هآرتس: انسحاب من محور فيلادلفيا يمكنه أن يعطي زخما للمفاوضات
هآرتس 19/8/2024، تسفي برئيل: انسحاب من محور فيلادلفيا يمكنه أن يعطي زخما للمفاوضات
القيادي في حماس، غازي حمد، كان حاسما في اقواله التي قالها في يوم الجمعة، والتي بحسبها “حماس لن تسمح بأي شكل من الاشكال ببقاء جيش الاحتلال في أي مكان في قطاع غزة”. في الحقيقة الانسحاب الكامل من القطاع كما طالبت خطة الرئيس الامريكي في شهر أيار، غير مطروح للتفاوض في هذه المرحلة، لكن مكانة محور فيلادلفيا ومعبر رفح هي جزء لا يتجزأ من الخطة، على الاقل حسب موقف مصر.
في بداية شهر ايار سيطرت اسرائيل على معبر رفح، وردا على ذلك قررت مصر اغلاقه امام حركة البضائع والاشخاص. المساعدات الانسانية دخلت الى القطاع من معابر حدودية اخرى، لكن المرضى والمصابين الذين يحتاجون الى علاجات معقدة في مصر أو في دول عربية اخرى، لا يسمح بخروجهم من القطاع. الـ 11 طفل المرضى بالسرطان الذين خرجوا في يوم الخميس الماضي مع مرافقيهم الى الاردن، هم حالة استثنائية في الاشهر الاخيرة. الجهود الدبلوماسية والضغط الشديد الذي تمارسه الولايات المتحدة على مصر من اجل فتح المعبر لم يثمر حتى الآن، وموقف القاهرة هو موقف حاسم ولم يتغير منذ شهر أيار.
مصر تصمم على أن موافقتها على فتح معبر رفح ستكون فقط اذا قام بتشغيل الطرف الغزي من المعبر رجال السلطة الفلسطينية أو أي جسم فلسطيني آخر يتم الاتفاق عليه. “طالما أن اسرائيل تسيطر على المعبر فان القاهرة لن تتعاون”، قالوا في مصر. حسب المصريين فان التعاون مع اسرائيل على ادارة المعبر لن يعطي فقط الشرعية للسيطرة على المعبر، بل هو يعتبر تطبيع لاحتلال اسرائيل للقطاع. طلب مصر نقل ادارة المعبر الى السلطة رفض حتى الآن من قبل اسرائيل بشكل قاطع، الذي بحسبه لن يكون للسلطة أي دور في ادارة القطاع، بما في ذلك معبر رفح. في عدة مناسبات اثناء الحرب تم القيام بعدة محاولات لايجاد بديل فلسطيني لادارة المعبر. قبل شهر نشر موقع “اكسيوس” عن لقاء بين الامين العام في م.ت.ف، حسين الشيخ، وبين جهات اسرائيلية لفحص مرة اخرى امكانية دمج موظفين فلسطينيين في المعبر، لكن هذا اللقاء انتهى بدون أي اتفاق.
موقف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، هو موقف حاسم مثل موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي بحسبه السلطة الفلسطينية، بشكل علني وبدون تمويه أو تقنع، هي التي يجب أن تكون صاحبة البيت في غزة. السلطة ستكون مستعدة لتحمل المسؤولية عن ذلك، لكن فقط في اطار حل سياسي شامل. في هذا الاسبوع، عندما ستأتي الى مصر طواقم الوساطة من اسرائيل ومن قطر لمواصلة المفاوضات التي بدأت في نهاية الاسبوع في الدوحة، فانه يتوقع أن تطرح مرة اخرى قضية المعبر ومحور فيلادلفيا. وحتى الآن لا يبدو أنه يوجد للطرفين أي وصفة يمكنها ارضاء الجميع.
للوهلة الاولى يبدو أن قضية السيطرة على محور فيلادلفيا اقرب للحل من مسألة ادارة معبر رفح، لكن هاتين المسألتين مرتبطتان ببعضهما ويمكن أن تحددا مستقبل المفاوضات حول اطلاق سراح المخطوفين. في يوم الاربعاء الماضي اوضح رئيس الاركان هرتسي هليفي بأن الجيش الاسرائيلي يعرف كيفية التعامل مع أي قرار للحكومة، سواء قررت أنه يجب على الجيش البقاء في المحور أو اختارت تنفيذ اقتحامات عارضة حسب الحاجة، أي بدون تواجد دائم في المحور. القرار هو سياسي وليس عسكري، وهو يوجد في يد نتنياهو، الذي يتعرض للضغوط السياسية المعروفة.
