هآرتس: اتفاق وقف النار في لبنان تجاوز قطاع غزة ويبقي الفلسطينيين وحدهم
هآرتس 27/11/2024، جاكي خوري: اتفاق وقف النار في لبنان تجاوز قطاع غزة ويبقي الفلسطينيين وحدهم
اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله، الذي دخل فجرا الى حيز التنفيذ، سينهي (كما يبدو) جولة القتال الحالية في لبنان. تفاصيل الاتفاق والصياغة ورسائل الضمانات ستكون ضبابية، أو خاضعة لتفسير كل طرف من اجل التسهيل على المصادقة عليه. في لبنان يمكن الاعلان بأن “نحن حافظنا على القرار 1701 كما هو”. وفي اسرائيل سيقولون “نحن نحافظ على حقنا في حرية العمل والدفاع عن النفس”. وبالتأكيد سيكون ايضا عدم اتفاق حول آلية التنفيذ والرقابة على الاتفاق بين اسرائيل والجيش اللبناني وحزب الله وقوة الرقابة التي ستشمل الولايات المتحدة وفرنسا ودول اخرى.
لكن توجد قضية واحدة اصبحت واضحة وليس فيها أي ضبابية. وقف اطلاق النار في لبنان لا يشمل شرط وقف الحرب في قطاع غزة وعمليات الجيش الاسرائيلي هناك. المعركة في الشمال، التي بدأت كحرب لدعم غزة يتم انهاءها بدون تحقق هذا الهدف. اسرائيل ونتنياهو سينسبون ذلك الى انفسهم وسيكررون ذلك في ورقة الرسائل.
في لبنان هذه القضية سيتم طرحها مرة اخرى للنقاش الواسع. الكثير من اللبنانيين، بما في ذلك من يؤيدون حزب الله، سيتساءلون هل الحديث يدور عن التخلي عن الفلسطينيين أو عن قرار شرعي ازاء الضربات التي تلقاها الحزب والتداعيات المدمرة للمعركة على لبنان وجنوبه. حزب الله اعطى الجواب، اشارة سميكة يمكن ايجادها في الخطاب الاخير للامين العام نعيم قاسم الذي اوضح بأن حزب الله فعل كل ما في استطاعته بالنسبة لقطاع غزة والفلسطينيين ودفع ثمنا باهظا. قاسم القى المسؤولية عن القضية الفلسطينية على الأمة العربية والاسلامية والزعماء وعلى المجتمع الدولي. بين السطور الرسالة كانت واضحة: حزب الله لا يمكنه العمل لوحده اذا لم تتجرأ عشرات الدول على العمل معا.
الخلاصة، بعد 14 شهر على الحرب والدمار فان الفلسطينيين مرة اخرى بقوا لوحدهم. جبهة الدعم في الشمال بأمر من الامين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، تم اغلاقها. رغم “خيبة الامل والغضب” لرؤساء السلطات في الشمال فانه اذا تم الحفاظ على الاتفاق فانه في مستوطنات خط المواجهة سيعود الهدوء المأمول، وفي لبنان سيحاولون البدء في اعادة الاعمار، وقيادة حماس يجب عليها العثور على جبهة دعم اخرى.
في حماس، وبشكل عام في الساحة الفلسطينية، لا يتفاجأون من ذلك. فالرسائل التي حصلوا عليها مؤخرا كانت واضحة بما فيه الكفاية. حزب الله، بمصادقة ايران، لن يفشل الاتفاق من اجل الفلسطينيين ومن اجل غزة. نفس الامر ينطبق بالضبط على لبنان. فبعد الاتفاق لن يكون لدى حماس جواب على ما هي وجهتها. فالبنى التحتية والتنظيمية والعسكرية لها في القطاع مدمرة. الولايات المتحدة تستخدم الضغط الشديد على قطر لاغلاق مكاتب حماس في الدوحة، ولا يوجد أي تقدم في المصالحة الفلسطينية الداخلية. هذه الصورة البائسة تنطبق ايضا على السلطة الفلسطينية، وعلى رئيسها محمود عباس. فهو وحاشيته ايضا بحاجة الى اجابات بحكم دورهم ومسؤوليتهم، اذا لم يكن للقطاع فللفسطينيين في الضفة. في ظل جشع اسرائيل المتزايد للضم ولتفكيك السلطة، وامام ادارة امريكية يحتمل أن تعطي اسرائيل الدعم لمثل هذه الخطوات فانه من غير المستبعد أن تخرج القيادة في رام الله الى المنفى. ايضا يجب على حماس وقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله اعطاء جواب للجمهور الفلسطيني – أين وجهتهم امام تحديات يمكن أن تكون وجودية.
في القطاع وفي رام الله ايضا تذكروا في هذا الاسبوع الصورة التي نقشت في الذاكرة الجماعية للفلسطينيين واللبنانيين، خروج قادة م.ت.ف والمفاتلون من بيروت في 1982، بعد انتهاء معارك دموية صعد ياسر عرفات على متن سفينة وذهب الى المنفى. وعندما سئل الى أين يذهب. قال: الى فلسطين.
عرفات وآلاف المقاتلين بحثوا عن ملجأ لهم. المقاتلون انتشروا في عدة دول، وعرفات نفسه، بعد رحلة قصيرة في سوريا وعودة مؤقتة الى لبنان، استقر في تونس وانتظر هناك. للوهلة الاولى كان يبدو أن القضية الفلسطينية دخلت الى حالة الافول التي هددت استمرار وجودها، والعالم العربي كان لامباليا بها كالعادة. والعالم كان ينشغل بقضاياه. الخلاص جاء بالذات من الساحة الداخلية، اندلاع الانتفاضة الاولى فاجأ العالم، اسرائيل وقيادة م.ت.ف في تونس، والعالم تذكر مرة اخرى القضية الفلسطينية. الانشغال المجدد بالقضية نتج عنه مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو. ولكن الآن بعد مرور 29 سنة فانه لا يوجد في اسرائيل رابين، ولا يوجد ياسر عرفات للفلسطينيين. في بيروت لا توجد م.ت.ف وحزب الله غادر الساحة. ولكن يوجد شيء واحد الوضع فيه متشابه وهو أن الفلسطينيين بقوا لوحدهم.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook