هآرتس: بايدن وترامب على حد سواء تبقى لهما استنتاج واحد: إسرائيل لا تفهم الا لغة القوة

هآرتس 16/1/2025، تسفي برئيل: بايدن وترامب على حد سواء تبقى لهما استنتاج واحد: إسرائيل لا تفهم الا لغة القوة
في الخطاب الاخير الذي القاه، ربما الخطاب الاخير الذي سيلقيه في ولايته، صاغ انطوني بلينكن ملخص مهمته السياسية. “يجب خلق واقع جديد في الشرق الاوسط، كل الشعوب فيه تكون آمنة آكثر. الجميع يستطيعون تحقيق الطموحات الوطنية لهم ويمكنهم العيش بسلام”، هذا ما قاله في هذا الاسبوع وزير الخارجية الامريكي التارك. “هل هذا صعب على التحقق؟ نعم. السلام في المنطقة كان دائما صعب. هل هذا أمر مستحيل؟ لا. هل هذا حيوي؟ بالتأكيد نعم”.
رغم أن اقوال بلينكن تعكس استراتيجيته التي عمل عليها كثيرا، وتعهد بها وسوقها مع الرئيس جو بايدن، إلا أنها ليست سوى أمنية. سواء الاسرائيليين أو الفلسطينيين لم يستجيبوا لبلينكن. أمنيات مشابهة سُمعت في الخطابات الاجمالية لادارات امريكية سابقة، بما في ذلك الادارات التي بذلت الجهود الكبيرة للدفع قدما بعمليات سياسية، لكنها بقيت مع الفتات.
بلينكن كانت له نظرية مرتبة، اساسها نشر في مؤتمر الـ “جي 7” في طوكيو في تشرين الثاني 2023، بعد شهر على اندلاع الحرب. ومنذ ذلك الحين نفس هذه النظرية بقيت على حالها. وعلى الارض لم يتم حدوث أي تقدم تقريبا. في هذا الاسبوع تم تلخيص مبادئها ببضع جمل: “غزة لن يتم حكمها الى الأبد على يد حماس، ولن تستخدم كمنصة للارهاب والهجمات العنيفة. وسيتم تشكيل ادارة بقيادة الفلسطينيين بحيث تكون غزة موحدة مع الضفة في ظل السلطة الفلسطينية. لن يكون احتلال اسرائيلي في غزة أو تقليص مساحتها. وفي النهاية لن تكون أي محاولة لفرض الحصار على غزة أو تهجير بالقوة للسكان”.
من اجل تجسيد هذا الطموح يجب على السلطة الفلسطينية تطبيق “اصلاحات بعيدة المدى”. وفي نفس الوقت يجب على اسرائيل الموافقة على وحدة غزة والضفة “بقيادة السلطة”. عمليا، بلينكن اقترح أن تقوم السلطة الفلسطينية باستدعاء شركاء دوليين لمساعدتها على اقامة وتفعيل ادارة مؤقتة لها صلاحية في المجالات المدنية مثل الصرافة، الكهرباء، المياه، الصحة والتعليم، وكل ذلك بالتنسيق المدني مع اسرائيل. حسب اقتراحه فان المجتمع الدولي سيقوم بتوفير الاموال والمساعدات التقنية. وحسب قول بلينكن فان هذه هي المرحلة الاولى نحو الطريق الى الهدف النهائي، اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
في الخطاب كرر ايضا بلينكن الحقيقة المعروفة التي بحسبها “اسرائيل لا يمكنها العيش في وهم أنه يمكنها ضم المناطق دون أن يكون لذلك تأثير على ديمقراطيتها”. وقد حمل اسرائيل مسؤولية انهيار السلطة. “هي قامت بتخريب بشكل ممنهج القدرة والشرعية للبديل الوحيد لحماس – السلطة الفلسطينية”. ايضا هو لم يتطرق الى مسألة اخرى تتعلق بدورها، أو ما يمكن تسميته بدرجة صحيحة اكثر “عجز ادارة بايدن في جهود الدفع قدما بخطته”. لأنه حتى عند فحص الطريقة التي جرت وتجري فيها المعركة السياسية لاطلاق سراح المخطوفين، ورغم الجهود التي بذلتها ادارة بايدن للدفع قدما بذلك، فان الاتفاق مسجل على اسم ترامب. بالتالي، “ارث” هذه العملية المؤلمة هو أنه بدون التهديد والضغط للرئيس الجديد فانه يبدو أن خط النهاية للاتفاق، اذا كان، لن يتم تجاوزه بدونه.
يبدو أن المفهوم الفارغ الذي قام ترامب بصكه، “فتح ابواب جهنم” (بدون تفسير طبيعة جهنم هذه ومن سيدخل اليها)، كان المفتاح السحري المطلوب من اجل اجبار نتنياهو على الموافقة على الصفقة، وهي الصفقة التي وضعها على بايدن على الطاولة قبل اشهر كثيرة. هل كان بايدن يمكنه في مرحلة مبكرة أن يفتح هو نفسه ابواب جهنم؟. رغم أنه في الولايات المتحدة لن يتم تشكيل لجنة تحقيق لفحص الاخفاقات السياسية للادارة الامريكية في كل ما يتعلق بمعالجة الحرب في غزة، إلا أنه يبدو أن الادارتين اصبح يمكنهما الاستنتاج بأن “اسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة”.
