ترجمات عبرية

هآرتس: الكهانية أكبر بكثير من مجرد عنصرية

هآرتس 16/8/2024، جلعاد هسا: الكهانية أكبر بكثير من مجرد عنصرية

مفهوم كهاني يتم تشخيصه في الوعي الإسرائيلي بشكل فوري مع العنصرية. بالنسبة لكثيرين يكفي هذا التشخيص من اجل انهاء كل نقاش حول عقيدة الحاخام مئير كهانا. ولكن هذا التشخيص الضيق يصعب على تفسير تأثير كهانا والكهانية على المجتمع الإسرائيلي والخطر الكامن في نظريته.

تعاليم كهانا التي يرفعها من يواصلون دربه، تربط القومية المتطرفة العنيفة وطرق عمل لليسار الراديكالي في الولايات المتحدة في أيديولوجيا من التمزيق والفوضى، وفي هذا يكمن خطرها الكبير. إن استبعادها فقط بسبب عنصريتها، التهمة التي يرفضها من يواصلون درب كهانا، تؤدي الى تجاهل تداعياتها الأكثر خطورة، وتمكنهم من العمل مع شرعية اجتماعية وتطبيق جوانبها الفوضوية لهذه التعاليم، التي تقوض سلطة القانون. 

الكهانية والعنصرية. الصعوبة الأولى في وصف تعاليم كهانا كايديولوجيا عنصرية تكمن في أنه يوجد بين أتباعه من ينفون علنا جوانب كثيرة من تعاليم استاذهم. وقد زاد في ذلك ايتمار بن غفير الذي اعلن قبل سنتين تقريبا بأنه “الآن أنا لست الحاخام كهانا”. ومثلما اظهر عالم الاجتماع عيدان يارون في مقال له بعنوان “الانقسام كمناورة – التاريخ والحاضر في حركة الكهانية” (مجلة “دعوت”، أيلول 2023). يبدو أنه يوجد تغيير معين في مواقفه بصورة أدت الى الانقسام بينه وبين شركاءه السابقين في قيادة الحركة الكهانية، باروخ مارزيل وميخائيل بن آريه. 

الاكتفاء بمفهوم “عنصرية” يثير صعوبات أخرى، أحدها الصعوبة في تعريف تعاليم كهانا وتعاليم أتباعه كعنصرية حسب التعريف السائد. هذه الصعوبة يتم استغلالها جيدا من قبل مؤيديه. علماء اجتماع وباحثون يوضحون بأن الكهانية لا تنطوي على مفهوم التفوق العرقي أو الاثني، بل على مفهوم التفوق القومي والديني الذي يشبه تعاليم حركات دينية إسلامية متطرفة اكثر مما يشبه النظريات العرقية. هكذا فان الكهانية لا تنفي مثلا تحويل الديانة الى يهودية، وهو الخيار الذي تسارع النظرية العرقية الى الغائه. في مجالات كثيرة فان تعاليمه تشبه الى درجة كبيرة وجهة نظر الصهيونية السائدة التي تتعامل أيضا مع التفضيل القومي.

إن رفض الكهانية لا يمكن أن يكتفي بالرفض الأخلاقي للعنصرية. مع ذلك، الحدس الأخلاقي حول الكهانية يجد الدعم في تصرفات وتصريحات كثيرة لتلاميذه ومؤيديهم. واختراق جمهور تم تحريضه، على رأسه عضو الكنيست لقاعدة سديه تيمان والمس بنساء بدويات دخلن بالخطأ الى البؤرة الاستيطانية في شومرون، هي امثلة من الزمن الراهن، من اجل مواجهة هذه الأفعال والتصريحات يجب أن نوضح ليس فقط ما هو الاشكالي فيها بل ما الذي يؤدي اليها. 

أسس مناوئة للمأسسة. مثلما يظهر شاؤول مغيد في كتابه “مئير كهانا: الحياة العامة والتفكير السياسي لمتطرف يهودي امريكي” (2021)، فان تعاليم كهانا ازدهرت على خلفية حركات يسار راديكالية في الولايات المتحدة، والخطاب وطرق العمل، وحتى رمز القبضة المرفوعة تأثر من حركات مثل “الفهود السود” (كهانا نفسه سمي في الاعلام “الفهد اليهودي”). هذه الحركات وكهانا في اعقابها قاموا بضم أيديولوجيا مناوئة للمأسسة، التي تعتبر ممثلي الدولة الرسمية اشخاص يخلدون المظالم والقمع، الذين يجب معارضتهم. 

هذه الأسس وجدت التعبير أيضا في حياة كهانا السياسية. فبعد ابعاده عن التنافس للكنيست بدأ في وصف الديمقراطية واليهودية كامور تعارض بعضها، الأولى تضعف اليهودية وتعزز الأسس الغريبة عنها في الدولة وفي مؤسساتها. مع مرور السنين، من خلال رفض المؤسسة الصهيونية، تقرب كهانا من جهات حريدية متطرفة.

في تعاليم كهانا يظهر تأثير تفكير المنفى ليهود يعيشون في وسط اغلبية لاسامية، الذي اثر أيضا على نظرتهم للدولة ودورها. امثلة على ذلك يمكن ايجادها في الصورة التي يترجم فيها مفاهيم مثل الكرامة الوطنية، الانتقام ومكافحة الانصهار، الى اطار دولة سيادية مع أكثرية يهودية واضحة. حسب تعاليمه فان الانتقام والكرامة الوطنية تناقض سيادة الدولة كدولة قانون، التي تدافع عن مواطنيها وتعمل بطرق قانونية منظمة وتجسد الكرامة الوطنية بمجرد وجودها كدولة قوية ومستقرة.

في حالات كثيرة يبدو أن اتباع كهانا في الحقيقة اختاروا تطوير اغتراب ونظرة متشككة وحتى معادية تجاه قوانين الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية. هذا ظهر حتى قبل 7 تشرين الأول. أعضاء كنيست من حزب “قوة يهودية” اتهموا المستشارة القانونية للحكومة بالمسؤولية عن عمليات القتل في الوسط العربي؛ بن غفير تعامل بعدائية مع جهاز الشرطة الذي يحقق مع رجال الشرطة. وعمل على إعادة للخدمة شرطية تمت ادانتها بالاعتداء وإدارة حملة من اجل القاتل عميرام بن اولئيل، الذي اتهم مؤسسات الدولة بحياكة ملف ضده. إضافة الى ذلك يمكن احصاء اتهامات وشكاوى ضد قوة يهودية وطاقم الوزير، من بينها بيع الأصناف الأربعة بدون وصولات، وتهمة مخالفة تجاوز قانون تمويل الأحزاب.

حتى في ذروة الحرب رأينا تعامل مشابه مع القانون. اتهامات موجهة لاعضاء مكتب بن غفير الذين وزعوا رخص للسلاح للمقربين، مخالفات سير متراكمة للوزير واصابة مواطن في حادث طرق كانت سيارة الوزير متورطة فيه في اللد بعد اجتيازه مفترق طرق واشارة ضوئية حمراء. حتى شركاء بن غفير في الائتلاف اتهموه بتسريب اسرار الدولة. هذه النظرة للقانون ومؤسسات الدولة وصلت الى الذروة في اقتحام قواعد الجيش الإسرائيلي في محاولة لمنع اجراء تحقيق وانفاذ القانون. 

مناهضة راديكالية للدولة. اذا حاولنا الإشارة الى الامر الأساسي الذي يميز بين رؤية الصهيونية ورؤية الكهانية، رغم التشابه بينهما، فسنصل الى مفهوم متآكل ومبتذل وهو الرسمية. ففي حين أن الصهيونية تحارب من اجل قيم الكرامة الوطنية والامن اليهودي بواسطة تأسيس “مملكة” – دولة، دولة تقوم على قوانين المساواة وعلى مؤسسات ثابتة، فان الكهانيين غير قادرة على التحرر من النضال ضد الدولة ومؤسساتها، سواء بسبب ماضي حاخامهم أو بسبب التعاليم التي ورثوها عنه، التي تصعب عليهم قبول إسرائيل كدولة يهودية ذات سيادية.

الرسمية أو الدولة يمكن أن تكون مفهوم مستقل، لكن توجد له معان عملية لا وجود للمملكة بدونها، مثل تعظيم الهيئات والإجراءات والآليات ونظرة محافظة تجاه التغييرات المتعلقة بها. الحركات الراديكالية والمتطرفة مثل الحركة الكهانية تحتقر الدولة وتسعى الى تشويهها، لأن مزاجها يتناقض مع استقرار مؤسسات الدولة. لذلك فان التحالف الذي قام به منتخبو الجمهور، الذين يسمون انفسهم محافظين، مع اتباع كهانا، لا يعتبر خطأ أخلاقي فحسب، بل هو يقوض أسس المؤسسات التي يحاولون حمايتها.

وعي الأقلية الكهانية يجد حلفاء له في أوساط الصهيونية الدينية والمجتمع الحريدي، الذين تعودوا خلال السنين على رأي اقلية خاصة بهم، ويؤثرون على المجتمع بشكل عام. المعارضة للمؤسسة تجد اذن صاغية وقلب منفتح في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام وفي المجتمع الصهيوني الديني بشكل خاص، والتي يتم تأجيجها بواسطة الشرخ الذي حدث في السنة الماضية.

هذا الأساس الذي يتمثل بمعارضة مستمرة للدولة والمؤسسة هو الخطر الكهاني الأكبر. ولكن الكهانيين يحتاجون الى شركاء سياسيين من اجل النجاح في تنفيذ تعاليمهم. التسامح مع المواقف المتطرفة والتعاون معها على الصعيد السياسي والصعيد العام يقوض المواقف المحافظة والليبرالية معا، ونسيج الحياة المشتركة لنا جميعا. ادراك الخطر الذي يوجد في هذا التطرف وفي تحديه لاستقرار الدولية ومؤسساتها يجب اقناعنا بأهمية النضال ضد هذا التطرف، وارسال اليمين والصهيونية الدينية الى البحث عن شركاء جدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى