هآرتس: حكومة لبنان لا تعرف ما تفعله بـ “الفرصة التاريخية” التي حلت عليها
هآرتس 30/9/2024، تسفي برئيل: حكومة لبنان لا تعرف ما تفعله بـ “الفرصة التاريخية” التي حلت عليها
بعد اكثر من عشرين سنة، بعد تصفية صدام حسين ونظام رعبه، وبعد 13 سنة تقريبا على ثورة الربيع العربي التي اسقطت عددا من الزعماء الديكتاتوريين، مرة اخرى يعود مشهد النشوة. هذا العرض يتوقع بالتأكيد أن موت حسن نصر الله “سيغير خارطة الشرق الاوسط” حيث ترافقه اقتراحات وخطط عمل ستوجه لاستغلال الفرصة واعادة رسم نفس “خارطة الاحلام”. في نقطة الانطلاق لرؤية هذا النهوض، حيث تضرر اهم مركز للسيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية في البلاد منذ انتهاء الحرب الاهلية في العام 1989 عند التوقيع على اتفاق الطائف.
خصوصية واهمية اتفاق الطائف هي أنه حاول تحطيم التقسيم الطائفي في نظام الحكم الذي كان فيه للمسيحيين اغلبية، سواء في الحكومة أو في مؤسساتها وشركاتها الاقتصادية أو في الجيش. الاتفاق نص على أنه لن تكون للمسيحيين بعد الآن اغلبية في البرلمان الذي يستند الى استفتاء قديم اجري في 1932، ومنذ ذلك الحين لم يتم تجديده، وأن الـ 128 مقعد في البرلمان ستوزع بشكل متساو بين المسيحيين (واقليات اخرى غير مسلمة) وبين المسلمين، التعريف الذي شمل ايضا الدروز والعلويين.
في التقسيم الثانوي والاكثر اهمية لطوائف المسلمين تم تخصيص 27 مقعد للسنة و27 مقعد للشيعة. في اساس هذا التقسيم وقف الطموح الى أن اي طائفة لا يمكنها السيطرة على الدولة بشكل حصري، ومن اجل تشكيل أي حكومة سيكون على كل طائفة تشكيل ائتلاف مع طوائف اخرى بحيث يتم توزيع الغنيمة السياسية والاقتصادية. هذه التركيبة ظهرت في حينه كحل مناسب لانهاء الحرب التي استمرت 15 سنة. وهي لم تقم ببناء سياسة افضل في الدولة، لكنها اعطتها سنوات من الاستقرار. هذه بنية لم تتغير، ولا يتوقع أن تتغير، حتى بعد تصفية حسن نصر الله وكبار القادة العسكريين في حزب الله، لأنها مشمولة في الدستور الذي لا ينوي أي أحد في هذه الاثناء تغييره.
حسب هذا الدستور تم في الحقيقة تشكيل ائتلافات عابرة للطوائف، لكنها ايضا هي التي دهورت الدولة وقادتها الى الانهيار الاقتصادي الفظيع، وقادتها بسرعة الى شفا الافلاس والشلل السياسي الذي لا يستطيع فيه الطرفان المتعاديان التوصل الى اتفاق حول تعيين الرئيس. وفي ظل عدم وجود رئيس، الذي هو مخول بتعيين رئيس الحكومة، فهما لا ينجحان في تشكيل حكومة ثابتة يمكنها اتخاذ قرارات مصيرية، التي يمكنها انقاذ الدولة من الازمة.
في مقابلة اجراها يوسي ميلمان مع تمير بردو، رئيس الموساد السابق، قال الاخير “على حكومة اسرائيل أن تعلن بشكل علني أن الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية الحصرية عن أي عملية عسكرية تخرج من لبنان. المنطقة الجغرافية المعروفة في العالم باسم لبنان توجد لها حكومة واحدة وعلم واحد وجيش واحد. وأي مفاوضات من اجل انهاء الحرب والترتيبات الامنية ستكون فقط مع الحكومة اللبنانية. يمكن انهاء هذه الحرب خلال بضع ساعات منذ اللحظة التي ستوضح فيها اسرائيل ذلك، والمجتمع الدولي يعترف بحقيقة أنه يوجد في لبنان كيان قانوني واحد”.
هذا التصريح يستند الى دعائم نظرية مناسبة، لكن في نفس الوقت هو منفصل عن الواقع في لبنان، وبالاساس عن كونه غطاء مثقب حظي بلقب “حكومة لبنان”. صحيح أن أي مفاوضات يجب أن تكون مع حكومة لبنان وأنه يوجد للدولة “حكومة واحدة”، لكنها حكومة يوجد فيها وزراء من حزب الله. هؤلاء، مع شركائهم في الائتلاف من حركة “أمل”، ومؤخرا حتى مع الحزب المسيحي “التيار الوطني الحر” لجبران باسيل، يمسكون بالحكومة والدولة من العنق، مع حسن نصر الله أو بدونه. ومن اجل احداث “التغيير التاريخي” ستكون حاجة الى اجراء الانتخابات، التي احتمال اجراءها في الوقت الحالي يشبه احتمالية تعيين رئيس أو اجراء اصلاحات اقتصادية.
يوجد لدولة لبنان “علم واحد وجيش واحد”، لكن عمليا يوجد فيها جيشان. الاول هو الرسمي الذي يترأسه الجنرال المسيحي جوزيف عون، الذي ذكر اسمه كمرشح للرئاسة. الثاني هو “جيش حزب الله”، الذي حتى بعد تدمير كل مخزون صواريخه للمدى المتوسط والمدى البعيد ولا يعود يشكل أي تهديد لاسرائيل، سيبقى في يديه ما يكفي من السلاح لتهديد الامن الداخلي في لبنان وتهديد خصومه السياسيين.