ليس فقط صفقة التبادل يمكنها التدليل على صحة هذه الصيغة. فبايدن اجبر نتنياهو على الموافقة على زيادة كمية المساعدات الانسانية التي تدخل الى غزة. ورغم القيود التي فرضها على ارسالية القنابل ثقيلة الوزن، إلا أن المساعدات الانسانية للقطاع لم تصل الى المستوى الذي طلبته الادارة. ايضا لم يتم اتخاذ أي ترتيبات جديدة وناجعة لتوزيع المساعدات في القطاع. وفضلا عن ذلك فان تهجير سكان غزة – البند المركزي في المحظورات التي سعت الادارة الامريكية الى تطبيقها – لم يتوقف، بل هو حتى توسع؛ المحادثات الهاتفية الصعبة بين واشنطن والقدس لم تمنع اعمال الشغب والمضايقة للمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
في نفس الوقت ادارة غزة في اليوم التالي اصبحت موضوع ملح ازاء اعادة انتشار قوات الجيش الاسرائيلي من جديد في القطاع. ورغم ذلك فان طموحات الامريكيين في هذا الشأن علقت في المكان الذي كانت فيه عند اندلاع الحرب. ومحاولة تجنيد قوات محلية – رؤساء حمائل أو ممثلين لقيادة محلية اخرى – لم تتبلور وتصبح خطة عملية. ايضا فكرة استخدام شركة مدنية امريكية تتحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات لن تتبلور. يمكن التقدير بأن الوضع الذي فيه العصابات المسلحة واعضاء حماس هم الذين سيستمرون في ادارة منظومة التوزيع، كما فعلوا حتى الآن، سيستمر، حتى ربما في الاسابيع والاشهر القادمة.
قضية اخرى معقدة ترتبط بتشغيل معبر رفح الذي يمكن فتحه في مرحلة معينة في فترة وقف اطلاق النار. مصر تصمم على أنه في الطرف الغزي سيتم تشغيل المعبر من قبل جهات فلسطينية معروفة، أي السلطة الفلسطينية أو أي جسم فلسطيني آخر. في المقابل، مصر، بالتنسيق مع الادارة الامريكية، بادرت الى تشكيل “لجنة ادارة اجتماعية”، تتكون من عدة اشخاص متفق عليهم من قبل حماس والسلطة الفلسطينية، هدفها ادارة البنى التحتية المدنية برعاية السلطة الفلسطينية وحسب الأمر الذي سينشره رئيس السلطة محمود عباس. حماس وافقت على تشكيل اللجنة، وحتى أنها عرضت قائمة لاشخاص سيكونون اعضاء فيها. ولكن في هذه المرة محمود عباس استخدم الفيتو وقال بأنه يعارض تشكيل اللجنة.
حسب اقوال محمود عباس فان تشكيل هذه اللجنة سيشكل في غزة ادارة فلسطينية موازية لادارة السلطة الفلسطينية. يوجد في ذلك ما من شأنه فصل قسمي فلسطين وتقويض مكانة السلطة الفلسطينية وم.ت.ف، كممثلين حصريين للشعب الفلسطيني. بخصوص اسرائيل فان موقفها المبدئي الذي لا هوادة فيه كان وما زال المعارضة الشديدة لأي اشراك للسلطة الفلسطينية في ادارة القطاع. ازاء هذه المواقف فان الادارة بقيت بدون رد. ومن غير تعاون السلطة الفلسطينية أو أي جسم فلسطيني آخر معروف، فانه حتى المبادرة الامريكية لتجنيد قوة متعددة الجنسيات، بالاساس عربية، التي ستدخل الى القطاع لغرض الحماية والمساعدة في الادارة بقيت على الورق.
الرئيس ترامب سيرث خارطة شرق اوسط معقد وخطير. هو في الحقيقة نجح في تحقيق جزء مهم من “صفقة القرن” عندما نفذ “اتفاقات ابراهيم”، لكنه يعود الى نقطة الصفر في كل ما يتعلق بالنزاع مع اسرائيل والفلسطينيين. خلافا لبايدن وبلينكن، ترامب لم يضع حتى الآن خطة عمل واقعية، سواء في القضايا التكتيكية والفورية، أو في رؤيته الاستراتيجية التي هي وصفة للتطبيق من اجل تسوية ادارة غزة، والدفع قدما بعملية سياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، أو التطبيع بين السعودية واسرائيل. من المهم معرفة كيف ينوي الالتفاف على شروط الرياض، التي تطالب بخطة لحل القضية الفلسطينية بحيث تشمل أفق سياسي على اساس حل الدولتين مقابل التطبيع. يجب الآن الانتظار ورؤية اذا كان “فتح ابواب جهنم” سيتحول الى استراتيجية ثابتة له، حتى في مواضيع اساسية، أو أنه كان مشهد لمرة واحدة.