هآرتس: المساعدة للدروز رافعة لسيطرة إسرائيل في جنوب سوريا

هآرتس 4/5/2025، تسفي برئيل: المساعدة للدروز رافعة لسيطرة إسرائيل في جنوب سوريا
“السويداء كانت وستبقى جزء لا يتجزأ من سوريا الموحدة، والانتماء للوطن هو كرامة وامتياز”، هذا ما جاء في الإعلان المشترك الذي نشره في يوم الجمعة زعماء الطائفة الدرزية في محافظة السويداء. في هذا الإعلان رفض الموقعون عليه فكرة “التقسيم” أو “الانفصال عن الدولة، وهي المفاهيم التي تعكس التطلع الى إقامة ولاية درزية مستقلة. ويطالبون الحكومة بفرض الامن والنظام في كل ارجاء الدولة.
هذا الاعلا نشر بعد اتفاق منفصل وقع بين زعماء مدينة جرمانا على مدخل دمشق وبين السلطات. وقد أنهى هذا الإعلان أسبوع صعب من المواجهات القاسية التي جرت في الأسبوع الماضي بين القوات الدرزية وبين من يعتبرون من قبل الحكومة بأنهم “قوات مخالفة للقانون”، التي قتل فيها 102 شخص وأصيب العشرات. يبدو أنه هذه التفاهمات، التي في اعقابها انتشرت قوات الجيش والشرطة في السويداء وفي جرمانا وحصنايا قرب دمشق، نجحت في هذه الاثناء في تهدئة النفوس قليلا، ووضعت الأساس لتعاون هش بين الدروز والنظام. ولكن خلافا لمواجهات سابقة بين الدروز ونظام الأسد، وبعد ذلك في بداية فترة ولاية الشرع كرئيس بعد اسقاط نظام الأسد في كانون الأول، فان هذه المواجهة تضع في امتحان شرعية نظام الشرع ومكانته في الساحة الدولية والساحة العربية.
هذا امتحان سيطرة بدأ في شهر آذار، اثناء المواجهة الدموية التي تطورت بين المليشيات وقوات النظام وبين أبناء الطائفة العلوية في اللاذقية، التي قتل فيها 1700 شخص في هجمات ممنهجة ضد الأقلية الدينية التي كانت متماهية اكثر مع نظام الأسد. خلافا للمذبحة ضد العلويين التي حصلت على تنديد شديد من المجتمع الدولي بدون القيام بعملية حقيقية لمنعها، فان المواجهة مع الدروز تحولت على الفور الى قضية دولية مشتعلة، بالأساس بسبب التدخل العسكري الفوري لإسرائيل. فهي لم تكتفي بمهاجمة المليشيات التي تصادمت مع الدروز، بل قامت بقصف اهداف قرب القصر الرئاسي في دمشق.
التهديد الموجه جيدا للرئيس الشرع استند الى تفسير وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي بحسبه “واجبنا هو الدفاع عن الدروز في سوريا من اجل اخوتنا الدروز في إسرائيل، بسبب اخلاصهم للدولة واسهامهم الكبير في أمن إسرائيل. ولكن هناك شك اذا كان هذا النوع من العمليات هو ما قصده الدروز في إسرائيل أو قيادة الدروز في سوريا.
الزعيم الروحي الكبير للدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهاجري، طالب المجتمع الدولي بالتدخل في المواجهة، وأوضح بأنه “أنا لا اثق بالسلطة التي تتفاخر بأنها ستكون حكومة، لأن الحكومة لا تقتل المواطنين بواسطة المليشيات المتطرفة وبعد ذلك الادعاء أنها جهات خارجة على القانون”. ولكن الهجري نفسه كان مشاركا في اللقاء في شهر آذار مع الشرع، الذي اعلن فيه بأنه لا يؤيد إقامة كانتون مستقل للدروز، وأنهم جزء لا يتجزأ من الدولة.
هذا اللقاء هدف الى الدفع قدما ببرنامج الشرع لتاسيس جيش سوري وطني تندمج فيه كل المليشيات المسلحة، بما في ذلك المليشيات الكردية والدرزية. في حين ان الاكراد عبروا عن الموافقة المبدئية على نزع سلاحهم وأن يكونوا جزء من الجيش الوطني شريطة أن يحصلوا على مكانة منفصلة في داخل الجيش، فان الهاجري أوضح بأن الدروز سيوافقون على نزع السلاح فقط بعد ترميم الجيش الوطني السوري وصياغة قانون يضمن حقوق الدروز.
هذا المبدأ يوجه أيضا التفاهمات التي تم التوصل اليها بعد المواجهات الأخيرة، التي بحسبها النظام سيكون هو المسؤول الأعلى عن الامن في المحافظة، لكن بواسطة جنود ورجال شرطة دروز. الفهم بأن منظومة الدفاع عن الدروز تكون في اطار التعاون بين النظام والقوات الدرزية، تم التأكيد عليه أيضا في اقوال قائد المليشيا الدرزية الكبيرة “رجال الكرامة”، ليث بلعوص، الذي قال في يوم الجمعة بأنه يوجد تنسيق بين الدولة وسكان السويداء بهدف انهاء محاولة ضعضعة الوضع الأمني بواسطة العصابات. يبدو أن بلعوص لا يشارك، على الأقل علنيا، الهاجري في شكوكه، التي بحسبها نفس هذه العصابات يتم تشغيلها من قبل النظام. في كل الحالات هو مستعد الآن لاعطاء فرصة للنظام ومحاولة إيجاد حل متفق عليه لقضية حماية الطائفة الدرزية.
المعنى العملي هو أن الدروز يطمحون الى التوصل الى اتفاق يشبه الاتفاق الذي كان في فترة الأسد، وترسيخ مكانتهم كمسؤولين حصريين عن الامن في المحافظة وفي المدن التي تعيش فيها اغلبية درزية. على هذه الخلفية فان تدخل إسرائيل، الذي حسب تقارير في المواقع السورية يشمل أيضا تزويد القوات الدرزية بالسلاح، وليس فقط المساعدات الإنسانية أو نقل مصابين للعلاج في إسرائيل، هو في الواقع رافعة في المفاوضات التي تجري بين الدروز والنظام. وفي نفس الوقت يعرضهم كامتداد لإسرائيل في داخل سوريا، مع كل التداعيات السياسية والاجتماعية، ويمكن أن يكون ذريعة للمواجهات في المستقبل.
في هذا السياق مهم التذكير بموقف بلعوص. في آذار، بعد المواجهات السابقة في جرمانا والتي في اعقابها اعطى كاتس ونتنياهو التعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد للدفاع عن المدينة، أوضح بلعوص بأنه “نحن نرفض أي محاولة لقوات خارجية بفرض أجندتها علينا. نحن أبناء الجنوب (السوري) كنا وما زلنا جزء من النسيج الوطني السوري، وحماية مجتمعنا وارضها هي مسؤوليتنا الوطنية. لن نوافق على أي تهديد من الخارج بأي ذريعة كانت”.
“هذه هي المعضلة الثابتة للطائفة التي ينتشر ابناءها في عدة دول”، قال للصحيفة ناشط درزي يعيش في هضبة الجولان. “نحن نقلق جدا على مصير اخوتنا في سوريا، ويوجد منا من يريدون حمل السلاح والذهاب للدفاع عنهم، لكن في نفس الوقت نحن نسعى الى الحفاظ على المبدأ الأساسي الذي يقول بأن كل مجتمع درزي سيدير شبكة علاقاته المستقلة مع سلطة الدولة التي يعيش فيها. إسرائيل يجب عليها احترام هذا المبدأ، ويجب عليها معرفة الفرق بين مطالبتنا بحماية أبناء الطائفة في سوريا وبين استخدام هذه الحماية كذريعة لتغيير الخارطة السياسية في سوريا”.
أيضا الشيخ موفق طريق، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، يناور بين قرني هذه المعضلة. وقد أوضح في مقابلة مع قناة “العربية” بأنه “يحق لنا طلب الحماية من أي جهة، بما في ذلك دولة إسرائيل”. وعندما سئل ما اذا كان هذا لن يمس بسيادة سوريا أجاب: “أنا متأكد من أن القيادة السورية ستعطي أبناء الطائفة الدرزية حقوقهم بالكامل. أي أن الحماية الجسدية شيء والوضع السياسي للدروز في سوريا شيء آخر، هذا شأن داخلي خاص بهم، وسيتحدد في المفاوضات بينهم وبين النظام”.
الحكومة في إسرائيل تتجاهل هذا التشخيص وتتطلع الى استغلال الدفاع عن الدروز في سوريا، “من اجل اخوتنا الدروز في إسرائيل”، كمبرر لمواصلة تواجد قوات الجيش الإسرائيلي في أراضي تحت السيادة السورية، وحتى ربما احياء حلم يغئال الون، إقامة دولة درزية فاصلة في جنوب سوريا. في نفس الوقت إسرائيل تدير بواسطة الدروز في سوريا منافسة لي الاذرع ضد سيطرة تركيا على سوريا، وفي الطريق هي تعمل على افشال جهود الشرع، الذي يعتبر في نظرها تنظيم جهادي خطير، لاقامة دولة موحدة يديرها نظام واحد. هذا رغم أن الشرع حصل حتى الآن على اعتراف عربي وتعاون من قبل الدول الأوروبية والإدارة الامريكية.
هذه العملية تذكر بدرجة كبيرة بتبني الطائفة المسيحية في لبنان كامتداد لإسرائيل في حرب لبنان الأولى، أو الأقلية الكردية في العراق كقاعدة عمل ضد نظام صدام حسين وايران. نية إسرائيل هذه غير مخفية عن الدروز الذين فقط بدأوا بنسج علاقاتهم مع النظام السوري. الى جانب شكوكهم وتخوفاتهم من أن هذا النظام لا يمكنه الوفاء بتعهده الدفاع عنهم، فهم يخشون بدرجة لا تقل عن ذلك من أن يصبحوا أداة لعب في استراتيجية إسرائيل.