ترجمات عبرية

هآرتس: تحت القصف، نشأ في قطاع غزة اقتصاد حرب

هآرتس 20/5/2024: نقلا عن نيويورك تايمز: تحت القصف، نشأ في قطاع غزة  اقتصاد حرب

في أحد شوارع دير البلح، على الطاولات والكراسي في المدارس التي اصبحت ملاجيء، ينشر البائعون الملابس المستعملة وغذاء الاطفال والمعلبات وأكوام نادرة الكعك الذي يصنع في البيت. في بعض الحالات رزم مساعدات كاملة، ما زال عليها علم الدولة المانحة والتي كان يجب توزيعها بالمجان، تتراكم على الارصفة ويتم بيعها بأسعار مرتفعة، قلائل فقط يمكنهم السماح لانفسهم بدفعها.

عيسى حمودة (51 سنة) وقف قرب بسطة عليها القليل من البضاعة، علب الفاصولياء التي مصدرها رزمة مساعدة حصلت عليها عائلته. حسب قوله فان معظم البضائع التي توجد في الاسواق مكتوب عليها “ليس للبيع”. وقبل أن تدمر حرب اسرائيل – حماس اقتصاد قطاع غزة كان حمودة معلم سياقة. الآن هو يقوم باعالة عائلته المكونة من ثمانية افراد بالطريقة الوحيدة المتاحة له وهي بيع قسم من المساعدات الغذائية التي يحصلون عليها مرة كل بضعة اسابيع. “ذات مرة حصلت على 4 كغم من التمر الجاف، وقمت ببيع الكيلو بثمانية شواقل”، قال.

في الاشهر السبعة منذ بدأت اسرائيل بقصف القطاع وفرضت عليه الحصار ردا على هجوم حماس في 7 اكتوبر، انهاء الاقتصاد فيه. الناس اضطروا الى الهرب من بيوتهم ومن اماكن عملهم، الاسواق والمصانع والبنى التحتية قصفت ودمرت بالكامل. الاراضي الزراعية احترقت نتيجة القصف أو تم احتلالها من قبل قوات الجيش الاسرائيلي.

بدلا من الاقتصاد المحلي نشأ اقتصاد حرب. سوق بقاء ترتكز على الغذاء والمأوى والمال.

المساعدات الانسانية التي يجب عدم بيعها، والاغراض التي تمت سرقتها، تصل الى الاسواق المرتجلة. الناس يمكنهم كسب بضع دولارات في اليوم من خلال نقل النازحين في الشاحنات أو على عربات تجرها البهائم. في حين أن آخرين يقومون بحفر المراحيض أو انتاج الخيام من القطع البلاستيكية. على خلفية الازمة الانسانية المتزايدة واليأس فان الوقوف في الطابور الآن يعتبر عمل بوظيفة كاملة، سواء في اماكن توزيع المساعدات، أو في بعض المخابز المفتوحة وأمام الصراف الآلي الوحيد أو امام محلات الصرافة. “هذا اقتصاد بقاء”، قال رجا الخالدي، الاقتصادي الفلسطيني من الضفة الغربية. “هذه لا تشبه الحروب السابقة، التي كان فيها التركيز على منطقة معينة، ومناطق اخرى كانت معرضة أقل وتمكنت بسرعة من العودة الى ادارة الاقتصاد. هذه المرة من الشهر الاول النشاطات الاقتصادية توقفت بالكامل”.

معظم الغزيين يواجهون الآن الفقر بمستويات مختلفة. هذا اضافة الى فقدان الدخل وتقييد الوصول الى الخدمات الصحية والتعليم والسكن، حسب تقارير البنك الدولي والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة. 74 في المئة من السكان هم عاطلون عن العمل، في حين أنه قبل الحرب كانت نسبة البطالة، التي اعتبرت مرتفعة، 45 في المئة.

“الهزة التي يمر فيها اقتصاد قطاع غزة هي احدى الهزات المهمة في التاريخ الحالي”، جاء في التقارير. “الناتج المحلي الخام في القطاع انخفض 86 في المئة في الربع الاخير في 2023”. 

من وزارة الدفاع جاء أن الهجمات في القطاع لم تستهدف تقويض الاقتصاد هناك، بل كانت موجهة الى “البنى التحتية الارهابية” التابعة لحماس.

الاقتصاد الآن يحركه بالاساس عرض محدود وطلب يائس للمساعدات. قبل الحرب دخلت الى القطاع يوميا 500 شاحنة للمساعدات الانسانية، الوقود وسلع اخرى. ولكن بعد اندلاع الحرب وفرضت قيود اسرائيلية جديدة على القطاع انخفض العدد بشكل كبير وبلغ 113 شاحنة بالمتوسط يوميا، رغم أن هذا العدد ارتفع قليلا في الاشهر الاخيرة. ولكن رغم التحسن إلا أن الحديث يدور عن كميات أقل بكثير من الكميات المطلوبة، حسب منظمات الاغاثة، من اجل اطعام الفلسطينيين.