مصر من ناحيتها اوضحت بأنها ستكون مستعدة لاقامة عائق عسكري وتكنولوجي متطور يمكنه منع نقل السلاح والمعدات على طول الحدود، لكنها تطالب بأن لا يأتي تمويل اقامة هذه المنظومة من جيبها، كما يبدو هذا الطلب لن يشكل أي عقبة، لكن الجدول الزمني لاقامة هذا العائق وتجربة الماضي غير الناجحة التي كانت مع منظومة مشابهة على طول الحدود بين مصر وغزة ستصعب الامور اكثر.
في 2009 قامت مصر ببناء جدار فاصل من الفولاذ، على طوله تم وضع حساسات للصوت وكاميرات واجهزة استشعار وحساسات الكترونية اخرى. في حينه اعتبر “غير قابل للاختراق”. خلال سنة تبين أن هذا الاستثمار الضخم لم يساعد. من يقومون بلحم الحديد من غزة الذين نجحوا في اجراء ثقوب في الجدار الفولاذي وانفاق جديدة تجاوزت صفائح الفولاذ التي تم دفنها في عمق 20 متر، استأنفوا الحركة تحت الارض على جانبي الحدود. ايضا المنطقة العازلة التي اقامتها مصر بين القطاع وشبه جزيرة سيناء لم تؤثر في مهندسي حماس ومقاولي الحفريات لديه.
الاقتراح الذي تمت مناقشته مؤخرا، وهو وضع قوة متعددة الجنسيات تقوم بدوريات ثابتة ومكثفة على طول الحدود، مصر لم تظهر تحمسها له. لأنه بالنسبة لها هو يمس بسيادتها ويعبر عن عدم الثقة بقدرتها على حماية حدودها. من هنا فان المفهوم الجديد “تخفيف القوات” (الذي معناه العملي غير واضح تماما)، لا يمكن أن يلبي طلب مصر الذي بالنسبة اليها تواجد قوة اسرائيلية عسكرية ثابتة في قطاع غزة بأي حجم، يخرق اتفاق كامب ديفيد، وبالتأكيد لا يلبي طلب حماس النهائي.
ايضا اذا تم تسلم صيغة تكون مقبولة على اسرائيل ومصر حول مسألة محور فيلادلفيا، فهي لا تحل مسألة معبر رفح، وبالتأكيد ليس قضية السيطرة المدنية والعسكرية في غزة في كل مرحلة من مراحل المفاوضات. حماس في الحقيقة غيرت موقفها الاساسي ولم تعد تطالب بوقف الحرب أو انسحاب اسرائيل الكامل في المرحلة الاولى للصفقة، بل هي تربط ذلك بتنفيذ المرحلة الثانية. بخصوص ادارة غزة حماس اوضحت في عدة مناسبات بأنها ستكون مستعدة للتعاون مع السلطة الفلسطينية بواسطة “حكومة خبراء”، كما يبدو على صورة الحكومة التي تم تشكيلها في 2017. ولكن هذه الاقتراحات غير واردة بالنسبة لاسرائيل.
يبدو أن المرحلة الاولى في صفقة التبادل لا تقتضي مناقشة قضية ادارة قطاع غزة، لذلك فانه لا يدور الحديث عن انسحاب اسرائيل من غزة، لكن المتحدثين بلسان حماس يوضحون أن رفض اسرائيل الالتزام بمناقشة هذه القضية بعد المرحلة الاولى للصفقة يدل على أنها لا تنوي الانسحاب أو وقف الحرب بشكل كامل. بقدر ما يمكن معرفته من تصريحات المتحدثين والمحللين في مصر الذين يعكسون المزاج السائد في الحكومة المصرية، ايضا هناك يقدرون بأنه بعد تنفيذ المرحلة الاولى من الصفقة ستستأنف اسرائيل القتال في القطاع، وأنه يجب على مصر الاستعداد لحالة أنه حتى لو تم التوصل في المرحلة الاولى الى اتفاق حول محور فيلادلفيا فان اسرائيل ستعود وتسيطر عليه بعد ذلك.
على هذه الخلفية يحاول السيسي الحصول من الرئيس الامريكي على ضمانات قوية بأن اسرائيل لن تستأنف الحرب حتى اذا تباطأت المحادثات حول المرحلة الثانية أو فشلت. “هناك عدم ثقة سائد بين مصر والمستوى السياسي في اسرائيل”، قال للصحيفة محلل مصري يكتب في صحيفة رسمية. “في السابق كان يمكن انهاء الامور بدون ورقة عمل أو صياغة تعاقدية. الآن نحن لا يمكننا الثقة بوعود أو تعهدات غير مقرونة بضمانات طرف ثالث، مثل الولايات المتحدة التي نجد صعوبة حتى في الوثوق بها”. حسب قول هذا المصدر فان مصر لا تميز بين وقف الحرب وبين مسألة محور فيلادلفيا ومعبر رفح. فالقرار حول الانسحاب من محور فيلادلفيا يمكن أن يخدم مصر كضمانة تبحث عنها لوقف الحرب، وفي نفس الوقت تهدئة حماس.