هآرتس: تهديد النووي لم يُزل بعد لكن الحرب تنتج أهدافا ثانوية

هآرتس 20/6/2025، تسفي برئيل: تهديد النووي لم يُزل بعد لكن الحرب تنتج أهدافا ثانوية
المعركة ضد ايران هي الحرب الاولى التي لا تديرها إسرائيل حول أراض توجد لها أهمية استراتيجية من اجل توسيع مجال حياة اليهود أو من اجل تحقيق أيديولوجيا توراتية. البعد الكبير بين إسرائيل وايران (حوالي 2000 كم) والتهديد النووي الإيراني الذي اعتبر تهديد وجودي تقزم أهمية “الأرض” كمكان دفاع يقتضي من دولة إسرائيل ان تسيطر عليه مثل قطاع امني – مثلما هي الحال في غزة والضفة الغربية ولبنان أو سوريا. أيضا هذه هي المرة الأولى التي فيها القوات البرية التقليدية مثل الدبابات والمدفعية وسلاح المشارة لا تشارك في الحرب.
نموذج السيطرة على الأرض كعامل حيوي لامن إسرائيل لا يناسب نوع الحرب التي فيها طائرات، صواريخ ومسيرات مطلوب منها تحقيق الحسم. أيضا تفسير الحسم اصبح مرن، هل معنى “الحسم” هو فقط التدمير الشامل لكل المنشآت النووية وكل مراكز المعلومات والأبحاث التابعة لمنظومات الدعم اللوجستية والعسكرية للبرنامج؟.
يبدو انه كلما طالت الحرب فان تفسير الحسم يصبح نطاقه أوسع، ومثله أيضا التهديد الذي تشكله ايران. في البداية قالت إسرائيل ان ايران هي “رأس الاخطبوط” الذي يجب القضاء عليه أو شله من اجل شل الامتدادات التي وقفت في جبهة الحرب ضدها. وفي نفس الوقت هي تتطلع الى القضاء على التهديد النووي الإيراني. هذه كانت أيضا رؤية الرئيس ترامب عندما حذر في شهر آذار من انه سيعتبر أي اطلاق من الحوثيين وكأنه خرج من ايران وأن ايران ستدفع ثمنا باهظا عن ذلك. هذا لم يحدث، بعد بضعة أسابيع من ذلك ولد اتفاق وقف النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، ومن ناحية الولايات المتحدة – عندما تمت إزالة هذا التهديد اختفت معه الحاجة الى ضرب ايران. خلال ذلك بقيت إسرائيل لمواجهة وحدها رأس الاخطبوط.
في نفس الوقت قررت إسرائيل شن هجوم كثيف مستقل ضد ايران لتدمير المشروع النووي الذي في الأسابيع الأخيرة تسارع بصورة مضاعفة. الوكالة الدولية للطاقة النووية نشرت ان ايران تمتلك مخزون من اليورانيوم المخصب بمستوى اقل من العسكري، 60 في المئة، وأنه في فترة زمنية قصيرة نسبيا، اقصر مما تم التقدير سابقا، هي يمكنها تركيب عدة قنابل نووية.
الأمين العام لوكالة الطاقة النووية، رفائيل غروسي، أكد في الحقيقة انه لا يوجد لديه أي دليل على ان ايران تطمح الى الحصول على السلاح النووي، لكن تقريره فعل فعله. في فترة زمنية حاسمة تعاظم “المسرع” الآخر الذي بحسبه إسرائيل قدرت ان الرئيس الأمريكي يمكن ان يعطي لنفسه ولايران فترة زمنية أخرى من اجل محاولة التوصل الى اتفاق نووي جديد. إسرائيل قررت، ونجحت، اقناع ترامب بانه لم يعد هناك مجال للانتظار.
ترامب، الذي قبل الحرب ببضعة أيام أوضح بأنه لا يقف وفي يده ساعة توقيت من اجل انهاء المفاوضات، التي كان يمكن استئنافها في يوم الاحد الماضي في عُمان، اعطى الموافقة على شن الهجوم بدون الانضمام اليه بشكل مباشر. بالمناسبة، الفرق بين المشاركة المباشرة وبين الدعم “من الخلف” الذي من غيره كان يصعب تخيل ان إسرائيل كان يمكنها شن الحرب، هو فرق ضبابي جدا. يبدو أنها تبقي للولايات المتحدة هامش نفي وإمكانية القول بأنها لا تحارب ايران، وهكذا ربما هي تحاول إبقاء ثغرة لاستئناف المفاوضات.
بالنسبة لإيران الولايات المتحدة اتخذت موقفها
ايران لا تقوم بهذا التمييز بين الامرين. فوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال في هذا الأسبوع بانه يوجد لدى ايران ادلة على ان الولايات المتحدة شريكة كاملة في الحرب. رغم ذلك ورغم تحذيرها فان ايران تجنبت حتى الآن مهاجمة الأهداف والقوات الامريكية. وهكذا فانها تبث بان الحرب ما زالت تراوح على المحور الثنائي بينها وبين إسرائيل. وانه بالنسبة لها فان المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل ما زالت لا تشكل ذريعة لتوسيع ساحة نشاطاتها، ضد الأهداف الامريكية أو ضد ثروات دولية وعربية مثل الملاحة في الخليج الفارسي واغلاق مضيق هرمز.
في نفس الوقت ايران لم توقف جهود التوصل الى حل دبلوماسي. اليوم يتوقع أن يلتقي عراقجي مع وزراء خارجية الدول الاوروبية الثلاثة التي وقعت على الاتفاق النووي، فرنسا، بريطانيا وألمانيا، في محاولة للعثور على قناة لانهاء الحرب.
هذه الخطوة يمكن أن يكون لها نتائج فعلية فقط اذا نجحت هذه الدول في اقناع ترامب بانه يوجد مخرج يمكن ان يكون مقبول عليه، ويدفع قدما وبسرعة الاتفاق النووي. الرئيس الأمريكي قال في الواقع ان “الوقت من اجل المفاوضات انقضى”، وان ايران كان يجب عليها استغلال الفرصة والموافقة على عرضه، لكن ترامب قال أيضا عدة اقوال التي في غضون ساعات أو أيام هو نفسه ناقضها.
في نهاية المطاف حتى لو امر سلاح الجو الأمريكي بمهاجمة المنشأة في فوردو فان هذا لا يعني انه بذلك ينهي المسار الدبلوماسي. حتى لو تم تدمير معظم المنشآت النووية فان العملية العسكرية يجب ان تنتهي باتفاق يهدف الى شمل بنود إضافية مثل معالجة برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية وتفكيك المليشيات والجماعات التابعة لإيران وانهاء دعم الإرهاب. هذه البنود تنازل عنها ترامب عندما بدأت المفاوضات مع ايران، لكن اذا نجحت العملية العسكرية فانه يمكنه شملها في أي اتفاق مستقبلي مع ايران.
ماذا ستفيد تصفية خامنئي؟
إسرائيل من ناحيتها اضافت هدف مركزي اخر لاهداف الحرب، الذي صاغه وزير الدفاع يسرائيل كاتس، عندما قال “ديكتاتور مثل خامنئي لا يمكنه البقاء على قيد الحياة”. كاتس قال ان “خامنئي هو هتلر العصر الذي يؤمن بايديولوجيا تدمير إسرائيل ويجند موارد بلاده لصالح هذا الهدف الفظيع”. كاتس، مثل الخبراء في الشؤون الإيرانية، يميز بين “الشعب” الإيراني وبين قيادته، وبين الجمهور وبين “الجمهورية الإسلامية”. من هنا فان الاستنتاج المطلوب هو ان تصفية خامنئي ستنهي ليس فقط الأيديولوجيا الشيطانية، بل أيضا سينهي آلية القوة والنفوذ التي تحمي هذه الديكتاتورية في ايران. إضافة الى ذلك هي ستمكن “الشعب” من أن يختار بنفسه قيادة جديدة، التي يجب ان نامل بان تكون ليبرالية، تحب الديمقراطية وتحترم حقوق الانسان، وبالاساس ديمقراطية لا تسعى الى الحرب، وبالاحرى، لا تسعى الى تطوير وسائل دمار شامل.
خلافا للاحلام فانه يوجد للامل أساس واقعي. ولكن التاريخ غير البعيد يدل على ان تغيير الحكام والأنظمة ليس الضمانة لتدمير الأيديولوجيا او تأسيس أنظمة ليبرالية. فتصفية صدام حسين والملا عمر ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح خلفت دول مدمرة، بعيدة عن الليبرالية الأوروبية أو الامريكية، واوجدت تهديدات، التي بعضها مثلما في اليمن والعراق، أصبحت جزء لا يتجزأ من التهديد الإيراني الإقليمي.
أيضا تصفية حسن نصر الله ويحيى السنوار وأبو بكر البغدادي لم تنهي تنظيماتهم (حتى لو قلصت بشكل كبير قدرتها). نظرية “تصفية الراس” كعلاج للتهديد الاستراتيجي وكوسيلة للقضاء على الأيديولوجيا الراديكالية تستدعي الغرق في الأوهام الساذجة، التي بحسبها لا توجد حاجة على الاطلاق الى شن حرب شاملة ضد ايران أو أي دولة مجنونة أخرى. تكفي تصفية الزعيم من اجل القضاء على الخطر الذي تشكله. أي انه لو أن إسرائيل قامت بقتل خامنئي قبل عقد أو عقدين لما كان المشروع النووي استمر، ومثله أيضا برنامج تطوير الصواريخ البالستية التي تضرب الآن إسرائيل. إضافة الى ذلك كان يمكن التنازل عن استراتيجية الردع وبناء جيش يستعد للتهديدات التي سمعناها من زعيم دولة العدو.