الآن، ضخ المساعدات والبضائع توقف بشكل شبه كامل في اعقاب هجوم اسرائيل في رفح، والاغلاق شبه المطلق للمعابر الحدودية الرئيسية. الجوع يتفشى في القطاع، وهو يعتبر من قبل منظمات حقوق الانسان والاغاثة “سلاح التجويع” لاسرائيل، التي من ناحيتها تنفي هذه التهمة.

على خلفية النزاع والفوضى والاهمال فان الاسعار ارتفعت بشكل كبير. منذ اقتحام رفح ارتفع سعر البضائع في الاسواق، وبالنسبة لمئات الفلسطينيين الذين هربوا من الهجمات الاسرائيلية الى مناطق بعيدة عن القصف الجوي، هذا سيكلف مئات الدولارات. وحتى قبل تدهور الوضع في رفح فان المساعدات الانسانية كانت غير ثابتة، وكانت تأتي بشكل فوضوي بسبب القيود التي فرضها الجيش الاسرائيلي والتي أدت الى اليأس ومكنت العصابات المسلحة أو الافراد من نهب المساعدات، حسب اقوال السكان.

من الجيش الاسرائيلي جاء: “لم نركز في أي يوم بشكل متعمد على قوافل المساعدات وعمال الاغاثة”. وقيل ايضا بأن اسرائيل ستستمر في التعامل مع التهديدات، وفي نفس الوقت ستستمر في التخفيف وعدم المس بالمدنيين. بدون ارساليات اغاثة كافية فان السكان يضطرون الى التوجه الى الاسواق المرتجلة. البضائع هناك يمكن بيعها بأي ثمن يريده البائع. بشكل عام الاسعار ترتبط بتصعيد النزاع. مؤخرا تم بيع السكر في اسواق رفح بسبعة شواقل للكيلو. ولكن عندما اطلقت حماس في اليوم التالي 12 صاروخ على قوات الجيش الاسرائيلي التي توجد قرب كرم أبو سالم، وقتل اربعة جنود وتم اغلاق المعبر، فان السعر ارتفع خلال بضع ساعات الى 25 شيكل. بعد يوم سجل انخفاض، سعر كيلو السكر بلغ 20 شيكل. 

“نفس البضاعة يمكن بيعها في نفس السوق بسعر مختلف”، قالت صباح أبو غانم (25 سنة)، وهي أم لولد ومتصفحة سابقة. “عندما توجد الشرطة فان التجار يبيعون بالاسعار التي حددتها الشرطة، وعند مغادرتهم ترتفع الاسعار على الفور”.

حسب اقوال السكان فان الوزارات التابعة لحماس والموظفين تظهر احيانا تواجدها على الارض، لا سيما في الجنوب.

في حين أن هناك فلسطينيون يقولون بأن الشرطة حاولت تحذير “تجار الحرب” من البيع بأسعار مرتفعة جدا، آخرون اتهموا حماس بجني المكاسب من المساعدات التي يتم نهبها. وحسب قول حمودة فان المساعدة التي حصلت عليها عائلته بين حين وآخر، وصلت من مكتب التطوير الاجتماعي التابع لحماس، والذي يشرف على برامج الرفاه. واشار الى أنه بشكل عام تنقص اشياء في الرزم، بالاساس السكر والتمر والزيت. وقد قال إن عائلته حصلت مرة على الخضار في اكياس نايلون سوداء. السلع التي تختفي من رزم المساعدات تصل الى الاسواق في نهاية المطاف ويتم بيعها بأسعار مرتفعة. 

طريقة اخراج الاموال الخاصة لدفع اثمان الحرب المرتفعة مكنت بعض سكان القطاع من استغلال الازمة. القليل من الصرافات الآلية ما زالت تعمل في القطاع، وبجانبها يوجد طابور طويل للاشخاص الذين يحاولون اخراج اموالهم. على الاغلب يوجد حارس مسلح يقوم بمراقبة الصراف الآلي ويجبي الرسوم على استخدامه. في محلات الصرافة يعرضون على الناس طرق للحصول على اموالهم مقابل دفع رسوم عالية. “كان يمكنني تسلم الراتب فقط من اشخاص قاموا بخصم 17 في المئة من المبلغ”، قال اكرامي اسامة النمس، وهو موظف عام وأب لسبعة اولاد، هرب مع عائلته الى جنوب القطاع. وقد حاول عدة مرات الحصول على كيس طحين من قوافل المساعدات رغم خطر اطلاق النار من قبل جنود الجيش الاسرائيلي، حسب قوله، كي يتجنب الشراء في السوق السوداء. ولكنه قال إنه لم ينجح في أي مرة. “راتبي كان يكفي في السابق لشراء الغذاء والمواد الاساسية لكل الشهر، أما الآن لا يكفي حتى لشراء كيس طحين”، قال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى