هآرتس: ازمة القيادة الفلسطينية تخدم إسرائيل التي تساهم في تعميقها

هآرتس 12/6/2025، جاكي خوري: ازمة القيادة الفلسطينية تخدم إسرائيل التي تساهم في تعميقها
في الذاكرة الجماعية العربية، وبالتاكيد الفلسطينية، منقوشة ايام حزيران كفترة هزائم مؤلمة – لكن ايضا صحوة وطنية للوعي. حرب الايام الستة في حزيران 1967، او النكسة حسب الرواية الفلسطينية والعربية، اشارت في الحقيقة الى هزيمة ماساوية، سياسية وعسكرية، ولكنها ايضا مثلت اللحظة التي فيها فتحت نافذة للوعي الفلسطيني المستقل، بعد ان رفعت عنها الرعاية العربية على صورة الرئيس المصري جمال عبد الناصر. الشعب الفلسطيني امسك في حينه بزمام مصيره الوطني، واقام م.ت.ف. اشخاص مثل ياسر عرفات برزوا من الظل الى الواجهة، الى أن اصبح رمز متفق عليه، تقريبا بدون أي شك، للنضال الوطني.
ايضا في حزيران 1982 عندما اجبر الغزو الاسرائيلي للبنان قيادة م.ت.ف على الخروج الى المنفى في تونس، لم يشكك أي احد في مسالة التمثيل. عرفات كان الزعيم، بالخير والشر، والاعتراف به كان داخليا ودوليا على حد سواء، حتى لو سمعت اصوات انتقادية من داخل المعسكر نفسه. ولكن في حزيران 2025، رغم انه يوجد للفلسطينيين الان شرعية دولية واسعة لفكرة الدولة، ورغم ان هناك اعتراف دولي مبدئي بحقهم في تقرير المصير، إلا ان السؤال الذي اخذ يحتل مكان رئيسي في الخطاب الداخلي هو من الذي حقا يمثل الشعب الفلسطيني الآن؟.
السلطة الفلسطينية في ازمة وجودية منذ عقد تقريبا. أبو مازن (89 سنة) يواصل التمسك بالقوة التي تتمثل في السيطرة على الاجهزة الامنية والمؤسسات الحكومية المعتمدة بشكل كامل على رغبة اسرائيل. مع ذلك، رغم وعوده الا انه لا توجد لديه قدرة او رغبة في القيام بتغيير جذري مع موافقة وطنية. حتى تجديد دور نائب رئيس م.ت.ف، الذي في نظر عباس يعتبر خطوة اصلاحية، ادى الى تعيين المقرب منه حسين الشيخ. ان غياب ممثلي معظم الاحزاب الرئيسية عن تعيين الشيخ اثناء الاجتماع الاخير للمجلس المركزي الفلسطيني، الجسم الثاني من حيث اهميته في مؤسسات م.ت.ف، كشف عمق الازمة بين القيادة القديمة والجمهور الذي تتفاخر بتمثيله.
في موازاة ذلك الاحداث في هذه الايام في قطاع غزة هي احداث غير مسبوقة في وعي الفلسطينيين. فحماس، التي في السابق قالت انها البديل لسلطة م.ت.ف باسلوب الجهاد والمقاومة، توجد في معركة بقاء بعد هجوم 7 اكتوبر. وهو الهجوم الذي ادى الى نكبة ثانية بكل تداعياتها، بدلا من ان يدفع قدما بالمصالح الفلسطينية. في هذا الفراغ دخلت قوات جديدة، ليس بالضرورة ايديولوجية، بل مسلحة، مليشيات محلية، واحيانا تتم قيادتها من قبل قادة جريمة الذين يحصلون على الشرعية الفعلية بقوة السلاح. في الشارع الفلسطيني، خاصة في اوساط جيل الشباب يندمج الاحباط، السخرية والشعور بالاهمال. لا احد يصدق الآن بان “هناك احد ما فوق” يمثله حقا.
ازمة القيادة هذه ليست نتيجة حصرية لديناميكية داخلية، بل هي تعتمد بشكل كبير ايضا على سلوك اسرائيل الذي امتد لفترة طويلة – سياسة منهجية حطمت وسخرت من كل محاولة لاقامة قيادة فلسطينية شرعية، وعملت على تعميق الاحتلال وتوسيع مشروع الاستيطان ومفاقمة القمع اليومي. جيل تلو جيل، خاصة في العقد الاخير، شاهد الواقع الذي فيه كل أمل للتقدم السياسي يبدو ليس فقط بعيد، بل محطم. الشعور بالضياع واللامبالاة السياسية في اوساط جيل الشباب ليست نتيجة الفراغ، بل نتيجة الخنق المتعمد.
ماذا في اسرائيل، بالتحديد هناك في حكومة نتنياهو، سموتريتش وبن غفير، يعتبرون الفوضى فرصة. بدلا من العمل على ترميم المنظومة السياسية الفلسطينية من خلال مصلحة في الاستقرار الاقليمي فانهم يحاولون الحفاظ على الانقسام وتعميقه. هناك من هو شريك بشكل متعمد في تطوير المليشيات، ليس من اجل اقامة قيادة جديدة بل لالغاء الحاجة الى قيادة. مشروع رائد في غزة، ربما نموذج لتوريده في المستقبل الى الضفة: سيطرة غير مباشرة بواسطة عملاء ميدانيين مسلحين، بدون مسؤولية مدنية أو مفاوضات أو شريك. في النظرية الكولونيالية القديمة لا توجد حاجة الى شعب، بل توجد حاجة لمجموعة سكانية مسيطر عليها. ليس قيادة، بل هدوء. واذا لم يكن هدوء فعلى الاقل ليكون انقسام كي لا يكون هناك شعب واحد يطالب بشيء واحد واضح.
المشكلة هي ان المنظومة السياسية الفلسطينية نفسها بكل فصائلها تخدم هذا السيناريو. حماس وفتح تتجمدان عند استراتيجية الاستنزاف المتبادل. لا توجد مصالحة أو حلم واحد أو انتخابات. الزعماء يهتمون بانفسهم، الجمهور يهتم بان يبقى على قيد الحياة.
لكن بالذات الان، ربما مثلما في حزيران 1967 أو 1982، تم فتح ثغرة صغيرة: اذا نضج في المجتمع الدولي والعربي قرار لاستخدام الضغط من اجل انهاء الاحتلال، واذا استيقظت في موازاة ذلك رغبة حقيقية في المجتمع الفلسطيني للتجدد والتوحد، عندها يمكن ان تنمو قيادة شرعية، واسعة ومنتخبة، تستطيع ليس فقط تمثيل الشعب، بل ايضا قيادته الى الامان. حتى ذلك الحين فان سؤال من الذي يمثل الفلسطينيين سيبقى ليس فقط مفتوح، بل ايضا سؤال يتم استغلاله.