تضليل اخر يكمن أيضا في التمييز بين “الشعب الإيراني” وبين قيادته. الشعب الإيراني مثل كل الشعوب غير متجانس، وفي داخل أجهزة النظام توجد عدة أنواع. ايران هي دولة يحكمها نظام ثيوقراطي متصلب، وحشي وقمعي، يستند الى الشريعة وآلية القوة التي لا تبقي أي احتمال حقيقي لاستبداله بشكل ديمقراطي. الاستطلاعات في ايران هي موضوع غير دقيق، على اقل تقدير، واستخدام الشبكات الاجتماعية محدود ومراقب، لكن من مجمل الحوار يمكن ان يتولد الانطباع بان كثيرين في أوساط الجمهور الإيراني يمقتون أسلوب النظام، الذي فيه رجل الدين الأعلى هو أيضا الزعيم السياسي الأعلى، الذي على أساسه يتم اتخاذ كل القرارات، وهم يتوقون الى استبدال هذا النظام.
مئات آلاف العائلات في طهران تتطلع الى ندب الحرب بين ايران والعراق. آلاف العائلات تقوم كل أسبوع بزيارة اعزائها في السجون والمئات منها تنتظر في الغرفة موعد اعدام أبناء العائلة، ومعظم الجمهور لا ينجح في انهاء الشهر ماليا او استئجار شقة مناسبة او الاستمتاع بالخدمات العامة بمستوى جدير بالدولة التي لديها إمكانية كامنة للثروة الأسطورية. ولكن هذا هو أيضا نفس “الشعب” الذي قام بالثورة في 1979 عندما قام باسقاط ديكتاتور آخر، الشاه محمد رضا بهلوي، فقط من اجل ان يدرك بانه جلب لنفسه ديكتاتورية اكثر قسوة بكثير.
هذا الشعب الذي مئات الآلاف من أبنائه قتلوا في الحرب مع العراق باسم الثورة الإسلامية، فرضت عليه الحرب في حينه، لكن كان هناك عدد غير قليل اعتبروها حرب وطنية للدفاع عن الوطن. الآن جزء من هذا الشعب يشارك في أجهزة الحكم والجيش والحرس الثوري والمنظومة الاقتصادية، جزء كبير من الجمهور الإيراني شارك في الاعتصامات وفي الاحتجاجات ضد النظام عندما رفع النظام أسعار الوقود (وعندما قتلت شرطة الاخلاق مهاسا اميني)، لكن ليس عندما قتلت قوات الامن المتظاهرين الاكراد أو نكلت بابناء الأقلية البلوشية.
لا يبدو أن الملايين الذين تظاهروا ضد النظام في 2009 عندما تم تزوير الانتخابات الرئاسية بشكل وحشي ورفعت مرة أخرى محمود احمدي نجاد الى الحكم، يخرجون الآن للتظاهر ضد النظام. ولكن هذا لا يعتبر تعبير عن دعم النظام. فبعضهم يخشى مواجهة قوات الامن، وآخرون ينتظرون رؤية كيف ستنتهي الحرب، وآخرون يأخذون مستقبلهم في الحسبان. تصفية خامنئي بالنسبة لهم جميعا ليست نهاية نهج النظام أو نهاية الأيديولوجيا.
الأهم من ذلك هو ائتلاف القوة الذي سيحكم الدولة بعد خامنئي. هل الحرس الثوري الذي كل ذريعة وجوده هي الثورة الإسلامية والسيطرة على اقتصاد الدولة، سيواصل وجود الائتلاف الديني العسكري الذي ضمن حتى الآن سيطرته؟ هل الجمهور سيتجرأ حينها على الخروج الى الشوارع من اجل تغيير نهج النظام؟ أو أنه سيتذكر مرة أخرى الاحداث التاريخية التي شكلت وجه الأمة، مثل الإطاحة بالشاه رضا بهلوي وتعيين ابنه المارق، أو عندما قامت أجهزة المخابرات الامريكية والبريطانية بالاطاحة بمحمد مصدق، الزعيم الذي اصبح الرمز للوطنية المتفاخرة التي تعارض الكولونيالية الغربية، أو عندما قامت الولايات المتحدة وإسرائيل برعاية الديكتاتور الذي حكم ايران حتى العام 1979. كل ذلك منقوش عميقا في الذاكرة الجماعية الإيرانية.