ترجمات أجنبية

معهد البحوث الاجتماعية – بقلم  فيجاي براشاد –  “داعش في خراسان”، طالبان، وانتفاضة إفريقيا المجمدة

معهد البحوث الاجتماعية – بقلم  فيجاي براشاد *  –  6/9/2021

بعيداً، في الجنوب الغربي لمعقل تنظيم “داعش في خراسان” في ننجرهارا في شرق أفغانستان، وعبر بحر العرب، تقع المقاطعات الشمالية لموزمبيق.

في 26 آب (أغسطس)، أدى هجومان مميتان شُنا على محيط مطار كابول الدولي إلى مقتل أكثر من 100 شخص، بما في ذلك نحو دزينة من الجنود الأميركيين. وضربت التفجيرات أشخاصا كانوا يكافحون بيأس لدخول المطار والفرار من أفغانستان. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” (داعش-خراسان)، مسؤوليته عن الهجومين.

وقبل عشرة أيام من هذه الهجمات، كان مقاتلو طالبان قد دخلوا سجن “بول-ي-شرخي” في كابول، وأعدموا زعيم تنظيم “داعش في خراسان” أبو عمر الخراساني، المعروف أيضًا باسم ضياء الحق.

وقبل يومين من إعدامه، بينما كانت طالبان تتقدم نحو كابول، كان أبو عمر قد قال لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “سوف يطلقون سراحي إذا كانوا مسلمين صالحين”. وبدلاً من ذلك، قتله طالبان مع ثمانية قادة آخرين من “داعش في خراسان”.

منذ تشكيله في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2014، نفذ تنظيم “داعش في خراسان”، الذي يعمل في أفغانستان وباكستان، أكثر من 350 هجومًا ضد أهداف أفغانية وباكستانية وأميركية في هذه البلدان.

وجاءت القيادة الأولية للجماعة، حافظ سعيد خان والشيخ مقبول، من حركة “تحريك طالبان” الباكستانية. وانضم هذا القائدان إلى قائد سابق في طالبان، عبد الرؤوف خادم، لإنشاء “داعش- خراسان” في إقليم ننجرهار شرقي أفغانستان.

في العام 2018، أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن قيادة “داعش في العراق وسورية” سهلت “نقل بعض عناصرها الرئيسيين إلى أفغانستان”، بمن فيهم أبو قتيبة من العراق ومقاتلون آخرون من الجزائر، وفرنسا، وروسيا، وتونس، ودول آسيا الوسطى الخمس.

وفي العام 2016، صنفت الحكومة الأميركية “داعش في خراسان” منظمة إرهابية. وبعد ثلاثة أعوام، أسقطت الولايات المتحدة قنبلة ضخمة على مواقع “داعش في خراسان” في ننجرهار.

وفي 27 آب (أغسطس) الماضي، قصفت الولايات المتحدة أهدافًا في ننجرهار ردًا على تفجير كابول. وأعلنت القيادة المركزية الأميركية: “لا نعرف عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين”. وبعد أيام قليلة، قتلت غارة أميركية بطائرة من دون طيار زُعم أنها استهدفت أهدافًا لتنظيم “داعش في خراسان” عشرة مدنيين أفغان، بمن فيهم أطفال صغار.

منذ العام 2014، كانت طالبان تستولي على المزيد والمزيد من الأراضي في أفغانستان. وفي هذه الفترة، اشتبكت قوات “داعش في خراسان” مع طالبان مرارًا وتكرارًا، بينما طعن “داعش في خراسان” في مساعي طالبان في الإسلام السياسي وتعميق الهجمات الطائفية على الأقليات في أفغانستان.

من المؤكد أن إعدام أبو عمر الخراساني وانتصار طالبان قد دفعا تنظيم “داعش في خراسان” إلى شن الهجمات المميتة على مطار كابول. وهناك خطر ضئيل من العودة إلى حرب أهلية من النوع الذي دار في التسعينيات، لأن “داعش في خراسان” لا يمتلك القدرة على ذلك بمقاتليه الذين لا يزيدون على مئات لمنافسة طالبان على السلطة. ومع ذلك، فإن لديه الحماس لإلحاق الضرر ببلد منهار بشدة مسبقاً بسبب الحرب والفساد.

