هآرتس: بعد أن احرق ترامب صورة الشخص المسؤول للولايات المتحدة، العالم ينتظر قراره

هآرتس 19/6/2025، ياعيل شترنهل: بعد أن احرق ترامب صورة الشخص المسؤول للولايات المتحدة، العالم ينتظر قراره
هذه ليست المرة الأولى التي يحبس فيها العالم الانفاس في انتظار القرار الأمريكي بشان شن الحرب. ولكن هذه هي المرة الأولى التي فيها يحدث هذا الامر في الوقت الذي فيه الولايات المتحدة يحكمها رئيس غير متوقع وعديم الكوابح مثل دونالد ترامب، المحاط باشخاص عديمي التجربة.
وزير الدفاع بيت هيغست هو ضابط صغير سابق في الجيش الأمريكي، والذي تم تعيينه في هذا المنصب لانه اثار انطباع ترامب بكونه يقدم برنامج استضافة في شبكة “فوكس”؛ رئيسة جهاز المخابرات تولسي غفارد هي سياسية من هاواي، والتي تم تعيينها بالأساس بسبب تعاطفها غير العادي مع روسيا؛ مستشار الامن القومي غير موجود بعد ان اقال ترامب المستشار السابق مايك وولتس، الذي تم ضبطه وهو ينقل معلومات سرية في تطبيق غير آمن لمجموعة اشخاص شملت بالخطأ أحد الصحافيين. قبل ذلك اقال ترامب رئيس الأركان وقائد الاسطول على خلفية الشك بأنهما يؤيدان سياسة التمييز التفضيلية. هذا هو الواقع الذي يجب فيه على ترامب التقرير هل يبدأ هجوم عسكري من شانه ان يؤدي الى حرب شاملة، التي نهايتها غير معروفة.
من جهة أخرى، أيضا عندما قاد الولايات المتحدة سياسيون مجربون استعانوا بالمنظومات المنظمة وثقة البيت الأبيض والبنتاغون، هم ارتكبوا عدد لا يحصى من الأخطاء الرهيبة. سنوات الحرب الباردة كانت مليئة بالمغامرات المتغطرسة وعديمة المسؤولية مثل اسقاط أنظمة ليبرالية، تم انتخابها بشكل ديمقراطي، فقط بدافع الخوف من أنهم قريبون جدا من الشيوعية. احدى هذه المغامرات كانت في ايران نفسها.
في القرن الواحد والعشرين تورطت الولايات المتحدة في حروب في العراق وأفغانستان، التي هي أيضا بدأت بعد عملية اتخاذ قرارات ملتوية، تاثرت بالسياسة العدائية لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني. الاثنان قاما باستغلال التجربة الطويلة مع منظومة الامن الامريكية من اجل التلاعب بموظفيها وخلق مشهد عبثي اقنع الرئيس جورج بوش بشن الحربين الفاشلتين، اللتان أدتا الى قتل آلاف الجنود الأمريكيين ومئات آلاف المدنيين المحليين، وكلفتا الولايات المتحدة التريليونات، بدون أن تثمر أي انجاز. على الأقل في حالة الحرب في العراق التدخل الأمريكي أيضا قوض الاستقرار الإقليمي وخلق قوى خطيرة جديدة مثل داعش.
ان تضليل الجمهور بشان نشاطات العراق كان فضيحة سياسية خطيرة في تاريخ الولايات المتحدة. ومدة الحرب الطويلة في أفغانستان، 18 سنة، وانتهاءها بمشهد مخجل للجيش الأمريكي وهو يهرب من كابول ويخلف وراءه الحلفاء لرحمة طالبان، كل ذلك ترك ندب عميقة في الوعي الأمريكي.
رغم كل ذلك إلا انه منذ الحرب العالمية الثانية اعتبرت الولايات المتحدة في العالم لاعبة عقلانية، تنفذ سياسة حتى لو لم نتفق معها، إلا ان لها منطق منظم ومتسق. الى جانب عدوانها العسكري فان الدولة الاغنى في العالم عرض أيضا جانب سخي ورحيم، الذي يقدم المساعدة الإنسانية ويدفع بالقيم الديمقراطية التي يمكن ان تؤدي الى حياة افضل. ان حضور الولايات المتحدة كشرطي منح الشعور بالأمان في النظام العالمي وادى ليس فقط الى الحروب، بل أيضا الى اتفاقات سلام لمكافحة العنف. عند دخول ترامب الى البيت الأبيض والحرب التي اعلنها على الحكومة الفيدرالية، هذا الشعور اختفى. يصعب الاعتماد على الالتزام الدولي بإدارة قامت بإلغاء كل برامج مساعدتها العالمية، وتقوم بمنع الطلاب الأجانب.
الآن سؤال هل الاستقرار العالمي سيتقوض يرتبط بسؤال ما الذي سيقرره شخص واحد، المعروف باتخاذ القرارات استنادا الى الحدس، وبشكل عام بناء على معلومات حصل عليها من شخص همس في اذنه. لا يجب الاستخفاف بنزوات ترامب، ويجب الاخذ في الحسبان حقيقة أنها السبب الذي من اجله هو موجود في الحكم. في العشر سنوات التي كان فيها هو القوة المهيمنة في السياسة الامريكية اثبت مرة تلو الأخرى فهما عميقا لناخبيه وكيفية تصرفه ازاءهم. ولكن حقيقة انه يشعر بالامر الصحيح الذي يجب عليه قوله في مؤتمر انتخابي، لا تعني انه يعرف كيفية اتخاذ القرار الصحيح في وضع حساس وفي وضع مصيري محتمل.
في ظل غياب مركز قوة آخر في المنظومة الدولية، يمكنه أن يتولى القيادة، فانه لا يوجد امامنا أي خيار باستثناء الانتظار ورؤية لمن سيستمع ترامب في هذه المرة. هل للانفصاليين في حزبه، غير المستعدين لانفاق دولار على أمن دولة أخرى، أو لنتنياهو ورجاله الذين يشرحون له بأن هذه فرصة تأتي لمرة واحدة؟ هل سيتذكر الدرس الصعب من الحرب في العراق، الذي أيضا في حينه هاجمت أمريكا دولة من اجل منعها من استخدام سلاح غير تقليدي، ومن خلال التطلع الى تغيير النظام؟ أو هل اغراء النظر اليه على أنه المنتصر الكبير، بطل حازم لا يتردد في الضغط على الزناد، سيتغلب على الدافعية للامتناع عن الحروب الزائدة والوفاء بوعده للناخبين، تمسك ادارته بايديولوجيا “أمريكا أولا”؟.
مع الاخذ في الحسبان سياسته المتعرجة في أي قضية أخرى، حتى لو قام بارسال الطائرات المحملة بقنابل تخترق التحصينات، هل لن يغير رأيه في منتصف الطريق؟ بسبب انه لا أحد يمكنه فهم أفكاره المضطرة، وبسبب عدم وجود سياسة متماسكة فانه ليس امامنا الا الانتظار.