هآرتس: الولايات المتحدة تأمل أن يصعب على نتنياهو التراجع عن الصفقة بعد المرحلة الأولى

هآرتس 20/12/2024، عاموس هرئيل: الولايات المتحدة تأمل أن يصعب على نتنياهو التراجع عن الصفقة بعد المرحلة الأولى
الفترة الأخيرة تميزت بموجة نشاطات محدثة حول الجهود لبلورة صفقة لاطلاق سراح المخطوفين بين إسرائيل وحماس. الادارتان في أمريكا، التاركة والجديدة، تضع الآن كل ثقلها من اجل فرض على الطرفين اتفاق قبل تبادل السلطة، بعد شهر بالضبط. هذا الفيلم شاهدناه عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكن في هذه المرة يعدون بأن النهاية ستكون مختلفة، متفائلة اكثر.
عقب اخيل في الصفقة التي تلوح في الأفق يكمن في نية صائغيها بتقسيمها الى نبضتين. الولايات المتحدة ودول الوساطة، مصر وقطر، تؤمن بأنها ستنجح في دفع إسرائيل الى نوع من الشعب المرجانية. فمنذ اللحظة التي سيبدأ فيها تطبيق المرحلة الأولى، سيصعب على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الانسحاب من الاتفاق. تفجير الصفقة في الفترة الانتقالية بين المرحلتين سيؤدي الى استئناف الحرب وإبقاء المخطوفين المتبقين في الاسر في قطاع غزة. والحكومة لن تتمكن من الصمود امام الضغط الذي سيستخدم عليها، سواء من الخارج أو من داخل المجتمع الإسرائيلي.
لكن الخوف، الذي بدأت عائلات المخطوفين تعبر عنه بشكل علني وبقوة متزايدة، هو أنه في نهاية المطاف لن تتحقق صفقة كاملة. فحسب العائلات المفاوضات بين إسرائيل وحماس ستنفجر في مرحلة الانتقال بين النبضتين بسبب الصعوبة التي ستجدها إسرائيل في تلبية الطلبات المبالغ فيها لحماس. في هذا السيناريو فان المخطوفين الرجال، الجنود والمدنيين الشباب، سيبقون في القطاع، في حين أن الجيش الإسرائيلي سيستأنف القتال وعمليات القصف. عشرات المخطوفين ماتوا منذ انهيار الصفقة الأولى في 1 كانون الأول السنة الماضية. بعضهم بقصف لإسرائيل بالخطأ وبعضهم بسبب المرض وبعضهم بسبب قتلهم بدم بارد على يد آسريهم من حماس. مصير مشابه يمكن أن يكون للمخطوفين الذين لم يتم تحريرهم في النبضة الأولى من بين النبضتين المخطط لهما.
التقدير بأن المفاوضات يتوقع أن تفشل في الجزء الثاني يكمن في ادراك اعتبارات الطرفين. الموضوع الحاسم بالنسبة لحماس هو انهاء الحرب وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي بالكامل من القطاع. من اجل التوصل الى هذا الهدف وإزاء الوضع البائس الحالي الذي أوصلت قيادة حماس نفسها اليه، فان من تبقى منها سيوافقون كما يبدو على التنازل في النبضة الأولى. حماس ستسلم بوجود عسكري إسرائيلي جزئي في القطاع طوال فترة تنفيذ الاتفاق، التي خلالها سيتم اطلاق سراح النساء، المرضى والمسنين، مقابل بضع مئات من السجناء الفلسطينيين. ولكن نتنياهو، وبالتأكيد شركائه في الجناح اليميني المتطرف في الحكومة، لا يريد انهاء الحرب، وهو أيضا سيجد صعوبة في دفع الثمن المرتفع الذي ستطلبه حماس مقابل اطلاق سراح الجنود والمدنيين الباقين (إضافة الى إعادة جثث المخطوفين). في هذه الظروف يتوقع فشل المفاوضات واستئناف الحرب. بالنسبة لعائلات المخطوفين الباقين، بشكل خاص هذه ستكون كارثة.
في الأسابيع الأخيرة حدثت وراء الكواليس تغييرات مهمة في تشكيلة وأسلوب عمل هيئة النضال من اجل تحرير المخطوفين. بعض المستشارين الاستراتيجيين الذين لعبوا دور رئيس في النضال وساروا في خط متشدد تجاه نتنياهو وحكومته، تركوا وظائفهم. العائلات تتصرف الآن في عدد من قنوات العمل الموازية، والى جانب تنظيم المظاهرات وخطوات احتجاج أخرى، تحاول استخدام تاثيرها أيضا على نشطاء يمين، وحتى يمين متطرف، في محاولة لتخفيف المعارضة للصفقة (مع المعرفة بأن الجزء الأصعب هو تطبيق النبضة الثانية).
التفكير هو أن اليسار والوسط، وحتى الأحزاب الحريدية، ستؤيد أصلا تمرير كل صفقة يصادق عليها نتنياهو. الصعوبة تكمن في تخفيف المعارضة من اليمين بهدف ضمان اكبر قدر من التأييد. ليس سرا أن رئيس الحكومة يعتمد بقائه السياسي على شركائه في اليمين، وأن معارضتهم لتقديم التنازلات في السنة الأخيرة كانت اللغم الأساسي في الطريق الى الصفقة. بعض هذه الجهود وجدت التعبير في تطبيق خطوات علنية. هكذا، نشرت رسائل لحاخامات الصهيونية الدينية (المعسكر وليس القائمة) عبرت عن التأييد المبدئي لتحرير المخطوفين بواسطة صفقة، وتم تنظيم زيارات لحاخامات ومراسلين من اليمين في كيبوتسات غلاف غزة. مع ذلك، معظم عائلات المخطوفين تأتي من كيبوتسات الغلاف ومن معسكر أيديولوجي بعيد جدا عن اليمين، وهي تجد صعوبة في اجراء حوار مفتوح مع أعضاء الكنيست وحاخامات الصهيونية الدينية. لذلك فان هذه الخطوات تتركز في عدد قليل نسبيا من النشطاء.
ادعاء هؤلاء النشطاء هو أن اليمين العميق، أحزاب الصهيونية الدينية وقوة يهودية وبعض أعضاء الكنيست في الليكود، مصمم على العودة الى القتال بعد النبضة الأولى، ليس بسبب الرغبة في إعادة الاستيطان الى القطاع، بل بالأساس لأنه حسب رؤيته لم تتحقق حتى الآن كل الإنجازات الجوهرية المطلوبة في الحرب. هذه رؤية “النصر المطلق” التي يوجد خلفها أيضا تفكير واهداف، لكن يتم تسويقها من قبل نتنياهو بدون تفصيل وتفسيرات حقيقية. على الاغلب يتم تكرارها من قبل مؤيديه بدون أي نقاش حقيقي. في الخلفية توجد رغبة في أن يتم اصلاح في القطاع ما يعتبره اليمين ظلم تاريخي – اتفاق أوسلو، الانفصال وصفقة شليط، التي ليس فقط حررت 1027 مخرب، بل اعادت الى القطاع يحيى السنوار الذي فكر في وقاد المذبحة في 7 أكتوبر السنة الماضية.
اليمين يعمل أيضا من خلال الشعور بأن الخطوات الحاسمة التي قامت فيها إسرائيل في غزة ستمنع أي خطر جديد من هناك، وهكذا فهي ستضمن الامن لفترة طويلة. في حين أن اهداف الحرب في القطاع كما تحددت في الجيش الإسرائيلي تتحدث عن “منع التهديد لفترة طويلة” فانهم في اليمين يطالبون بضمان الامن لعقود قادمة. هذا الطلب يترسخ أيضا في شعور التضحية في أوساط الجمهور الديني – الوطني. مئات عائلات قتلى الجيش الإسرائيلي في الحرب الحالية (من بين الـ 800 جندي الذين قتلوا) أعضاء في “منتدى البطولة” الذي يعلن عن اهداف مشابهة، وفي معظمه جاء من التيارات الدينية. في حين أن المستوطنين بالأساس يعتبرون انفسهم مجموعة تتعرض للخطر نتيجة اطلاق سراح مخربين في المستقبل بواسطة صفقة. لأن جزء كبير من نشاطات التنظيمات الإرهابية يحدث في الضفة الغربية.