بعيدًا إلى الجنوب الغربي من ننجرهار، عبر بحر العرب، توجد المقاطعات الشمالية لموزمبيق. وهنا، اجتاح مقاتلون مسلحون مقاطعة كابو ديلغادو في العام 2017، وهاجموا مدينة موسيمبوا دا برايا. وأطلق هؤلاء المقاتلون على أنفسهم اسم “الشباب”، والذين لا تربطهم أي صلة بالمنظمة الإرهابية التي تحمل الاسم نفسه في الصومال.

وسرعان ما أخذ هؤلاء المقاتلون حربهم إلى ست من المناطق الشمالية الرئيسية في موزمبيق، واستولوا على خمس من عواصمها. وكانت العاصمة الوحيدة التي لم يتم الاستيلاء عليها في بداية الهجوم، بالما، مركزاً لمشروع ضخم طورته شركة الطاقة الفرنسية “توتال” وشركة الطاقة الأميركية “إكسون موبيل”. ولدى هاتين الشركتين حصة في أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في إفريقيا، والتي تبلغ قيمتها أكثر من 120 مليار دولار. وقد علقت الشركتان عملياتهما مع تقدم المقاتلين في بالما، التي سيطروا عليها في آذار(مارس) 2021.

أظهر الباحثون في “مرصد البيئة الريفية” في “كابو ليغاتو” أن هؤلاء المقاتلين هم من المنطقة، ولا ينتمون إلى أي مشروع إسلامي دولي.

ووجد جواو فيغو من “مرصة البيئة الريفية” أن قادة حركة “الشباب” هم أساسًا من موزمبيق، لكن القليل منهم جاؤوا من تنزانيا. والقائد الرئيسي لحركة “الشباب” هو بونومادي مشود عمر، الذي ولد في بالما وترعرع في المدارس الحكومية والإسلامية في موسيمبوا دا برايا، وتدرب في القوات العسكرية الموزمبيقية قبل أن يبدأ في جمع العديد من الشباب تحت جناحه لمحاربة الفقر الشديد في المقاطعات الشمالية في موزمبيق. وشكل هؤلاء حركة “الشباب”.

بعد التقدم السريع لحركة “الشباب”، من المعروف أن بونومادي مشود عمر تحدث عن علاقته بـ”داعش”، على الرغم من عدم وجود أي دليل على وجود أي ارتباط تنظيمي بين الجماعات التي تعمل في غرب آسيا وتلك التي في جنوب إفريقيا.

ومع ذلك، في 6 آب (أغسطس)، صنفت وزارة الخارجية الأميركية حركة “الشباب” -أو “داعش في موزمبيق”، كما تسميها الولايات المتحدة- كمنظمة إرهابية، وعرفت بونومادي مشود عمر على أنه “إرهابي عالمي بتصنيف خاص”. وبمجرد وصف حركة “الشباب” الموزبيقية بـ”داعش في موزمبيق”، أمكن نشر قوة عسكرية كاملة في شمال موزمبيق.

وأخبرني أحد كبار المستشارين في “مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي” أن العواصم الأفريقية امتلأت بالتوقعات المخيفة بأن تشن الولايات المتحدة وفرنسا هجومًا على شمال موزمبيق لحماية أصول شركتي “توتال” و”إكسون موبيل”.

وقال لي المستشار في اليوم الذي دخلَت فيه طالبان كابول: “ربما لهذا السبب أطلقوا على المقاتلين اسم ‘داعش-موزمبيق’”. وفي 28 نيسان (أبريل)، التقى رئيس موزمبيق، فيليب نيوسي، بالرئيس الرواندي بول كاغامي في كيغالي لمناقشة موضوع حركة “الشباب”.

وبعد عشرة أيام، وصل ضباط روانديون إلى كابو ديلغادو في مهمة استطلاعية، تبعهم بعد ذلك بوقت قصير 1000 جندي رواندي. ويقول المستشار الكبير أن الولايات المتحدة وإسرائيل -القريبة من كاغامي- باركتا هذه المهمة.

وبعد ذلك بوقت قصير، أرسلت “مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي”ما تسمى “البعثة في موزمبيق” (SAMIM) مع قوات من بلدانها -بوتسوانا، وليسوتو، وجنوب إفريقيا- إلى جانب قوات من أنغولا وتنزانيا. وقد أضعفت هذه القوات سيطرة حركة “الشباب” على مدن شمال موزمبيق.

واشتكى كل من ستيرغومينا تاكس، رئيسة “مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي” (التي انتهت فترة عملها كسكرتيرة تنفيذية في 31 آب/ أغسطس)، ووزير دفاع جنوب إفريقيا، نوسيفوي مابيزا-نكاكولا، من قرار رواندا الأحادي بالتدخل.

