هآرتس: الأهداف ليست في متناول اليد، سيناريوهات الانهاء غامضة وماذا الان؟

هآرتس 17/6/2025، عاموس هرئيل: الأهداف ليست في متناول اليد، سيناريوهات الانهاء غامضة وماذا الان؟
الهجوم الإسرائيلي في ايران، الذي أدى الى بدء الحرب الشاملة بين الدولتين، استهدف تحقيق تأجيل لسنتين أو ثلاث سنوات للمشروع النووي الإيراني. هدف الهجوم الرئيسي هو منع الإيرانيين من تحقيق قدرة سريعة لتطوير كامل للسلاح النووي، وزيادة عدد الصواريخ الباليستية التي توجد في حوزتها الى 8 آلاف صاروخ في غضون سنتين، والتقدم نحو إمكانية تحقيق الهجوم الأكبر في إسرائيل، الامر الذي يسمى هنا خطة التدمير.
عمليات القصف الإسرائيلية التي شملت أيضا اغتيال عشرات كبار قادة النظام في ايران والأجهزة الأمنية يمكن ان تمهد الطريق لتدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في القدس ما زالوا ياملون ان يفرض ترامب على الإيرانيين تسوية متطلبة اكثر بفضل العملية العسكرية. في الخلفية، مثلما تبين من عمليات القصف أمس التي وجهت ضد اهداف متماهية مع النظام مثل قناة التلفزيون الإيرانية الرسمية، يبدو ان إسرائيل ما زالت تحاول الدفع قدما باسقاط النظام في طهران. هذا هدف طموح جدا ومشكوك فيه أن يكون قابل للتحقق. الأرقام المتزايدة للمواطنين القتلى في ايران في عمليات القصف الإسرائيلية من شانها ان تحقق أيضا نتيجة معاكسة تتمثل في تكتل جزء من الجمهور حول النظام المكروه امام التهديد الخارجي.
لكن حتى بعد أربعة أيام من القتال، والضرر الكبير في طهران والدمار الذي لا بأس به في تل ابيب، إلا انه حتى الآن لا يمكن القول بان الأهداف، المعلنة وغير المعلنة، قد تم تحقيقها أو أنها توجد في متناول اليد. هل تم وضع هنا هدف واقعي أو ان هذه مجرد أمنية فقط؟ إسرائيل بدات المعركة بشكل مبهر، ولكن عملياتها العسكرية بعيدة عن ان تنتهي. يوجد عدم يقين بخصوص موقف الولايات المتحدة، الى جانب عدم الوضوح بخصوص سيناريو الانهاء، وهناك خوف طبيعي من أن تنزلق الأمور الى حرب استنزاف طويلة التي إسرائيل غير مستعدة لها.
عندما ننفعل من نجاح سلاح الجو و”امان” والموساد في الهجوم، واعتراضات منظومة الدفاعات الجوية، وشجاعة المنقذين في الجبهة الداخلية، فانه يجب عدم تجاهل الحقيقة الرئيسية وهي أن جميع الحكومات الأخيرة لم تفعل أي شيء من اجل اغلاق فجوة حاسمة. عدد كبير من سكان الدولة، الذين الكثيرين منهم يوجدون في المدن الكبيرة، لا يوجد امامهم حل للدفاع عنهم على شكل ملجأ أو غرفة آمنة قريبة منهم. أيضا لا أحد قام باعداد الجمهور للفرق بين اطلاق الصواريخ من غزة أو اليمن وبين ما يمر به سكان تل ابيب الكبرى وحيفا في الليالي الأخيرة. بعد ان تمكن الجيش الإسرائيلي من تصفية معظم تهديد صواريخ حزب الله، يمكن الافتراض بأن الكثير من المواطنين اعتقدوا بأن الخطر الأكبر قد تقلص.
حتى امس قتل 23 مواطن إسرائيلي في عمليات القصف الإيرانية الكثيفة، والمئات أصيبوا وعشرات المباني تدمرت أو أنه ستكون حاجة لهدمها، هذه اضرار بحجم لم يتعود عليه الإسرائيليون، على الأقل ليس في مركز البلاد. منذ بداية الحرب تم اطلاق على إسرائيل حوالي 350 صاروخ باليستي من ايران، اكثر من 90 في المئة منها تم اعتراضها من قبل منظومات الدفاعات الجوية أو أنها سقطت في مناطق مفتوحة. عدد القتلى الذي سجل اكبر مما تم تقديره في السيناريوهات المسبقة في هيئة الأركان.
ان الامتثال لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية والمكوث في الملاجيء أو الغرف الامنة، على الاغلب ينقذ الحياة. حتى الان، باستثناء قتلى بإصابة مباشرة لصاروخ أمس لغرفة آمنة في بيتح تكفا، فانه لم يكن هناك قتلى في الغرف الامنة نتيجة الإصابة، لكن هذه بالطبع نتيجة مؤقتة. حدث كثير الضحايا، أو إصابة مباشرة لذخر استراتيجي أو موقع له أهمية رمزية، يمكن ان تغير المناخ العام في الجبهة الداخلية، الذي هو في الأصل مشحون الآن بالضغط والخوف.
في الجيش الإسرائيلي يشيرون الى تفوق مهم تم تحقيقه وهو ترسيخ حرية العمل الجوي بشكل كامل، التي تستعين أيضا بالمعلومات الدقيقة في الوقت الحقيقي، في سماء غرب ايران. هذا الهدف تم تحقيقه في يوم السبت بشكل اسرع مما توقعوا في الجيش، الامر الذي مكن من مهاجمة عشرات منصات صواريخ ارض – ارض ومئات الصواريخ إضافة الى تدمير بطاريات صواريخ ارض – جو. أيضا المس بالشخصيات الرفيعة مستمر وان كان بحجم أقل. في الجيش الإسرائيلي يصفون ذلك بأنه إعطاء حرية عمل للدائرة الثالثة مثل حرية عمل الدائرة الاولى (مثل بيروت أو غزة).
إسرائيل تقلد الخطوة الامريكية في فتح حرب الخليج ضد العراق في 1991 وفي 2003: طريقة “الصدمة والخوف” التي تعتمد في المقام الأول على استخدام القوة الجوية.
بين التصريحات والخطوات
الى اين نحن نتجه؟ مثلما كتب هنا منذ بداية المعركة فان المجهول الرئيسي والحاسم هو مستوى دعم الإدارة الامريكية لإسرائيل. هل التصريحات العلنية وارسال السلاح والمساعدة في المعلومات الاستخبارية والدفاع ستتم ترجمتها أيضا الى خطوات هجومية؟ أمس اثار الانتباه تحرك حوالي 30 طائرة أمريكية للتزود بالوقود من قاعدة في أمريكا نحو الشرق. السيناريو الأول وهو انضمام أمريكا للهجوم ضد المنشأة في فوردو واهداف النظام، يمكن أن يغير ميزان القوة ويحقق كل أوهام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ولكن ترامب لم يظهر بعد أي علامة على أنه يسير في هذا الاتجاه، وفي دائرته الضيقة حوله توجد معارضة شديدة لتدخل الولايات المتحدة.
حسب سيناريو آخر فان ترامب يتوسل لنتنياهو من اجل المسارعة الى انهاء الحرب وهو في موقف انتصار ويفرض على الطرفين وقف سريع لاطلاق النار، مع محاولة التوصل الى اتفاق نووي جديد بشروط اكثر قسوة لإيران (في الجيش الإسرائيلي ياملون بانه سيعطى لهم المزيد من الوقت للهجوم رغم الاضرار في الجبهة الداخلية). السيناريو الثالث، وربما الأكثر خطرا، يتعلق بتطور حرب استنزاف. إسرائيل يمكن ان تجد نفسها في وضع أوكرانيا التي تحارب منذ ثلاث سنوات ضد روسيا. الاوكرانيون على الأقل يتمتعون بدعم دولي كبير.
صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت امس بان ايران تطلق إشارات حول رغبتها في انهاء الحرب واستئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. وحسب التقرير الذي نسب لموظفين في الشرق الأوسط وفي أوروبا فان طهران أرسلت للولايات المتحدة وإسرائيل هذه الرسائل بواسطة وسطاء عرب. هذا نبأ مشجع جدا، لكن يثور شك صغير وهو أنه في هذه المرحلة المبكرة جدا فان هذا يمكن أن يكون هذا النبأ جيد اكثر من كونه حقيقي. الضربة التي تلقتها ايران من إسرائيل قاسية وغير مسبوقة في حجمها، لكن لا يمكن تجاهل التصميم الذي يظهره النظام المتطرف حتى الآن. أيضا الصحيفة المخضرمة (بدون اشراك طاقمها المدرب في إسرائيل) تم اتهامها في السنوات الأخيرة بانها تطوعت لتشكيل قناة لنشر قصص مريحة لنتنياهو.
من يساهم، بدون حكمة، في الاتهامات التي تقول بان إسرائيل تضر بشكل متعمد بالمدنيين في طهران هو وزير الدفاع يسرائيل كاتس. أمس غرد كاتس في تويتر في اعقاب اطلاق النار الكثيف نحو غوش دان بأن “سكان طهران سيدفعون الثمن قريبا”. هذه اقوال تورط إسرائيل وكاتس نفسه باتهامات حول جرائم حرب، بالذات في الجبهة التي فيها الجيش الإسرائيلي هو انتقائي في استخدام النيران أكثر مما في غزة. بعد ذلك اضطر كاتس الى نشر بيان توضيح. الامر لم يعد يتعلق بأمر مضحك، بل بضرر حقيقي. الطيارون يضحون بأنفسهم في ايران والجنود الذين يقتلون في غزة والمدنيون يقتلون في الجبهة الداخلية، وبالنسبة لكاتس الحرب تظهر كمناسبة كبيرة لالتقاط الصور. “لا توجد أي طريقة مهذبة لقول ذلك”، كتب الصحافي ديفيد هلبر ستام عن روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي، في حرب بداية حرب فيتنام. “لقد كان شخص غبي”.
كاتس هو الشخص الذي اختار نتنياهو تعيينه في منصب رفيع جدا في ذروة الحرب. ما هو الامر الذي يستمر في اشغال رئيس الحكومة اثناء حرب قاسية جدا، الخروج الى معركته الاستراتيجية الأكثر أهمية بالنسبة له؟ أمس توجه الى المحكمة العليا وطلب الغاء رأي المستشارة القانونية للحكومة، وأن يتم تعيين وبسرعة مرشحه الجنرال دافيد زيني في منصب رئيس الشباك بعد استقالة رونين بار أول أمس. حملة تفكيك الديمقراطية مستمرة رغم الحرب في ايران، وربما سيتم تسريعها برعايتها.
اعتبارات محل تساؤل
نتنياهو لم يهتم باشراك مواطني إسرائيل في اعتباراته عشية الهجوم، أيضا من اجل الحفاظ على عامل المفاجأة في ايران. بعد الهجمات الأولى أوضح رئيس الحكومة بأنه ظهرت في الأشهر الأخيرة معلومات جديدة لم تترك له أي خيار إلا العمل. رئيس الأركان ايال زمير، الذي يتمتع الان بثقة كبيرة من الجمهور، اهتم بالإعلان ان قرار الذهاب الى الحرب كان “موضوعي ومهني”، لكن في أوساط كبار سابقين في جهاز الامن يعتمل الشك، بالأساس حول اعتبارات نتنياهو، الذي كسب وبحق عدم الثقة به في السنوات الأخيرة.
جهات استخبارية قالت أمس للصحيفة بأن الإيرانيين استغلوا فترة المفاوضات الطويلة حول عودة أمريكا الى الاتفاق النووي، في آخر ولاية بايدن وفي بداية ولاية ترامب، من اجل تسريع المشروع النووي. ضمن أمور أخرى تم تشخيص عمل جديد في مجموعة السلاح في هذا المشروع، التي معظم العلماء الرائدين فيها قتلوا في الهجوم الإسرائيلي المركز في ليلة الهجوم الأولى. في الجيش قدموا توصية بالعمل، من خلال نافذة فرص تم تحديدها، في شهر حزيران، بعد عدة تاجيلات سابقة، للاعتقاد بأنه تمت بلورة ما يكفي من القدرات لتنفيذ العملية الافتتاحية. في حين أن انتظار آخر كان يمكن أن يؤدي الى اغلاق ثغرات في منظومة الدفاع الإيرانية. هذه هي المبررات، وسيكون هناك مناسبة للعودة وفحصها بدقة اثناء الحرب، وبالتاكيد بعد انتهاءها.