اذا وقفت امام تهديد وجودي”. في مقابلة في موقع “الميادين” المقرب من حزب الله، قال خرازي قبل فترة قصيرة: “توجد لنا القدرة المطلوبة لانتاج السلاح النووي. نحن مستعدين للحرب، لكننا لا نريد الذهاب بعيدا، لأننا حتى الان اثبتنا قدرتنا على الردع في حالة شن الحرب ضدنا”.
هذه الاقوال، التي استهدفت ضمن أمور أخرى الإجابة على طلب بضعة عشرات من أعضاء البرلمان الإيراني من مجلس الامن القومي “إعادة فحص العقيدة النووية”، كان لها تاثير دراماتيكي على متخذي القرارات في إسرائيل وفي الولايات المتحدة. لأن خرازي اخضع الان شروط الاندفاع نحو السلاح النووي لقرار سياسي من خامنئي، ولم يعد لغياب القدرة التكنولوجية لتنفيذ التهديد أو العقيدة الأيديولوجية التي منعت ذلك.
مقاومة بدون محور
بعد بضعة اشهر من ذلك نشر تقرير سكرتير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، الذي حذر من ان ايران على شفا انتاج عدة قنابل نووية. خامنئي ما زال يمتنع عن اتخاذ القرار حول انتاج السلاح النووي. والآن من غير الواضح ما هو حجم الاضرار التي لحقت بالمشروع النووي والقدرة العملياتية النووية لدى ايران. ولكن عدم اليقين هذا يقتضي مواصلة الافتراض بانه توجد لإيران قدرة ومعرفة ووسائل، وربما أيضا دافعية متزايدة لتطوير المشروع النووي. السؤال الرئيسي يتعلق بالنموذج الذي ستتبناه ايران من اجل احباط ما تعتبره “تهديد لامنها”.
الإجابة على هذا السؤال غير منفصلة عن وضع ونجاعة “حلقة النار” التي اسستها طهران بواسطة منظومة تنظيمات – وكلاء، التي كان هدفها احاطة ايران بغلاف من الردع. التفسير السائد هو ان “محور المقاومة” هذا هو جزء من نظرية العمق الاستراتيجي التي بنيت لعشرات السنين والتي بحسبها يجب ابعاد الحرب عن أراضي ايران. وحتى قبل ذلك ردع مثل هذا الهجوم. هذا الغلاف لم يثبت نفسه حتى قبل مهاجمة ايران، وأيضا قبل انهيار حزب الله وتصفية قيادته، بما في ذلك رئيسه حسن نصر الله.
الهدف الرئيسي لهذه التنظيمات، منذ اقامتها، هو توفير لإيران مركز نفوذ مستقر في الدول التي نشأت فيها، لكونها دولة تتم مقاطعتها، ليس فقط من قبل الغرب، بل أيضا من معظم الدول العربية، وبالاساس دول الخليج ومصر، التي اعتبرت الثورة الإسلامية ونية ايران لتصديرها الى “العالم الإسلامي” تهديد وجودي. ايران اضطرت الى البحث عن أدوات بديلة اقل من دولة، وتنظيمات يمكنها الاستناد اليها.
حروب الخليج واسقاط نظام صدام حسين وفرت لإيران الفرصة المهمة لاختراق العراق واستخدام النظام الشيعي الجديد الذي نشأ فيها (الذي بعض زعماءه كانوا في المنفى فيها قبل الحرب)، وفتح قنصلية في الإقليم الكردي وبناء شبكة علاقات اقتصادية متشعبة، التي جعلتها الشريكة التجارية الرئيسية مع العراق. الحرب ضد داعش، التي خلقت بتوجيه من الزعيم الديني الشيعي علي السيستاني “الحشد الشعبي”، الذي تعاون مع الولايات المتحدة، طورت فيما بعد ما عرف باسم “المليشيات الشيعية”.
ليست كل المليشيات مؤيدة لإيران أو تعتمد على دعمها. بعضها مخلصة لزعامة السيستاني، وبعضها تخضع لزعماء سياسيين ليسوا جميعهم من مؤيدي ايران. ولكن المليشيات المؤيدة لإيران أصبحت قوة عسكرية فرضت الرعب على المواطنين وبنت نفسها كدولة داخل دولة. واستغلالها كقوة رادعة ضد مهاجمة ايران كان جزئيا واضطر الى الاخذ في الحسبان منظومة العلاقات الحساسة بين ايران والحكومة العراقية التي وقفت امام ضغط الجمهور لتقييد تدخل ايران في الدولة.