وفي حين أن كلاً من تدخل رواندا و”البعثة في موزمبيق” هما تدخلات من دول أفريقية، فإن المؤسسة الرئيسية في القارة -الاتحاد الأفريقي- لم تتداول بشأن هذا الأمر في مجلس السلام والأمن التابع لها. (ومع ذلك، رحب رئيس الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، بتدخل رواندا).

لم تضع موزمبيق ولا “مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي” ولا الاتحاد الأفريقي خطة شاملة بشأن شمال موزمبيق. وتتجذر مشاكل البلاد في عدم المساواة والفقر والفساد، والتي تفاقمت بفعل تأثير شركات الطاقة الفرنسية والأميركية العابرة للحدود.

يقدم الملف الذي أعده مركز “ثلاثي القارات: معهد البحوث الاجتماعية” حول التدخل العسكري الأميركي الفرنسي في القارة الأفريقية إطارًا لفهم دور المصالح التجارية الأميركية-الفرنسية في تلك المنطقة.

في حزيران (يونيو)، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيسحب نصف القوات الفرنسية من “عملية برخان” في مالي. وهذا النوع من “الانسحاب” هو جزء من حملة ماكرون الرئاسية لانتخابات العام 2022 وليس انسحابًا حقيقيًا.

في الواقع، يتمثل التدخل الحقيقي لفرنسا في إنشاء منصات مثل “جي-5 ساحل” G-5 Sahel (وهو مشروع عسكري بقيادة فرنسا يتكون من مالي، والنيجر، وموريتانيا، وتشاد، وبوركينا فاسو)، والتي يقوض وجودها تقدم الاتحاد الأفريقي والسيادة الأفريقية.

تبرر مجموعات مثل “جي-5 ساحل” وجودها بادعاء أنها تقاتل جماعات مثل “داعش”. وهي لا تذكر أهدافها بصدق: إدامة السيطرة على المناطق والبلدان الرئيسية في القارة، بحيث تحتفظ بذلك بوصول حصري إلى مواردها المعدنية والطبيعية.

إن الأمم المتحدة محقة في تقريرها الصادر في تموز (يوليو)، الذي قالت فيه أن توسع “داعش” في إفريقيا هو “تطور مذهل”. لكن الأكثر جدارة بالانتباه هي المشاكل الأساسية: السيطرة على الموارد وسرقتها والمشاكل الاجتماعية المصاحبة لهذه السرقة، أي المحنة الكبيرة التي تعاني منها شعوب أفريقيا. وعلى سبيل المثال، يعاني نصف سكان جمهورية إفريقيا الوسطى الجوع. ويشكل دخول القوات الرواندية إلى البلاد في العام 2019 بالكاد حلاً لهذه الأزمة.

في أفغانستان، كما هو الحال في جمهورية إفريقيا الوسطى، يعيش نصف السكان في فقر ويعاني ثلثهم من انعدام الأمن الغذائي، بينما يفتقر ثلثاهم للوصول إلى الكهرباء.

وفي الوقت نفسه، في موزمبيق، تشير التقديرات إلى أن 80 في المائة من السكان لا يستطيعون تحمل كلفة نظام غذائي كافٍ ومناسب، بينما يواجه 2.9 مليون شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتتمثل مشاكل الأمن الحقيقية في انعدام الأمن الغذائي والإهانة التي يشكلها الفقر، والتي تنتج كل أنواع الاضطرابات -بما في ذلك حركة “الشباب”.

بدأ تحرير موزمبيق في العام 1975 في كابو ديلغادو التي مزقها الصراع الحالي. وكانت حرب التحرير قد بدأت من العام 1962 بقيادة جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو). وكان جزء كبير من حرب التحرير حرباً من أجل إنهاء الاستعمار الثقافي، والتي أنتجت الروح الموزمبيقة وحساسية الثورة الجديدة. وكانت نويميا دي سوزا واحدة من أعظم شعراء موزمبيق، والتي نُشرت أعمالها في نشرة “أو برانو أفريكانو”.

* فيجاي براشاد –  مؤرخ وصحفي ومعلق هندي، هو المدير التنفيذي لـ”معهد البحوث الاجتماعية”، ورئيس تحرير مؤسسة “كتب العالم اليساري”.

*نشر هذا المقال تحت عنوان : 

 IS-K, the Taliban & Africa’s ‘Frozen Uprising’

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى