هآرتس: الجمهور الإسرائيلي منهك، لكن ايران هي التي ستقرر وقت المواجهة

هآرتس 15/6/2025، يوسي ميلمان: الجمهور الإسرائيلي منهك، لكن ايران هي التي ستقرر وقت المواجهة
في جهاز الامن يستعدون لاستمرار المواجهة مع ايران لبضعة أيام، وياملون ان لا تتطور الى حرب استنزاف طويلة. لقد نجحت الدفاعات الجوية التابعة للجيش الإسرائيلي والأردن والولايات المتحدة في اعتراض جميع المسيرات التي اطلقتها ايران من أراضيها ومن العراق ردا على هجوم إسرائيل في ايران. ولكنهم في جهاز الامن على قناعة بأنه ستكون محاولات إيرانية لاطلاق اسراب من المسيرات والصواريخ البالستية. في كل الحالات يصعب الآن التحدث عما تفكر فيه إسرائيل. الجيش الإسرائيلي والموساد معنيان بانهاء الحدث في اسرع وقت، لكن يبدو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يسعى الى مواصلة الحرب لنفس الأسباب الشخصية والسياسية التي تجعله يستمر في الحرب في غزة.
على أي حال، ايران هي التي ستقرر هل ضربة البداية الناجحة، عملية “شعب الأسود”، ستنتهي كما يريد الجيش الإسرائيلي. من الجدير الذكر بان الإيرانيين، المعروفين بالتصميم والذين يعتبرون انفسهم تاريخيا اكبر المضطهدين على الأرض، ملتزمون بحرب طويلة ومضنية. مثلا، الحرب التي فرضها عليهم صدام حسين، الذي كان يامل بنزهة قصيرة وتفاجأ بأنه وجد نفسه في مواجهة استمرت ثماني سنوات وجبت تقريبا مليون ضحية في الطرفين.
معظم المحللين، مراسلين، أعضاء كنيست لهم تجربة، وأعضاء سابقين في جهاز الامن، لم يصدقوا ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيأمر الآن بالهجوم، رغم انه منذ 2009 يطرح هذه الفكرة، وأيضا قام باعداد خطط مع جهاز الامن. حتى الآن دائما كان يتراجع في اللحظة الأخيرة، أو أنه تم منعه من الإدارة الامريكية.
إضافة الى ذلك تقدير معظمنا هو أنه اذا قرر نتنياهو الهجوم فان هذا يجب ان يتم بالتنسيق المسبق مع الولايات المتحدة. ولم يكن أيضا أي شك بانه في جميع الحالات الإدارة الامريكية ستساعد إسرائيل في توفير المعلومات لتحسين القدرات العملياتية للجيش الإسرائيلي والموساد. الامر الذي لم يكن واضح في التصريحات الامريكية الأخيرة هو هل حقا الولايات المتحدة عارضت هجوم إسرائيل أو أنها فقط تظاهرت بذلك، وهكذا ساعدت إسرائيل في خلق ضبابية حول الهجوم.
ضبابية أم لا، ايران كانت تتوقع هذا الهجوم، وحتى أنها هددت أمس بأنه اذا لاحظت بأن موعد هجوم إسرائيل يقترب فانها ستقوم بهجوم وقائي لإحباط ذلك. شبكة “فوكس” نشرت ان إسرائيل نفذت مناورة خداع جعلت كبار قادة سلاح الجو الإيراني يذهبون في تلك الليلة الى المقر تحت الأرض الذي تمت مهاجمتهم فيه. باثر رجعي يمكن التقدير بان تصريحات ترامب كان جزء من خطة خداع إسرائيل لمفاجأة ايران. الرئيس الأمريكي قال ان بلاده لم تشارك في الهجوم، لكن يمكن الافتراض بيقين كثير انه اعطى الضوء الأخضر لنتنياهو، الذي تحدث معه عدة مرات مؤخرا، وذلك من اجل تعزيز التنسيق قبل العملية. هذا الامر يشبه الضوء الأخضر الذي أعطاه الرئيس لندن جونسون لإسرائيل قبل بضعة أيام من بدء الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو في الحرب ضد مصر في 1967.
من الواضح أن معلومات الموساد و”امان” بمساعدة المخابرات الامريكية مثيرة للانطباع وجديرة بالتقدير. الموساد عمل خلال سنوات على إقامة بنية عملاء تحتية ومساعدين والشقق السرية والورشات والسيارات والتوثيق والقصص الوهمية، إضافة الى تطوير وسائل تكنولوجية متقدمة مكنتها من اطلاق المسيرات المتفجرة من داخل ايران نفسها. هذه ليست المرة الأولى. فقبل ثلاث سنوات تم تدمير مسيرات إيرانية بواسطة مسيرات مسيطر عليها من قبل إسرائيل، تم اطلاقها من داخل ايران.
يضاف الى هذا الإنجاز الاستخباري انجاز عملياتي مثير للانطباع يتمثل في تصفية رئيس الأركان في الجيش الإيراني وشخصيات رفيعة في الجيش، بمن فيهم قائد سلاح الجو وقائد حرس الثورة والعلماء النوويين الذين موتهم سيضر بإعادة ترميم المنظومة التي تم تفجيرها. موت هؤلاء الكبار يعتبر ضربة قاسية، ليس فقط معنويا ونفسيا، بل هو سيؤثر على المدى القصير الى حين يقوم من سيحلون مكانهم، الذين تم تعيينهم على الفور كنوع من تحدي إسرائيل واشارة الى تواصل القيادة، بممارسة عملهم.
ايران اعترفت في السابق بأن منشأة تخصيب اليورانيوم في نتاز تضررت، وهو المنشأة الرئيسية، القلب النابض للمشروع النووي الإيراني الذي كان فيه، بعمق 20 متر تحت الأرض، 20 ألف جهاز طرد مركزي قام بتخصيب اليورانيوم. السؤال الرئيسي هو هل سلاح الجو نجح أيضا في المس بالموقع الثاني الصغير لتخصيب اليورانيوم في فوردو، قرب مدينة قم المقدسة للشيعة، التي كانت مقر إقامة مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني. هذا موقع صغير محصن في جبل بعمق 40 متر، وفيه تم تخزين بضعة آلاف من أجهزة الطرد المركزي من النماذج المتطورة. ايران قالت ان فوردو لن يتضرر، لكن يجب انتظار بيان من إسرائيل ومن الوكالة الدولية للطاقة النووية التي كان من شأنها ان تشرف على هذا الموقع.
حسب تقارير الجيش الإسرائيلي فانه تم تدمير أيضا مخازن ومواقع لبرنامج الصواريخ للجمهورية الإسلامية. في الأيام القريبة القادمة سنعرف الى أي درجة كانت العملية ناجحة بالفعل، وكم من الوقت ارجعت فيه الى الوراء المشروع النووي الإيراني.
الآن توجد عدة خيارات امام ايران. في المرة الأولى أعلنت بأنها لن تشارك في جولة المحادثات التي كان مخطط لها اليوم في سلطنة عمان، بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكون ووزير خارجية ايران عراقجي. هي يمكنها الذهاب بعيدا والتقرير بأنها تنسحب من ميثاق منع انتشار السلاح النووي (ان.بي.تي)، كما فعلت في حينه كوريا الشمالية. وهي يمكنها أن تقرر تخصيب اليورانيوم من المستوى الحالي، 60 في المئة، الى مستوى 90 في المئة، الذي يعتبر مادة متفجرة لانتاج قنبلة. هي يمكنها أيضا الإعلان بأنها ستعمل على انتاج القنبلة، وهي عملية ستستغرق شهرين – سنة، بما في ذلك تركيبها على صواريخ لاطلاقها.
خيار آخر امام ايران وهو اطلاق الصواريخ على السعودية ودول الخليج كعقاب ورد على علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، الامر الذي سيؤدي الى ان يجد ترامب جيشه خلافا لرغبته متورط بشكل مباشر في مواجهة عسكرية.
لكن الأكثر أهمية هو انه يجب طرح سؤال هل حقا ايران كانت قريبة جدا من انتاج القنبلة، كما يقول نتنياهو وكاتس، وبدون خيار يشجعون قادة الجيش ويقومون بجرهم وراءهم، أو أنه كان يمكن تجنب التحرك العسكري وانتظار توصل الولايات المتحدة وايران الى اتفاق سياسي. ترامب نفسه صرح بأن الطرفين اقتربا جدا من تحقيق ذلك، لكن هذه المسألة أصبحت في الماضي.
الآن يجب على الجمهور الإسرائيلي، المنهك من حرب غزة والازمة السياسية والشرخ في الشعب، مواجهة قرار الحكومة بكل تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. لا توجد أي ثقة في أنه عندما سيزول الغبار عن نشوة النجاح العسكري الذي هو تكتيكي وعملياتي في أساسه، ستتم ترجمته الى انجاز استراتيجي يضمن قدرة إسرائيل على العيش بأمن نسبي، أو أن هذه العملية في ايران ستحول إسرائيل الى دولة ستستمر في العيش على حد السيف الى الأبد.