في لبنان كان حزب الله هو القوة الأقوى والأكثر تدريبا من بين وكلاء ايران. مسلح بحوالي 150 الف صاروخ وتجربة قتالية تطورت منذ بداية الثمانينيات، وبعد ذلك في الحرب الاهلية في سوريا، هذا التنظيم كان يمكن ان يشكل الدرع الرادع الأساسي ضد نية مهاجمة إسرائيل أو أمريكا، وان يشكل أيضا رأس الحربة لهجوم ايران على إسرائيل اذا قررت فعل ذلك. ومثلما في العراق أيضا في لبنان، وبشكل خاص بعد الدمار الذي تسببت به حرب لبنان الثانية للدولة ولمواطنيها، حزب الله وايران كان يجب عليهم تنسيق النشاطات مع الواقع السياسي في لبنان من اجل الحفاظ على مكانته السياسية ومنع مواجهة عنيفة بين حزب الله ومعارضيه.
هذا التوازن لم ينجح دائما. مواجهات عنيفة اندلعت عدة مرات في شوارع بيروت، ورغم ان حزب الله نجح في فرض على حكومات لبنان الاعتراف به كمركب أساسي في جهاز الامن الوطني، واعتبار “سلاح المقاومة” جزء من قوة الدفاع عن الدولة، الا انه ما زال مطلوب منه إدارة معركة سياسية متعرجة للحفاظ على مكانته في الدولة (خلال ذلك أيضا الحفاظ على مكانة ايران).
الحوثيون تبين انهم قوة مستقلة تعمل حسب مصالح واعتبارات محلية، الذين خضوعهم لإيران محدود رغم انها هي التي قامت بتسليحهم ووفرت لهم المعدات. ليس من نافل القول التذكير بان ايران هي التي “اوصت” الحوثيين بعدم احتلال مدينة العاصمة صنعاء في 2014 وعدم شن حرب شاملة ضد الحكومة في اليمن التي قامت على أسس ثورة “الربيع العربي” التي اسقطت نظام الرئيس علي عبد الله صالح.
اخلاص الحوثيين كمثال
الحوثيون الذين ضربوا صناعة النفط في السعودية وضربوا مواقع في دولة الامارات، قاموا باجراء مفاوضات بعد ذلك مع السعوديين ووقعوا على اتفاق لوقف اطلاق النار قبل سنة من استئناف العلاقات بين السعودية وايران. هم أيضا وافقوا على وقف النار مع الولايات المتحدة، بالذات عندما بدأ ترامب يحذر ايران ويهدد بأن يعتبر أي رصاصة للحوثيين وكأنها خرجت من ايران. الاعتراف بان نشاطات وكلاء ايران لم تعد خاضعة لسيطرتها الحصرية جعل ايران تقوم بتغيير استراتيجية “حلقة النار” في العام 2020، بعد تصفية قاسم سليماني وتعيين إسماعيل قاءاني بديلا له. في حينه قررت ايران السماح لوكلائها باستقلالية العمل تناسب الظروف السياسية السائدة في الدول التي تعمل فيها.
الهجوم في تشرين الأول لحماس خلق في الواقع وحدة الصفوف بين الوكلاء، لكن ايران نفسها امتنعت بشكل عام عن التدخل المباشر، وحتى انها اضطرت الى إعادة الى الوطن احد الأشخاص الكبار في قوة القدس الذي كان يعمل في سوريا، بناء على طلب من بشار الأسد، بعد أن طلب هذا الشخص المبادرة الى اطلاق الصواريخ نحو إسرائيل من الأراضي السورية.
الاعتراف بتقييد الوكلاء لم يمنع استمرار تقويتها وتطويرها، لكن في المقابل، ايران تبنت في السنوات الثلاثة الأخيرة استراتيجية سياسية جديدة، هدفها بناء لنفسها غلاف دفاع إقليمي يستند الى العلاقات الدبلوماسية مع دول المنطقة. استئناف العلاقات مع دولة الامارات في صيف 2022، وبعد سنة مع السعودية، كان حجر الزاوية للسياسة الجديدة. طوال هذا الوقت عملت ايران بشكل حثيث على الدفع قدما باستئناف العلاقات مع مصر. في بداية حزيران، قبل عشرة أيام على الهجوم الإسرائيلي، زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القاهرة واستقبل هناك بحفاوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
يبدو ان ايران قدرت بان منظومة العلاقات الجديدة، التي أدت في السابق الى معارضة دول الخليج لمهاجمتها، التي فيها السعودية وقطر ودولة الامارات تمتلك في يدها أدوات ضغط على ترامب، ستضمن استمرار المفاوضات مع الولايات المتحدة بدون شن الحرب. هذا التقدير في الحقيقة تبدد، لكنه لا يلغي التقاء المصالح الاستراتيجية التي توجد لدول الخليج مع ايران كاساس للاستقرار الإقليمي. ربما من الان فصاعدا، وبالذات على خلفية سياسة ترامب، فان التقاء المصالح هذا هو الذي سيصوغ المعايير التي ستميز ليس فقط مضمون الحوار بين أمريكا وايران، بل أيضا مكانة ايران في المنطقة.