جيش لبنان الرسمي هو جيش اشباح. فحسب التقديرات هو يعد على الورق حوالي 80 جندي، مع سلاح جو وبحر رمزيان، بدون دفاع جوي يستطيع حماية سماء الدولة من الهجمات المعادية. بالاساس هذا جيش مفلس يعتمد على دفع رواتب الجنود على الدعم من قطر والولايات المتحدة، التي تسمح له بدفع راتب يبلغ 100 دولار في الشهر للجندي. من غير الغريب أن كثير من الجنود المسجلين يجدون لانفسهم اعمال اخرى من اجل اعالة عائلاتهم. مقاتلو حزب الله لا توجد لهم مشكلات كهذه. فراتبهم أعلى بكثير وهناك قناة تمويل تعتمد على مساعدة كبيرة من ايران وعلى موارد الحزب من خارج لبنان، دون التنازل عن نصيبهم في ميزانية الدولة.
خلال اشهر الحرب، وحتى قبلها، عرض المبعوث الفرنسي في لبنان، جان ايف لدريان، والمبعوث الامريكي عاموس هوخشتاين، خطة عمل تدفع قدما بتطبيق القرار 1701. وقد تم التأكيد على البند الذي ينص بأن جيش لبنان، بالتعاون مع قوة اليونفيل، سينتشر في جنوب لبنان ويمنع تمركز قوات حزب الله في المنطقة حتى نهر الليطاني. الخطة تشمل تجنيد 15 ألف جندي آخر في الجيش اللبناني وتدريبهم وتسليحهم واعدادهم. هذه الخطة حصلت حتى على موافقة حكومة نجيب ميقاتي الذي اعلن عن خطة اولية لتجنيد 5 آلاف متطوع. في موازاة انتشار هذه القوات وعندما سينتهي تجنيدها واعدادها، سيبدأ لبنان واسرائيل في التفاوض حول ترسيم الحدود البرية بين الدولتين، وهي عملية يمكن أن تحيد ذريعة حزب الله لمواصلة النزاع مع اسرائيل.
فقط مركب واحد كان ينقص الخطة من اجل استكمال تنفيذها وهو موافقة حزب الله. حسن نصر الله اشار في الواقع الى أنه لن يعارض أي قرار توافق عليه الحكومة اللبنانية في قضية ترسيم الحدود، لكنه أكد على أنه سيكون مستعد لمناقشة ذلك فقط بعد التوصل الى اتفاق حول وقف القتال في غزة. هذا الموقف، حتى بعد موت حسن نصر الله، سيستمر بالالتزام به ممثلو حزب الله في البرلمان وفي الحكومة. يمكن التقدير بأنه اذا قررت حكومة لبنان تطبيق الخطة بدون موافقة حزب الله فان الجيش اللبناني أو أي جهة دولية ستأتي الى لبنان للمساعدة في تنفيذ الاتفاق ستواجه بمقاومة عنيفة من قبل اعضاء حزب الله، التي من اجلها لن يكونوا بحاجة الى صواريخ بعيدة المدى. فالرشاشات والقنابل والعبوات الناسفة ستكون كافية لذلك.
رغم ذلك توجد احتمالية لحدوث انعطافة وتطبيق خطة عمل سياسية. هذا يكمن في تشكيل ائتلاف سياسي قوي يتبنى خطة العمل الامريكية – الفرنسية. المفتاح لمثل هذه العملية هو نبيه بري، الذي حتى الآن عمل كممثل لحسن نصر الله في كل قضية المفاوضات حول التسويات، وقف النار والاتصالات مع الغرب. نبيه بري (86 سنة) هو ثعلب معارك سياسية مخضرم وذكير، راكم رأس مال يقدر بعشرات ملايين الدولارات. وهناك تقديرات تتحدث عن مليار دولار. وهو يحصل على دعم كبير في اوساط الطائفة الشيعية. في الانتخابات الاخيرة في 1922 حصل حزبه على 15 مقعد، وحزب الله حصل على 12 مقعد.
ذهاب حسن نصر الله يمكن أن يعطي نبيه بري افضلية سياسية مهمة. فاذا عرف كيفية استغلالها في تشكيل ائتلاف داعم سيستطيع توجيه لبنان نحو اتفاق سياسي وعسكري، وحتى اكثر من ذلك، التوصل في نهاية المطاف الى تعيين رئيس للدولة. حتى الآن ايضا من موقع القوة الجديد الذي يمسك به الآن فان نبيه بري لا يمكنه تجاهل أو تجاوز موقف حزب الله اذا كان يريد التوصل الى تطبيق اتفاق يكون مرضيا لاسرائيل.
من اجل مساعدته ومساعدة حكومة لبنان على اتخاذ القرار “الصحيح” يمكن محاولة تجنيد منظومة الضغوط الدولية، وعرض اغراءات اقتصادية للبنان أو التهديد بفرض عقوبات، لكن من الجدير ايضا التذكر أن كل ذلك استخدم في السابق على لبنان، قبل الحرب وخلالها، بدون أن يترك أي بصمة على سياسة لبنان. يبدو أن خارطة الشرق الاوسط الجديد، التي ستبدأ من لبنان بعد حسن نصر الله، يجب أن تجد دائرة خرائط اخرى لتبنيها.