حسب نفس خط التفكير فان اليمين سيرفض الموافقة على وضع فيه الحرب ستنتهي بدون هزيمة حماس، أو حتى من خلال وعد تلميحي لاستئناف القتال، بعد العثور على ذريعة مناسبة. اليمين أيضا لن يكتفي بالتركيز الوطني على الاستعداد لمهاجمة المنشآت النووية في ايران، بل سيطلب مواصلة القتال في الجبهتين. في المقابل، رغم الضجة التي تثيرها دانييلا فايس وامثالها، إلا أنه سيكون بالإمكان كبح تحقيق هذه التطلعات الاستيطانية، مع الحصول على اغلبية اكبر لتأييد الصفقة.
لذلك، ادعاء عدد من النشطاء في القيادة هو أنه يجب السعي الى عقد الصفقة التي تأخذ في الحسبان الخطوط الحمراء لليمين العميق. وهذه تشمل إعادة جميع المخطوفين كشرط للانسحاب شبه الكامل من القطاع؛ انشاء محيط صارم على حدود القطاع داخل الأراضي الفلسطينية، وأي دخول اليه سيتم الرد عليه باطلاق النار؛ إيجاد فصل كامل بين القطاع ومصر (بواسطة اغلاق تكنولوجي كامل لمحور فيلادلفيا، بدون تواجد إسرائيلي مادي، وإقامة معبر حدودي تحت سيطرة إسرائيل في كرم أبو سالم)؛ منع اشراك حماس والسلطة الفلسطينية أو مبعوثيهم في الإدارة المستقبلية في القطاع؛ التصميم على أن المخربين الذين سيتم اطلاق سراحهم في الصفقة لن يعودوا الى الضفة الغربية أو شرقي القدس، بل سيتم طردهم الى القطاع أو الى الخارج. تطبيق هذه الأهداف مرهون بخطوات أخرى من ناحية إسرائيل، التي ستتأثر أيضا بتسلم ترامب لمنصبه في الولايات المتحدة. هذا يحتاج الى تنسيق كبير مع الأمريكيين، ونشاط إسرائيلي مبادر اليه وحازم اكثر في القطاع وفي الخارج، وبلورة اقتراح آخر في المفاوضات.
هذه الأفكار بعيدة المدى وتحتاج الى نظرة مختلفة كليا على المفاوضات حول الصفقة. بنظرة أولية يمكن إيجاد فيها نقاط ضعف مركزية بدون التعمق في جوهر الخطوط الحمراء التي رسمت. أولا، كل النقاش يتناول الآن الصفقة بالطريقة التي يقترحها الامريكيون، أي نبضتين، الثانية منها كما يبدو لن يتم تنفيذها. وربما أن هذه سيتم الاتفاق عليها قريبا. ثانيا، حتى لو تم تطبيق الخطوط الحمراء فمن غير الواضح من الذي سيوافق في اليمين العميق في نهاية المطاف عليها، وما اذا كان سيقرر في النهاية الجناح الذي يعارض تقديم تنازلات.
رغم التعاطف الإنساني الكبير في أجزاء من الجمهور الديني الوطني، مع انهاء مأساة المخطوفين، إلا أن القيادة تعمل بشكل مختلف. فالوزير سموتريتش انحرف عن ذلك للحظة بصورة تستحق التقدير، عندما وافق على تأييد صفقة المخطوفين الأولى. فهل سيتصرف هكذا في الصفقة القادمة، حيث تهديد نسبة الحسم في الانتخابات القادمة يحلق فوق رأسه؟ أول أمس صرح بشكل متشدد ضد الصفقة الجديدة التي تلوح في الأفق.